معلّم مصر لم يعد "رسولاً" بعد ضربه

10 نوفمبر 2015
تسقط هيبة المدرّس تدريجياً ليتحوّل "ملطشة" للتلاميذ (Getty)
+ الخط -

أثار قطع تلميذ شريان يد مدرّسه في محافظة الشرقية، شمال العاصمة المصرية القاهرة، موضوع ظاهرة انتشار تعدي التلاميذ على المدرّسين في مصر خلال الآونة الأخيرة، على الرغم من أن العام الدراسي الجديد لم يبدأ إلا في الربع الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي. وفي هذه الفترة الزمنيّة القصيرة، سجّلت غرفة عمليات وزارة التربية والتعليم المصرية أكثر من 270 حالة في هذا السياق، وهو ما عدّه تربويون "نذير خطر يتهدد الحياة التعليمية في مصر".

ويجمع متخصصون في الشأن التربوي على ضرورة تشديد العقوبات بحقّ كلّ من يقوم بالاعتداء على مدرّس أو على مؤسسة تربوية وتعليمية، بالتزامن مع تزايد حالات الاعتداء تلك في الفترة الأخيرة وتحوّلها إلى ظاهرة مؤرقة وخطيرة. ويشير هؤلاء إلى أن أسباب الاعتداء على المدرّسين تعود إلى عوامل عدّة، منها خلل في منظومة القيم لدى التلاميذ، وعدم تناسب البيئات التعليمية في المدارس مع احتياجاتهم، بالإضافة إلى غياب النصوص القانونية الرادعة بحق من يعتدي على المدرّسين، وغياب العلاقة الحقيقية ما بين المجتمع المحلي والمدرسة نتيجة جهل المجتمع بأهميّة دور المدرّس في إعداد الأجيال. وفي هذا السياق، يقترح بعض الخبراء إصدار قانون التعليم قبل الجامعي، على أن يتضمّن نصاً يقضي بإنزال عقوبة الفصل النهائي من المدرسة، لكل تلميذ تثبت إساءته لمدرّس أو تعدّيه عليه بالضرب أو السبّ، وكذلك لأيّ من العاملين في المدرسة.

على الرغم من أن كثيرين هم تلاميذ مصر، الذين حفظوا بيت الشعر الشهير للشاعر أحمد شوقي القائل "قُم للمعلّم وفّه التبجيلا.. كاد المعلّم أن يكون رسولا"، إلا أن ذلك لا يجد تطبيقه على أرض الواقع. وقد أصبحت علاقة المدرّس بتلاميذه "نفّعني وأنفّعك"، بحسب ما يقول التلميذ محمد عادل، في إشارة إلى انتشار الدروس الخصوصية في البلاد وتفشيها في قرى مصر ومدنها. ويعيد المدرّس في المرحلة الإعدادية جابر ريحان التوجّه إلى الدروس الخصوصيّة، "إلى المرتبات المنخفضة وعدم الاهتمام بشؤون المدرّسين ومعاملتهم على أنهم موظفون درجة ثانية. وهو ما يجعلهم يُقبلون على الدروس الخصوصية". بالتالي، تحوّل التابع الأمين إلى ممّول للمدرّس، فكيف يؤدّي الرسالة؟ وبدأت هيبته تسقط تدريجياً ليتحوّل "ملطشة" للتلاميذ. وهكذا، أصبحت العلاقة المتبادلة بين الطرفين من سيئ إلى أسوأ خلال السنوات الماضية، وأصبح المدرّس يقدّم كل التنازلات لقاء المال، بسبب الدروس الخصوصية، وتلاشت بسببها القيم الأخلاقيّة.

وكانت الفترة الماضية قد شهدت حالات تعدّ كثيرة على المدرّسين في عدد كبير من المحافظات. في سوهاج مثلاً، تعدّى تلميذ على مدرّس وأصابه في عينه، عندما كان الأخير يضربه بالعصا وهو في الطابور. وفى بني سويف، لكَم تلميذ مرّات عدّة رأس مدرّسه ووجهه، عندما نهره لخروجه من الفصل. وفى الغربية، اعتدى أحد التلاميذ على مدرّس أثناء حصة دراسية، بالضرب وجرّده من ملابسه. أما السبب، فاعتراض الأخير على سلوك التلميذ في الحصة. وفى كفر الشيخ، طاول اعتداء مدير مدرسة، الذي رُمي بالحجارة ووجّهت إليه ألفاظ نابية. وذلك نظراً لاستنكار المدير سلوك التلاميذ ومطالبتهم بالانضباط في الطابور الصباحي.
في مدينة 6 أكتوبر في محافظة الجيزة، نظم عدد من المدرّسين محضراً جماعياً لدى الشرطة، بعدما اعتدى عدد من التلاميذ عليهم، على خلفيّة رفض المدرّسين دخول هؤلاء إلى المدرسة لعدم التزامهم بالطابور. وهو ما دفع التلاميذ إلى التعدي على عدد من المدرّسين في الشارع أمام المارة. ولم يختلف الأمر كثيراً في الفيوم التي شهدت اعتداء ولي أمر أحد التلاميذ على مدرّس، ولكمه على وجهه، احتجاجاً على حصول ابنه على درجات ضعيفة.

