معيلات الأسر في موريتانيا مجبرات على العمل

02 فبراير 2016
"اليوم أصبحت أكثر ثقة وسعادة وتفاؤلاً" (العربي الجديد)
+ الخط -

ترتفع بشكل متزايد أعداد النساء اللواتي يتولين دور معيلات الأسر في موريتانيا. ولعل ظهور "رابطة التاجرات" ومنظمة "معيلات الأسر" وغيرهما يؤكد ذلك. تتنوع أعمال النساء ما بين التجارة والحرف التقليدية والزراعة والوظائف العامة، خصوصاً التعليم والصحة، والعمل في المصانع، والمطاعم، وغير ذلك.

كذلك، توجد نسبة من معيلات الأسر يعملن في المنازل. تتخصص هذه الفئة من ربات البيوت في زينة النساء، كالحناء والضفائر الأفريقية وخياطة الملابس التقليدية وتزيين الأواني. وأخريات يبدعن في منازلهن أشكالاً من منتجات الصناعة التقليدية، كالخيام والحصير والديكورات المختلفة.

من ربات البيوت اللواتي يعلن أسرهن من خلال العمل في المنزل ليلى بنت أحمد الشريف (33 عاماً). أجبرتها الظروف على ترك مقاعد الدراسة مبكراً، لكنّ موهبتها في خياطة الملابس التقليدية أمّنت لها مورد رزق يكفي حاجات أسرة مكونة من أربعة أفراد.

تقول ليلى لـ"العربي الجديد": "انفصلت عن زوجي منذ أربع سنوات وواجهت ظروفاً صعبة بسبب قلة الموارد المالية وتملّص طليقي من مسؤولياته، خصوصاً نفقات الطفلين. عدت إلى بيت الوالدة وأقنعتها بعرض جزء من البيت للإيجار ليساعد على نفقات البيت. وبدأت أستعيد هوايتي السابقة في خياطة الملابس التقليدية النسائية المعروفة بملاحف الخياطة، وهي مهنة لا تجيدها سوى النساء، ومردودها جيد بسبب قلة المتخصصات فيها والإقبال المتزايد عليها محلياً، أو من أجل تصديرها إلى البلدان المجاورة".

أعادت مهنة الخياطة لليلى الأمل في حياة أفضل وتمكنت من إعالة أسرتها من دون الحاجة إلى الخروج إلى سوق العمل بشكل يؤثر على دورها كأم لطفلين صغيرين ما زالا في حاجة إلى الرعاية والاهتمام.

لكنّ وضعية ليلى لا تنطبق على معظم معيلات الأسر في موريتانيا. فالنساء خرجن إلى السوق من جميع الشرائح، ومن بينهن أمهات لأبناء صغار يحتاجون إلى التربية والمراقبة.

على الرغم من جانبها الإيجابي، فإنّ ظاهرة معيلات الأسر لا تخلو من سلبيات على المعيلة وأبنائها. فمن جهة، تجد المرأة المجبرة على العمل مسؤولية أكبر منها رُميت على عاتقها. وهي مسؤولية تحدّ من حياتها الاجتماعية. من جهة أخرى، يعاني أبناء المعيلات من غياب الأم الاضطراري بعد غياب الأب الاختياري في وقت ما زالوا يحتاجون فيه للتربية والمتابعة.

لكنّ بعضهن ينجحن في لعب الدورين معاً، كأمهات ومعيلات. من هؤلاء دادو بنت محمد المختار (57 عاماً)، التي اختارت ميدان التجارة الذي يفضّله معظم الموريتانيين. تخصصت في تجارة "البسطات" لعدم قدرتها على استئجار محل ودفع ضرائب. فحققت أكثر ممّا كانت تحلم به، وأصبحت "بسطة" دادو الأشهر على رصيف سوق العاصمة نواكشوط.

نجحت دادو في إيصال أبنائها الخمسة إلى برّ الأمان. وبعدما اطمأنت إلى مستقبلهم، سعت إلى تحقيق حلمها الشخصي. تقول دادو: "كانت لدي رغبة كبيرة في العمل وتحقيق ذاتي، خصوصاً بعدما أصبحت متفرغة، ووقتي يسمح بإدارة مشروع تجاري". وجدت دادو في عملها ما يسلي وحدتها بعدما انتقلت بناتها الأربع إلى بيوت أزواجهن في مدن مختلفة. أما ابنها الوحيد فيواصل دراسته الجامعية في الخارج. تقول: "في البداية ساعدني العمل على تربية الأبناء.. ومع مرور الوقت أصبح أمراً أساسياً في حياتي يصعب عليّ التخلي عنه. حين أقارن حياتي من قبل بحياتي الآن أدرك أنّ الفارق كبير.. اليوم أصبحت أكثر ثقة وسعادة وتفاؤلاً".

منظمة

إلى ذلك، أسست الحقوقية آمنة بنت المختار منظمة "معيلات الأسر" للدفاع عن حقوق المعيلات بعد ارتفاع أعدادهن في المجتمع، ليتوسع اهتمام المنظمة بعد ذلك ويشمل جميع النساء بعد نجاحها محلياً وإقليمياً.

وبحسب أحدث إحصاءات المنظمة، فإنّ نسبة معيلات الأسر تقدّر بـ38 في المائة من مجمل معيلي الأسر الموريتانية. بينما لا يتجاوز نصيب المرأة العاملة في الوظائف القيادية 4 في المائة، بالرغم من أنّ النساء يمثلن 51.6 في المائة من السكان. تؤكد المنظمة أنّ الموظفة لا تحصل على راتب الرجل نفسه الذي يساويها في المؤهلات والخبرات.

وتعتبر المنظمة أنّ الطلاق هو السبب الرئيسي لارتفاع نسبة المعيلات. فهو لا يعطي المرأة حقها في النفقة وتربية الأبناء. كما أنّه يحمّل المرأة النتائج المأساوية للتفكك الأسري وتخلي الرجل عن مسؤولياته الاجتماعية.

من جهتهم، يطالب باحثون بحماية المرأة من الاستغلال والعمل في مهن غير مناسبة، وتخصيص إعانة لمعيلات الأسر ومحاربة الفقر والأمية في أوساطهن ووضع خطط لتقليص نسب الطلاق.

اقرأ أيضاً: اللاجئة ضحيّة سهلة للتحرّش في موريتانيا