معلمون تحت القهر... "البركة بالمدير"

27 ابريل 2016
إشغال المعلمين بصغائر الأمور يقتل لديهم الإبداع (Getty)
+ الخط -
حين نطمح للوصول إلى "مدرسة صديقة للطفل"، يتوجّب علينا أولا تحقيق مفهوم "المدرسة صديقة للمعلم"، باعتبار المعلمين أحد عناصر الحلقة الأهم (المدرسة، المعلم، الطالب)، والتي يحظى كل عنصر في ثالوثها، بنفس الأهمية في الترتيب والمكانة والأولوية.

ومن المؤلم، أن يتعرّض بعض المعلمين لمعاملة قاسية وغير تربوية، من قبل بعض مديري المدارس، الذين يمارسون ضد معلميهم سياسة القهر الوظيفي، بحيث يقفون لهم بالمرصاد، على كل صغيرة وكبيرة، بصورة تؤدي إلى إحداث القلق والتوتّر لديهم، وتجعلهم ينشغلون عن هدفهم التربوي المنشود، الذي من المفروض أن يؤدي في المحصلة، إلى تحسين نوعية التعليم والتعلّم، كهدف رئيس من أهداف الخطط التربوية، التي تسعى لتحقيق تعليم نوعي جيّد.

إن إشغال المعلمين بصغائر الأمور، يقتل الإبداع لديهم، ويجعلهم يكرهون المدرسة والإدارة والقوانين التي لا ترحم، فيؤدي كل ذلك إلى عدم التزامهم، وتذمّرهم الدائم، وشكواهم المستمرة، فتراهم أشد حنقاً وغضباً من بعض الطلبة، فيأتون إلى الدوام بنفسيّات مُحطّمة ويترقّبون موعد انتهائه ثانيةً بثانية.

وفي هذه الحالة، لن تُجدي البرامج والمشاريع والميزانيات، ولن تؤثّر في إعادة قطار التعليم إلى سكّته الآمنة، وصولاً إلى برّ الأمان، بحيث يبقى التعليم العربي قاصراً، في عصر ارتقت فيه دول ومجتمعات بفضل التعليم، مثل سنغافورة على سبيل المثال. وفي ظل تدني مستوى رواتب المعلمين العرب، وقصور المناهج أيضاً.



لا إبداع مع الخوف
يقول المعلم مؤيد قاسم الديك، من برنامج البكالوريا الدولية (قسم اللغة العربية) في مدرسة الفرندز الخاصة برام الله أن المعلم لكي يستطيع أن يُعطي، يحتاج أن تكون البيئة الداخلية حاضنة له وصديقة.

كما يحتاج إلى إجراءات ومساحات تمكّنه من أن يتّخذ قراراته بحريّة ودون خوف أو بيروقراطية، ويحتاج إلى موارد للمعرفة من أجل التطور والإبداع، وإلى إجراءات تعطيه القدرة على استخدام المساحات التي تخصّه، دون أي معيقات إدارية أو سلطوية إدارية، كما يحتاج إلى مصادر مادية ليستطيع تحقيق استراتيجياته وخططه، والاطلاع على كل ما هو متجدّد من نظريات واستراتيجيات.

ويحتاج إلى مساحاته الخاصة به، والمحمية بإجراءات وسياسات رسميّة، فالمدرس لا يستطيع أن يبدع في غرفة الصف، في ظل قيود وبيروقراطيات ولن يشعر بأن المدرسة صديقة له، إذا كان يخشى الأهل والمنهاج والمدير والطالب والسياسات والقوانين، فلا إبداع مع الخوف.

غياب الوعي الثقافي
كما يرى الدّيك أن "ثمّةَ مُعطىً يجعل من مدرسة ما ناجحة في مسيرتها التّعليميّة؛ فالمعلّم يلعب دورًا بارزًا ومهمًّا في رقيّ هذه المدرسة أو تلك، لكن إذا بحثنا عن هذا التميّز والرّقيّ نجد خلفه مديرًا يدرك أهمية المعلّم، فيمدّه بكلّ ما يحتاجه، وييسّر له كلّ أسباب النجاح، لا أن يشغله بصغائر الأمور، التي تعكس وعيًا محدودًا في الفقه الإداريّ والتربويّ، هذا من جانب، كما لا يكفي أن يكون لديك معلّم متميّز كي تحصد نتائج رفيعة في ظلّ إدارة تجعل من الطّالب اهتمامها الأوحد، ولا تقيم وزنًا للمعلّم أو كرامته، من جانب آخر.

ويستطرد الديك: على مدار خدمتي تعلّمت الكثير، ووجدتُ أن المدير الّذي يحسن مهارة التّواصل مع معلميه، ويتمتّع بثقافة تربويّة عالية، ويتبنّى المعلم ويدافع عنه بمهنيّة، ويقوم بحلّ المشكلات بهدوء واتّزان، هو المدير الذي يجعل المعلم أكثر دافعية وإبداعًا وانتماء، وهذا كلّه لا يتأتّى إلا لمن يمتلك خيوط الاتّصال والقدرة على التأثير في مسيرته التربويّة.

لذا نرى أنه على مديري المدارس، أن يكونوا أكثر حكمةً وصبراً، وأن يرقوا إلى مستوى متقدم في فن الإدارة وعلمها، بصورة تحقّق للمدرسة شعار "أسرة" بالفعل، مُتحابّة ومتعاونة ومتشاركة.

المساهمون