معركة جرابلس تنتظر بايدن في تركيا... ولا مفاجآت متوقعة

24 اغسطس 2016
زيارة بايدن إلى تركيا هي الثانية خلال 2016(كيهان أوزير/الأناضول)
+ الخط -
يبدأ نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، اليوم الأربعاء، زيارة ليوم واحد إلى أنقرة، بأجندة متوترة للغاية مع الحكومة التركية، من المقرر أن تشمل مناقشة إعادة زعيم حركة الخدمة، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا منذ عام 1999، إلى تركيا والذي تتهمه أنقرة بقيادة المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي. كما تتصدر المناقشات الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ودور حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري للعمال الكردستاني غرب الفرات وسط دعم أميركي غير مسبوق للأخير في المعارك التي نشبت أخيراً بينه وبين النظام السوري في مدينة الحسكة. وقد اضطر الأخير إلى تحييد سلاح الطيران بعد أن استخدمه في الأيام الأولى من المواجهات.

ويبدو أن الحكومة التركية ستسعى، خلال المحادثات، إلى ربط كل من ملف غولن وملف الاتحاد الديمقراطي ببعضهما. وأكد مصدر في الخارجية التركية ذلك لـ"العربي الجديد" ، قائلاً "لقد تأذت العلاقات التركية الأميركية بعد أن تجاهلت واشنطن طلبنا بترحيل غولن إلى تركيا لغاية حدوث الانقلاب الفاشل"، وأضاف "في حال لم تتم إعادة غولن، ستتأثر علاقاتنا، وسنعيد النظر في التعاون بيننا في عدد من الملفات، ويأتي على رأسها الملف السوري".


ويبدأ بايدن زيارته أنقرة من البرلمان التركي، الذي سيكون أولى محطاته، إذ من المقرر أن يجري لقاء مغلقاً مع رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان، ومن ثم يقوم بجولة داخل المبنى لمعاينة الأماكن التي تعرضت للقصف على يد الانقلابيين خلال المحاولة الفاشلة.

كما من المقرر أن يلتقي نائب الرئيس الأميركي، في ساعات الظهيرة، رئيس الوزراء بن علي يلدريم في قصر تشانكايا. ومن المنتظر أن يدليا في أعقاب اجتماعاتهما بتصريحات للصحافيين، بينما سيكون المجمع الرئاسي المحطة الأخيرة لبايدن. ومن المقرر أن يكون في استقباله هناك الرئيس رجب طيب أردوغان، ليكون بايدن بذلك المسؤول الأميركي الأول الذي يزور المجمع الرئاسي في منطقة بيشتبه منذ افتتاحه في أواسط عام 2014، دون أن يلي اللقاء مؤتمر صحافي، على أن يغادر نائب الرئيس الأميركي تركيا مساء اليوم ذاته.
وتعتبر زيارة بايدن الثانية من نوعها خلال العام الحالي، بعد أن قام بزيارة إسطنبول في فبراير/شباط من العام الحالي، قبل استئناف مفاوضات جنيف، وفي أثناء التوتر التركي الروسي. حينها لوح بايدن بالتدخل العسكري في سورية في حال فشل المفاوضات، الأمر الذي لم يكن أكثر من فقاعة سياسية.
وبينما كانت روسيا يومها تحاول تغيير تركيبة وفد المعارضة وتسعى لإدخال معارضة موسكو والاتحاد الديمقراطي في بنية الوفد، للضغط على تركيا، كانت الولايات المتحدة تؤكد دعم أنقرة ضد العمال الكردستاني، إلا أن واشنطن بالمقابل لم تخفف من دعمها للاتحاد الديمقراطي، بل على العكس ارتفع مستوى التعاون أخيراً، على الرغم مما قدمه الأتراك للأميركيين من دلائل تثبت تورط الأخير بدعم الحزب الأم في تركيا.
ومن غير المنتظر أن تؤدي زيارة بايدن إلى اتخاذ قرارات حاسمة في أي من الملفين المحوريين، سواء في ما يخص ترحيل غولن إلى تركيا أو وقف الدعم الأميركي للاتحاد الديمقراطي، لكن الزيارة تمنح للإدارة التركية مجالاً للتفاوض على بعض التفاصيل التي تخفف من قلقها في ما يخص سورية كمساندة قوات الجيش السوري الحر في السيطرة على جرابلس أو للحصول على مكاسب أخرى من الولايات المتحدة، سواء لناحية الضغط على الأوروبيين في ما يتعلق برفع تأشيرة الدخول أو تقديم مشاريع عسكرية مشتركة من شأنها أن تعزز من أمن الحدود وقوة الردع التركية.

