صعود عمدة مدينة نيويورك الأسبق مايكل بلومبيرغ في استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية الأميركية يطرح تساؤلات حول إمكانية فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، عبر استخدام ثروته الطائلة في حملته الرئاسية لملء فراغ بحث الليبراليين المستمر عن أفضل مرشح لهزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. الهالة التي تحيط بترشح الملياردير بلومبيرغ ستخضع لامتحان في الأسابيع المقبلة، مع تزايد الهجمات عليه لحظة دخول السباق الرئاسي، ولا سيما مشاركته في أول مناظرة رئاسية في نيفادا مساء أمس الأربعاء. مزايا بلومبيرغ هي كونه رجل أعمال ناجحاً من نيويورك مع تجربة في المجالين العام والخاص وعلاقات واسعة النطاق في شخصية ساخرة، كلها عوامل تساعده على مقارعة ترامب في المناظرات الرئاسية. لكن نقاط ضعفه هي نفسها نقاط قوته: ملياردير في لحظة تحول الحزب الديمقراطي إلى اليسار وسجل مثير للجدل كعمدة نيويورك وثروة تسمح له بالهبوط بالمظلة على السباق الرئاسي. بلومبيرغ لم يسلك الطريق التقليدي لمرشحي الرئاسة، أي لقاء ناخبي أيوا ونيوهامشير في المقاهي والمكاتب العامة والمشاركة في المناظرات منذ اليوم الأول، بل تأخر في إعلان ترشيحه واختار تركيز جهوده على الولايات الكبيرة التي تنتخب الشهر المقبل، عبر بث إعلانات دعائية بمعدلات تتجاوز منافسيه الديمقراطيين.
بلومبيرغ (78 عاماً) لديه خلفية مثيرة للاهتمام مقارنة بالمرشحين الديمقراطيين التقليديين. ترشح كجمهوري حين تم انتخابه عمدة لمدينة نيويورك، وأعلن تأييده لجورج بوش الابن مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 2004، كما دعم السيناتور الجمهوري سكوت براون حين خسر عام 2012 انتخابات ولاية ماساشوستس أمام السيناتور إليزابيث وارن، التي هي من بين مرشحي الرئاسة الديمقراطيين اليوم. لكن خلال السنوات الأخيرة، تقاطعت تبرعات بلومبيرغ المالية مع الديمقراطيين، وعمل مع الرئيس السابق باراك أوباما حول قضايا كضبط السلاح الفردي والتغير المناخي، ودعم مرشحين ديمقراطيين لانتخابات الكونغرس عام 2018 بمبلغ 100 مليون دولار، ما جعله ينسج علاقات واسعة يستفيد منها اليوم في معركته الرئاسية. وقد ظهر له أخيراً تسجيل من عام 2012 يقول فيه إن سبب الركود الاقتصادي عام 2008 كان إلغاء قرار منع إعطاء قروض سكنية للأحياء الفقيرة، لا سيما تلك التي تسكنها الأقليات. كما سُرّبت مواقف يتحدث فيها بفوقية عن النساء والمزارعين. ويسلّط الإعلام الضوء على تجربته كعمدة نيويورك، إذ وافق على أن تقوم الشرطة بتفتيش الشباب في الأحياء الفقيرة في الشارع من دون إذن قضائي، بحثاً عن أي سلاح قد يكون معهم، وأنه كان يرفض زيادة معدل الحد الأدنى للأجور. كما ظهرت صور له وهو يلعب الغولف مع ترامب عام 2016، أي في ذروة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما طرح شكوكاً حول التزامه بالحزب الديمقراطي.
المرشح اليساري السيناتور بيرني ساندرز اعتبر أنّ لدى بلومبيرغ "سياسات عنصرية"، أما نائب الرئيس السابق جو بايدن، فاعتبر أن بلومبيرغ مشابه لترامب، مشيراً إلى أنه "يمكن لـ60 مليار دولار شراء الكثير من الإعلانات لكن لا يمكنها أن تمحو سجلك". كل هذه التطورات مؤشر على انطلاق دينامية جديدة في السباق الرئاسي. بلومبيرغ هاجم منافساً ديمقراطياً للمرة الأولى هذا الأسبوع، مشيراً إلى أن مناصري ساندرز يتهجمون على مرشحي الرئاسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بطريقة تشبه أسلوب ترامب، فيما وصفت بريانا جوي غراي المتحدثة باسم حملة ساندرز، المرشح بلومبيرغ في تغريدة على "تويتر" بأنه "عنصري مستبد".
