معوّقو الشتات واللجوء

17 فبراير 2016
الفئات الأضعف الأكثر دفعاً للثمن (فرانس برس)
+ الخط -

لا تشبه حال المعوّق الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة حاله في الأراضي المحتلة عام 1948، إلا بوصفه فلسطينياً. وقد تكون أوضاعه هي الأسوأ على هذا الصعيد، إذ إن الفلسطيني سواء أكان معوقاً أم لا، يعاني من الحصار الخانق، فيما تمارَس عملية ممنهجة لمحو وإنكار الشخصية الوطنية الفلسطينية. وذلك، تارة بالجملة كما في القطاع، وطوراً في المفرّق كما في مدن الضفة وقراها ومخيماتها.

يأتي هذا وسط عدم اكتراث دولي وعربي، بطبيعة الحال. والحصيلة دوماً، أن الفئات الأضعف هي التي تدفع الثمن. وهنا لا نتحدث عن الإعاقات الطبيعية التي تصيب الإنسان في الظروف العادية، بل تلك الناجمة أيضاً عن "الحروب الاقتلاعية" التي استهدفت هذا الإنسان منذ أن أخذ المشروع الصهيوني يتمظهر على أرض الواقع مع كل ما يمتلكه من أدوات قتل وتدمير. وعليه، يمكن القول إن نسبة المعوّقين الفلسطينيين قياساً بعدد السكان، لا بدّ أن تلحظ هذا المسلسل الدموي المتواصل منذ قرابة قرن من الزمن وإلى الآن.

فلسطينيو الشتات في وضع لا يحسدهم عليه أبناء وطنهم تحت الاحتلال. الحروب التي تعرضوا لها سواء من خلال العمليات العدوانية التي شنتها إسرائيل عليهم أو تلك التي تمت بأيد عربية، خلفت وراءها عشرات ألوف المعوّقين جسدياً ونفسياً. والخدمات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) تتعرض للتقليص باستمرار، ويخفّض مستوى الخدمات في قطاعَين حيويَين هما الصحة والتعليم. وهما قطاعان يعانيان أصلاً من جملة أعطاب تجعل تقديماتهما لا تصل إلى الحد الأدنى اللازم للحياة البشرية السوية. الخدمات الصحية التي تقدمها الوكالة هي خدمات أولية، وعمليات الاستشفاء تتطلب آلية ضمن شروط تجعل الكثير منها مجرّد عمليات بسيطة، فيما يحتاج المعوّق إلى خدمات طبية متخصصة سواء على صعيد الأدوات المساعدة أو في المتابعة والحصول على الأدوية. وعليه، يعرف الفلسطيني المعوّق أوضاعاً قاهرة، فلا الوكالة تقدّم خدمات صحية ونفسية ملائمة، ولا الحكومات العربية في الدول المضيفة تضع في قوانينها نصوصاً تفتح أمام اللاجئ أبواب مؤسساتها.

والفلسطيني يعيش داخل المعزل الذي وُضع فيه منذ عام 1948. هذا بالنسبة للفلسطيني عموماً. أما المعوّق فهو معزول بطريقة مضاعفة، وفي وضع أشد تعقيداً من ذلك الذي يعاني منه مواطنه. الأول يحتال على هذا الواقع المرّ باللجوء إلى دول الهجرة، حيث يحصل على جنسية وعمل واستقرار ويساهم بمؤهلاته في تقدم المجتمع، أما المعوّق فهو "يبرك " في مكانه معزولاً عن ممارسة حياة طبيعية أو مقبولة.

*أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً: في الأصل كانت فلسطين
المساهمون