ترحيل غولن
وقد شهد الأسبوع الحالي بداية محادثات واسعة بين المسؤولين الأتراك ونظرائهم الأميركيين حول ترحيل غولن، بدأت بزيارة وفد أميركي، يوم الإثنين الماضي، إلى أنقرة، مكون من مسؤولين في كل من وزارة الخارجية والعدل الأميركيتين. ويليها زيارة مماثلة من قبل وفد تركي مكون من وزيري الخارجية والعدل وعدد من المسؤولين الأتراك إلى واشنطن الأسبوع المقبل. 

وبالتزامن، تغيرت لهجة الدبلوماسية التركية من التركيز على أن عدم إعادة غولن سيكون له تبعات كبيرة على العلاقة التركية الأميركية، إلى التركيز على الاتفاقات القانونية بين الجانبيين، الأمر الذي بدا واضحاً في إجابات الرئيس التركي خلال المقابلة التي أجراها مع قناة "سي إن إن" الأميركية، بعد المحاولة الانقلابية.
وفي إجابته عن سؤال للصحافية بيكي أندرسون حول الردود التركية المحتملة في حال رفض الأميركيين إعادة غولن، قال أردوغان: "الآن سنقدم طلباً مكتوباً لإعادة غولن، وفي حال لم يأتنا رد إيجابي، فإنني لن أوافق على أي طلب أميركي باستعادة أي متهم بعد الآن". وأضاف "عندما كنتم تطالبون بأي متهم ولأننا شركاء استراتيجيون، كنا نقوم بتسليمه لكم، ولكن لمَ لا تقومون بتسليمنا المتهمين الذين نريدهم؟".
وبحسب أرقام وزارة العدل التركية، فإن الإدارة الأميركية طلبت من تركيا بين عامي 2011-2016 تسليمها خمسة متهمين، قامت أنقرة بتسليم شخصين منهم، أحدهما متهم بالإرهاب، بينما تمت الموافقة على تسليم آخر، وتستمر الإجراءات بحق اثنين آخرين، بينما طلبت تركيا من الولايات المتحدة تسليمها 19 شخصاً، ولكن لأسباب متنوعة لم تسلم واشنطن تركيا إلا اثنين منهما.

دور الاتحاد الديمقراطي
يبقى دور حزب الاتحاد الديمقراطي، بوصفه جناح العمال الكردستاني، في الحرب على داعش في سورية الركن الأساس للخلاف التركي الأميركي، الأمر الناتج عن اختلاف أولويات أنقرة وواشنطن في سورية منذ ظهور داعش وتمدده.
وبعدما كانت أنقرة تركز على ضرب النظام السوري ورحيل رئيس النظام بشار الأسد، ولو بالقوة العسكرية، باتت في السنتين الأخيرتين، تركز على وقف تقدم حزب الاتحاد الديمقراطي وإفشال مشروعه الفيدرالي في سورية، لما سيكون له من انعكاسات كبيرة على ميزان القوى في الصراع الداخلي مع الكردستاني. في المقابل، كان للولايات المتحدة منذ البداية استراتيجية مختلفة للغاية في سورية ترى بأن رحيل النظام لا يجب أن يتم إلا عبر الضغط عليه للدخول في مفاوضات عبر إضعافه عسكرياً، وليس على الطريقة الليبية أو العراقية، لتغير واشنطن من استراتيجيتها لاحقاً، وتركز على ضرب داعش عبر استخدام قوات الاتحاد الديمقراطي، الأمر الذي سيحقق لها أهدافاً أخرى، من بينها تحجيم تنامي الدور التركي في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة بين الجانبين، والخط التركي الأحمر الممثل بعدم عبور الاتحاد الديمقراطي غرب الفرات وتحقيق أهدافه بوصل مناطق سيطرته على طول الحدود التركية السورية، إلا أنهما تمكنا من الاتفاق على عبور قوات الاتحاد الديمقراطي لطرد داعش من منبج في غرب الفرات، على أن ينسحب لاحقاً من المنطقة. لكن لم يتم الالتزام بالاتفاق، إذ حاول الاتحاد الديمقراطي، مساء الإثنين الماضي، التقدم نحو مدينة جرابلس لتدخل المدفعية التركية وتضطر قواته للانسحاب.