ومع أن بلومبيرغ لم يكن على اللوائح الانتخابية في الولايات الأربع الأولى في الانتخابات التمهيدية (أيوا ونيوهامشير ونيفادا وكارولاينا الجنوبية)، إلا أن ارتفاع أرقامه في استطلاعات الرأي، سمح له ضمن قواعد الحزب الديمقراطي بالمشاركة في المناظرة الرئاسية في نيفادا في إطلالته الأولى إلى جانب مرشحي الحزب الديمقراطي، الذين سيركزون على الأرجح سهام انتقاداتهم عليه. بالنسبة إلى ساندرز، يمثل بلومبيرغ طبقة الأثرياء التي يتحدث ضدها، وتقويض حملته مبكراً يعزز حظوظ المرشح اليساري، فيما يعتبر بايدن أن بلومبيرغ هو أكبر خطر على حملته الرئاسية التي تتهاوى تدريجياً.
المعركة الرئيسية الآن في الحزب الديمقراطي متمحورة في الصراع على استقطاب الأقليات، لا سيما الأفارقة الأميركيين والأميركيين من أصول لاتينية. أرقام بايدن بين الأفارقة الأميركيين انخفضت بشكل كبير من 49 في المائة الشهر الماضي، إلى 27 في المائة الشهر الحالي بحسب استطلاع جامعة "كوينيبياك"، وأكبر المستفيدين من هذا الأمر كان بلومبيرغ، الذي وصلت أرقامه بين الأفارقة الأميركيين إلى 22 في المائة. وقد صرفت حملة بايدن 825 ألف دولار في يوم واحد في كارولاينا الجنوبية، التي يشكل فيها الأفارقة الأميركيون 60 في المائة من القاعدة الديمقراطية، لضمان الفوز في ولايةٍ إذا خسرها نائب الرئيس السابق فإن ذلك يعني عملياً نهاية حملته الرئاسية. أما بين الأميركيين من أصول لاتينية، فيتصدر ساندرز استطلاعات الرأي حالياً بـ30 في المائة، مقارنة ببايدن (21 في المائة) وبلومبيرغ (18 في المائة) في المركز الرابع.
وعلى الرغم من أن بلومبيرغ صعد إلى المركز الثالث في معدل استطلاعات الرأي الوطنية مع 15.4 في المائة مقارنة بساندرز (27.6 في المائة) وبايدن (17.6 في المائة)، إلا أنه لا يتصدر في أي من الولايات الرئيسية التي يراهن عليها. هو في المركز الرابع في كاليفورنيا وتكساس، فيما يتنافس مع ساندرز على المركز الثاني في ولاية نيويورك (بعد بايدن) وعلى المركز الأول في ولاية فيرجينيا. هذه الأرقام تعطي انطباعاً أولياً عن صعود بلومبيرغ من دون خريطة طريق واحدة حول كيفية تمكنه من الحصول على العدد الأكبر من المندوبين في الانتخابات التمهيدية، بل يحتاج إلى أداء بارز في الأسبوعين المقبلين لبناء تحالف انتخابي واسع قادر على تحقيق الفوز في "الثلاثاء الكبير" في 3 مارس/آذار المقبل. داعمو بلومبيرغ، بحسب استطلاعات الرأي، هم من الأميركيين الذين تعدوا سنّ الـ50 ويبلغ راتبهم السنوي أكثر من 50 ألف دولار سنوياً، أي أن بلومبيرغ ينافس بشكل رئيسي على قاعدة بايدن.
صعود بلومبيرغ السريع في استطلاعات الرأي يعكس رصيده وعلاقاته كما تخبط السباق الرئاسي عند الديمقراطيين، فهو حصل على 15 في المائة في غضون ثلاثة أشهر من دون أن يكون على أي لائحة انتخابية أو يشارك في أي مناظرة، ويبدو حتى الآن أن رهانه كاسب في القفز فوق الولايات الصغيرة الأولى، لأنه بقي فوق المعارك الدائرة بين المرشحين لكن قراره المشاركة في مناظرة نيفادا فيه مغامرة قد تعزز صعوده الانتخابي أو تكون نقطة تحول في انحدار حملته الرئاسية.