في هذا السياق، استطلعت "العربي الجديد" آراء خبراء من أساتذة جامعات ومدرّسين حول هذه الظاهرة. وقد وجّه عدد كبير التهم إلى وزارة التربية والتعليم، "لعدم عملها على حماية القائمين على العمل التعليمي وعدم تطبيق القانون بفصل كل تلميذ يثبت تعدّيه على مدرّسه بأية وسيلة من الوسائل، سواء بالضرب أو السبّ وإحالته إلى النيابة العامة". كذلك، طالب هؤلاء بالعمل على زيادة الأجور، حتى لا يكون المدرّس "لعبة" في يد التلميذ، مشدّدين على أنّ ثمّة خللاً كبيراً في المنظومة التعليمية.
يقول المدرّس حسين بكري إن اعتداء التلاميذ على المدرّسين "ظاهرة خطيرة"، مشيراً إلى أن "الأعمال الدرامية السيئة (مسلسلات وغيرها) التي يظهر فيها المدرّس بصورة مشينة، أفسدت إلى حدّ كبير العلاقة بين الطرفين". ويطالب هنا المدرّس، ياسر نصير، "بضرورة عودة هيبة المدرّسين بما يضمن لهم تأدية رسالتهم التربوية في بيئة مناسبة، خصوصاً مع تفشّي ظاهرة الاعتداءات عليهم". أما المدرّس رمضان السيد، فيعيد "عنف التلاميذ تجاه مدرّسيهم إلى تعاطي الممنوعات"، مطالباً "بضرورة إجراء تحاليل سموم لبعضهم، لا سيّما في المرحلة الثانوية". يضيف أن "التلاميذ الذين يتعاطون المخدرات يعتدون أكثر من سواهم على المدرّسين وعلى زملائهم. وعند الكشف عليهم مبكراً، من الممكن تقديم المساعدة لهم ومعالجتهم بالتعاون مع أسرهم".

اقرأ أيضاً: مصر: "بلطجة" طلابية أمام لجان الثانوية العامة

من جهته، يقول المدرّس مصطفى محمد إن "تعدي التلاميذ على مدرّسيهم ظاهرة خطيرة في مصر، تفشّت أكثر خلال الأيام الماضية، في ظل غياب الضوابط وعدم ضربهم بناءً على قرار الوزارة". ويشير إلى أن "التعدي على المدرّس يكسر من هيبته أمام التلاميذ وينتابه الخوف، لا سيّما مع انتشار السلاح الأبيض - خصوصاً - والمخدّرات بينهم. بالتالي، أصبح عدد كبير من المدرّسين يؤثر الخروج بالسلامة". وتستكمل الحديث مدرّسة فضّلت عدم الكشف عن هويتها، قائلة: "المشكلة هي في أن عدم إلقاء القبض على هؤلاء التلاميذ، يجعلنا نحن المدرّسين في خطر. التلميذ هنا لا يكتفي بعدم الحضور إلى المدرسة، بل قد يقصدنا ويهددنا". تضيف: "من جهتي، لدي تجربة في هذا المجال، إذ رفع تلميذ السكين في وجهي. قدّمت شكوى فيه، لكن العقوبة اقتصرت على فصله لأيام من المدرسة. وخلال هذه الأيام، كان يحضر ويقف أمام بوابة المدرسة واضعاً السماعات في أذنَيه. للأسف لا نجد من يقدّم لنا حلاً".

من جهة أخرى، يؤكد أستاذ التربية في جامعة القاهرة الدكتور محمد مدكور أن "إقدام التلاميذ على ضرب مدرّسيهم، ظاهرة باتت تؤرق المجتمع المصري بعد تزايدها أخيراً. وتتعدد الأساليب ما بين ضرب بالأيدي والعصا وإشهار للسلاح الأبيض في وجوههم داخل الفصل وأثناء الحصص الدراسية. وقد أتت إصابات البعض بالغة على يد تلاميذهم. في المقابل، لا يجد المدرّسون من يردّ لهم اعتبارهم. وللأسف، تعود هذه الظاهرة بالضرر بشكل كبير على المجتمع بأكمله".

ويوضح مدكور أنه "كلما تراجع دور الدولة في ما يتعلق بالتعليم الحكومي، وكلما أهملت الحكومة تعليم الفقراء، ازداد العنف". ويضيف أن "كل أطراف العملية التعليمية في مصر في عزلة، بدءاً بالمدرّس المعزول نفسياً واجتماعياً وسياسياً، والتلميذ المكبوت والمقهور بمناهج لا تعبّر عنه وبطرق تدريس ومدارس لا تناسبه. كل ذلك يؤدي إلى بيئة خصبة لتلك السلوكيات".
أما أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية الساعاتي، فترى تلك الاعتداءات "نتيجة للفراغ القيمي والروحي لدى التلاميذ. البيئات التعليمية لا تناسب احتياجات التلاميذ وقدراتهم. لذا، يجب الابتعاد عن التعليم التلقيني والانتقال إلى التعليم التفاعلي. بهذه الطريقة، يصبح التلميذ معنياً". وإذ تؤكد أن ضرب المدرّسين ظاهرة مؤرقة، تقول إنها "تستوجب الدراسة والبحث في أسبابها ودوافعها وطرق معالجتها، نظراً لتداعياتها السلبية التربوية والاجتماعية".
وتعيد الساعاتي الظاهرة إلى أسباب، منها غياب النصوص الرادعة، مضيفة أن "تعدّي التلميذ على الأستاذ أمر صعب للغاية. وفي حال كان الخطأ من التلميذ، لا بدّ من فصله نهائياً من المدرسة". وتطالب "بضرورة وضع برنامج عاجل يشارك فيه خبراء تربويون لسنّ تشريعات قانونية، تهدف إلى ردع ظاهرة الاعتداء على المدرّسين".

اقرأ أيضاً: لوازم التعليم..."بزنس" مزدهر و"سرقة واستغلال"