وبحسب مراقبين، فإن أهم ما يمكن أن تحصل عليه أنقرة من واشنطن، خلال زيارة بايدن، هو الضغط عليها للالتزام بالاتفاق السابق بين الجانبين وسحب قوات الاتحاد الديمقراطي من منبج، وتقديم الدعم الجوي لقوات الجيش السوري الحر التي تم نقلها من جيب أعزاز إلى منطقة قرقميش المواجهة لجرابلس، للسيطرة على المدينة، لما سيكون لهذه الخطوة من أهمية استراتيجية كبيرة، ستتيح لتركيا توسيع نفوذها في سورية وتوجيه ضربات قوية للاتحاد الديمقراطي في ريف حلب الشمالي، وإحياء الخطط التركية القديمة الخاصة بالمنطقة الآمنة، ومن ثم قد تفتح إمكانية التنسيق مع الدول العربية للتمدد باتجاه الرقة. وتتوالى هذه التطورات بينما تتحسن علاقات تركيا مع روسيا ويرتفع مستوى التنسيق مع النظام السوري الذي استطاع بعد خمس سنوات من الحرب على السوريين، أن يحيل نفسه إلى ركن في الحرب على داعش، ومن ثم إلى ركن أساسي في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضرب أي مشروع كردي يقلق الأتراك والإيرانيين.
وبينما بدأت إرهاصات المعارك في جرابلس، أول من أمس الإثنين، إلا أن ما يعيق انطلاقها بشكل حقيقي، بحسب مراقبين، هو عدم حسم موقف الحليف الأميركي منها بعد، وليس الموقف الروسي. وتخشى واشنطن من أن يؤدي الاحتكاك بين قوات الجيش السوري الحر وبين قوات الاتحاد الديمقراطي إلى اندلاع معارك بين الجانبيين قد تفسح المجال أمام داعش للتقدم واستعادة بعض المواقع. وقد بدا هذا الأمر واضحاً في قيام الإدارة الأميركية، لأول مرة، بحماية فصيل عسكري في سورية من طيران النظام السوري، كما حصل في محافظة الحسكة خلال الفترة الماضية.
وعلى الرغم مما تبدو عليه الأمور من ارتفاع التنسيق التركي الأميركي العسكري بزيارة كل من قائد سلاح الجو الأميركي، الجنرال دافيد غولدفين، لقاعدة إنجرليك، الخميس الماضي، ومن ثم زيارة قائد القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا الجنرال كورتيس سكاباروتي إلى أنقرة، يوم الإثنين، إلا أن التفاصيل تبدو أكثر تعقيداً في ما يخص الملف السوري.
الإشراف على قيادة العمليات الأميركية في كل من العراق وسورية، بما في ذلك العلاقات مع قوات الاتحاد الديمقراطي، يتبع للقيادة العسكرية الأميركية المركزية بقيادة الجنرال جوزيف فوتل، الذي تلقى خلال زيارته أنقرة في مايو/أيار الماضي، تحذيرات من نائب رئيس هيئة الأركان التركية في ذلك الحين، الجنرال غولر يشار (يشغل حالياً منصب قائد الدرك) من الاعتماد على الاتحاد الديمقراطي في سورية. كما تسببت تصريحات فوتل بمشكلة كبيرة مع أنقرة في وقت سابق، عندما عبّر عن قلقه على مصير الضباط الانقلابيين الذين تم إلقاء القبض عليهم عقب المحاولة الفاشلة، ما استدعى رداً قوياً من الرئاسة التركية.