لا يمكن عزل ما يجري في الشمال الغربي من سورية عن التطورات المتلاحقة في الشمال الشرقي منها، حيث طفا على السطح أخيراً توتّر روسي تركي وروسي أميركي، في ظلّ تنافس ثلاثي للسيطرة وبسط النفوذ في المنطقة الغنية بالثروات، مع استمرار محاولات واشنطن التوسّع أكثر، وتحجيم الدور الروسي في المنطقة.
وأشار مراسل "العربي الجديد" في محافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية، إلى أنّ التوتر بات سيد الموقف في منطقة شرقي نهر الفرات، في ظلّ ظهور مؤشرات على نية الجيش التركي توسيع نطاق نفوذه في المنطقة التي تشهد تنافساً ثلاثياً (تركيا، روسيا، أميركيا).
من جانبه، أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إلى وجود "حركة نزوح واسعة من مناطق أبو راسين (زركان) وكسرى وظهر العرب، في ريف الحسكة الشمالي، بعد إنزال القوات الروسية أعلامها من مناطق انتشار قوات النظام منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء"، لافتاً إلى وجود مخاوف من توغّل تركي جديد في المنطقة، في ظلّ تحركات القوات التركية و"الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، في منطقة ريف رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
وأوضح المرصد أنّ القوات التركية منعت وفداً عسكرياً روسياً من التوجه إلى منطقة علوك (بريف رأس العين)، في ظلّ أنباء عن إطلاقها الرصاص في الهواء لإجبار الروس على التراجع. وقالت مصادر محلية إنّ الوفد الروسي بعد أن عاد إلى منطقته على جبهة أبو راسين، أزال الأعلام الروسية وأعلام قوات النظام على نقاط انتشار الأخيرة في المنطقة الممتدة من كسرى إلى حدود تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي.
من جهته، لم يستبعد الرائد يوسف حمود، الناطق باسم "الجيش الوطني السوري"، المسيطر على جانب من شرقي الفرات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ينتقل التوتر الروسي التركي في الشمال الغربي من سورية إلى الشمال الشرقي، مضيفاً: "الملفات واحدة".
بدوره، رأى القيادي في "الجيش السوري الحر"، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الممكن أن تستغلّ روسيا الضغط الحاصل على قوى الثورة والجيش التركي في منطقة إدلب، من أجل توسيع نفوذها في شرق الفرات بواسطة مليشيا قوات سورية الديمقراطية (قسد) المتعاملة معها، وكذلك بواسطة اتفاق قسد مع نظام الأسد". وأضاف "ولكن هذا سيكون عملا عدائيا واضحا تجاه الجيش الوطني السوري والجيش التركي من جهة، وتجاه الولايات المتحدة من جهة ثانية". وعبّر حسون عن اعتقاده بأنّ الجيش التركي ليس بصدد توسيع نطاق المنطقة الآمنة في شرقي الفرات في الوقت الراهن، مضيفاً أنّ "الأولوية حالياً في سورية ليست لمنطقة شرق الفرات، بل لمنطقة إدلب".
ويسيطر الجيش التركي و"الجيش الوطني" على المنطقة الواقعة بين مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، بطول 100 كيلو متر، وعمق أكثر من 32 كيلو متراً.
في السياق، تشهد محافظة الحسكة توتراً روسياً أميركياً، حيث تحاول واشنطن تحجيم دور موسكو في المنطقة الغنية بالبترول، في حين لم تنقطع محاولات الأخيرة في التمدد في اتجاهات عدة لفرض نفسها لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاوزه.
وذكرت مصادر محلية أنّ قوات أميركية اعترضت أول من أمس الثلاثاء، دورية روسية على الطريق المؤدي نحو بلدة معبدة، القريبة من مدينة رميلان الغنية بالنفط، والتي تعدّ منطقة نفوذ أميركي وأجبرتها على العودة إلى المكان الذي جاءت منه في الحسكة. وفي الآونة الأخيرة، اعترضت القوات الأميركية أكثر من مرة دوريات روسية تتجول في ريف الحسكة المحافظة الأكثر أهمية في منطقة شرقي الفرات، والتي تضم العديد من القواعد الأميركية والروسية والتركية.
واستولت القوات الأميركية أخيراً على قطعة جديدة من الأرض في ريف الحسكة شمال شرقي سورية، في وقت وصلت فيه تعزيزات عسكرية أميركية إلى حقل كونيكو في ريف دير الزور.
وقالت مصادر مقربة من "قسد"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوات الأميركية استولت على مساحة من الأرض تبلغ 110 دونمات على الطريق الواصلة بين القامشلي وعامودا في ريف الحسكة الشمالي". وبحسب المصادر ذاتها، التي فضلت عدم نشر هويتها، فإنّ "القوات الأميركية دفعت مبلغاً من المال لأصحاب الأرض، على غرار ما فعلته في بقية الأراضي التي أنشأت عليها قواعد عسكرية تحت غطاء التحالف الدولي ضدّ داعش". وأضافت المصادر أنّ الأرض المذكورة تبعد قرابة 10 كيلومترات عن الحدود السورية التركية وتقع بالقرب من منطقة هيمو غربي القامشلي على الطريق "712".
إلى ذلك، نقل مراسل "العربي الجديد" عن مصادر مطلعة، أن الجانب الأميركي بصدد توسيع قاعدة له في منطقة تل بيدر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، مشيرةً إلى أنّ واشنطن استقدمت تعزيزات إلى المنطقة. وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ القوات الأميركية بصدد التوسّع أيضاً في المنطقة الممتدة من بلدة تل حميس إلى بلدة تل براك، في ريف الحسكة الجنوبي.