معركة الرقة من منظور أميركي: حسابات محلية وجيوسياسية

01 نوفمبر 2016
كارتر شدد على تداخل معركتي الرقة والموصل(أدريان كاديز/فرانس برس)
+ الخط -
فجأة تحولت معركة تحرير الرقة السورية من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلى أولوية عاجلة لواشنطن، بعدما كانت ولغاية زيارة وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، الأخيرة إلى تركيا والعراق، مهمة مؤجلة، على الأقل إلى ما بعد معركة الموصل.
برز التحول حين أشار كارتر قبل عودته إلى واشنطن، إلى ضرورة خوضها "بالتداخل" مع عملية الموصل. هكذا انتقل الحديث عن معركة الرقة إلى الواجهة. بعد ذلك تولت القيادات العسكرية الأميركية المعنية التأكيد على قرب موعد انطلاقها. وتبرر الإدارة الأميركية قرارها بأن "داعش" يخطط من "عاصمته"، حسب معلومات استخباراتية، "لعمليات في الخارج". وهو الأمر الذي يقتضي طرده منها لإحباط خططه.

صحيح أن تنظيم "داعش"" ينوي التحضير لعمليات من هذا النوع، سواء من الرقة أو الموصل، أو من أي مكان آخر، لكن اقتلاعه من "عاصمته" لا يضمن الحماية من اعتداءاته اللاحقة. وبالتالي إن الذريعة التي تطرحها الإدارة الأميركية لا تمنع وجود حسابات أخرى لديها تدفعها إلى التدخل في الرقة.
ويكشف السياق الذي جاء فيه التلويح الأميركي بضرورة خوض معركة الرقة عن الحسابات التي حكمته، المحلية والانتخابية، والخارجية، والتي تتجاوز مسألة الوقاية من الاعتداءات المحتملة في المستقبل، على الرغم من أهميتها.

لقد جاء قرار الرقة في سياق توترات روسية-أميركية وكذلك أميركية-تركية، وتركية-كردية. كما تردد في واشنطن أن هذا التوتر الأخير كان ماثلاً أثناء لقاء كارتر مع القيادة العراقية خلال زيارته لبغداد، بسبب الخلاف الذي سادها حول الدور التركي في معركة الموصل، وحول الدور الإيراني.

التأزم بين واشنطن وموسكو بشأن حلب أدى دوره في التعجيل على ما يبدو بالقرار. وتعرضت الإدارة الأميركية لضغوط وانتقادات كثيرة. كما توالت المآخذ عليها من باب أنها بدت كمن يكتفي بالتفرج على تدمير المدينة الثانية في سورية وبترك الساحة خالية لروسيا. في ضوء ذلك، كان لا بدّ لها من القيام بخطوات تحقق، لو نجحت، أكثر من هدف في الوقت نفسه: تكلل نهاية حكم الرئيس باراك أوباما بإنجاز يتمثل بهزيمة "داعش" في المدينتين العراقية والسورية، وتثبت أن إدارة الرئيس الأميركي لديها بالفعل "خطة بديلة" في سورية. بالإضافة إلى ذلك، بإمكانها أن تحقق بهذه الخطوات بعض التوازن مع الروس.


وتبدو الإدارة الأميركية عازمة على المضي في هذا التوجه، على الرغم من المحاذير الكثيرة. إذ أن روسيا مستبعدة من عملية الرقة. وهناك تخوف من صدام أميركي-روسي في ظل تزايد التوتر بين الجانبين. واحتمال كهذا يبقى مطروحاً لا سيما أن الروس أرسلوا المزيد من التعزيزات العسكرية البحرية والجوية إلى سورية. وتحركاتهم تشير إلى وجود نية لديهم للتصدي وللهيمنة على الأجواء السورية. وقد تثار مسألة السيادة السورية بوجه العمليات الجوية الأميركية. كما أن آلية تفادي الاحتكاكات الجوية فوق سورية والتي توافق الجانبان الأميركي والروسي على وضعها موضع التنفيذ، بدت أخيراً غير منتظمة بالصورة المطلوبة. وقبل أيام تم تجنب مثل هذا الاحتكاك في آخر لحظة.

كذلك، هناك التوتر الأميركي-التركي الذي لا يزال يتفاعل ولو تمّ ضبطه حتى الآن. وما يعكس ذلك، توالي الاتصالات على أعلى مستوى لاحتواء التباينات والحؤول دون وقف التنسيق المشترك. وفي هذا الصدد، أجرى الرئيسان الأميركي، باراك أوباما، والتركي رجب طيب أردوغان، محادثات هاتفية يوم الأربعاء الماضي. وتشدد واشنطن على أهمية الحوار التركي-العراقي والتنسيق مع بغداد حول دور أنقرة في معركة الموصل. بل تحذر ضمناً من عواقب "العمل الانفرادي غير المرغوب به حالياً"، كما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جيف دايفيس، وهو تصريح يحمل رسالة موجهة إلى تركيا. وتشدد إدارة أوباما على وجوب وقف العمليات التركية ضد القوات الكردية في سورية، والتي تنوي واشنطن إشراكها بشكل أو بآخر في عملية الرقة. لكن تركيا لا تبدي ارتياحاً تجاه هذا الأمر، أياً تكن طبيعة دور القوات الكردية في سورية وفي معركة الرقة.

وفي هذا السياق، تتزايد حالة النفور بين أنقرة وواشنطن. والبعض يطالب بضرورة التخلي عن قاعدة أنجرليك العسكرية ونقل خدماتها الأميركية إلى إقليم كردستان العراق. وعلى الرغم من أن خيارا كهذا يبدو مستبعداً في الوقت الراهن، إلا أنه يؤشر إلى مدى التباعد بين أنقرة وواشنطن. وثمة اعتقاد بأن الإدارة الأميركية تمارس هذا التشدد كورقة ضغط على أردوغان الذي، لن ينجح، وفق تقديراتها، في صياغة علاقات استراتيجية بديلة مع روسيا، لأسباب كثيرة، تاريخية وعسكرية وجيوسياسية.

في المحصلة، من غير الواضح ما سيؤول إليه الوضع في كل من العراق وسورية بعد معركة الموصل ومعركة الرقة، على الرغم من تطمينات وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون). وهو الأمر الذي يثير حالة من القلق لدى أوساط مختلفة تخشى المزيد من الفوضى الإقليمية.