معركة "بوابات الأقصى" في ذكراها الأولى: المسجد مستباح

15 يوليو 2018
يخشى من معارك مقبلة في المسجد (مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -
يجمع المقدسيون سواء مرجعيات دينية أو نشطاء شهود على معركة "بوابات الأقصى" التي تصادف ذكراها الأولى في مثل هذه الأيام، على أن أحداث العام الماضي يمكن أن تتكرر وعلى نحو أكثر صلابة في مواجهة التعديات الخطيرة على المسجد الأقصى. ولن تكون المواجهة هذه المرة على رفض بوابات إلكترونية يحاول الاحتلال نصبها رغماً عنهم، بل ستتعداها إلى داخل ساحات المسجد، ليصبح الخطر داهماً وعلى نحو أخطر بكثير من التصدي للبوابات الإلكترونية.

في هذا السياق، اعتبر مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، وهو من المرجعيات الدينية التي أدت دوراً في معركة الصمود في باب الأسباط، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواضح أن ما حدث قبل عام كان شرارة المعركة الأولى لجولات أخرى من معارك عتيدة لحرب إسرائيلية تهويدية تستهدف السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى، وليس مجرد مراقبة الداخلين والخارجين إليه عبر البوابات الإلكترونية أو كاميرات المراقبة التي نشرت بكثافة كبيرة داخل الأقصى وعلى أسواره وفي محيطه". وأضاف أنه "قبل عام وفي مثل هذه الأيام تذرعوا بالهجوم المسلح الذي استهدف جنودهم في باب الأسباط، واليوم هم يمارسون أبشع أنواع الانتهاكات بحق المسجد وحراسه ومصليه وحتى بحق إدارة الأوقاف الإسلامية وهي ذاتها المحاولات المحمومة لسلب واغتصاب صلاحيات الأوقاف على المكان عبر سلسلة من الخطوات والإجراءات سواء ما تعلق منها بتحديد الفئات المسموح لها بالدخول، وإخضاع الزوار الأجانب الذين يفدون للقاء مسؤولي الأوقاف للتفتيش والتحقق من هوياتهم، ثم السماح باقتحام أعداد كبيرة من المستوطنين المتطرفين والوزراء ونواب الكنيست اليمينيين للمسجد، وكثير من التضييق على الحراس والسدنة بالضرب والاعتقال والإبعاد عن وظائفهم في حراسة المسجد".

ما ذكره الكسواني، أظهرته معطيات رصدتها إدارة الأوقاف الإسلامية لحجم الاقتحامات ونوعيتها، والإجراءات الجديدة التي فرضت على المكان، ومنها ما تعلق بممارسات المستوطنين الاستفزازية واتخاذهم مواقع ثابتة داخل الساحات لإقامة صلواتهم وطقوسهم التلمودية فيها، تحديداً في منطقة باب الرحمة، وقريباً من مسجد الصخرة المشرفة وعلى البوابات كباب السلسلة.

في هذا السياق، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، عن "تسجيل أعداد كبيرة من المستوطنين المقتحمين تجاوزت بعد عودة الاقتحامات للأقصى في أعقاب معركة البوابات إلى أكثر من 30 ألف مستوطن، منهم نحو 23 ألف مقتحم منذ مطلع العام الحالي وحتى مطلع يوليو/تموز الحالي، أي بزيادة تصل إلى أكثر من 8 آلاف مقتحم خلال العام الماضي بكامله. والجديد في هذه الاقتحامات انضمام حاخامات متطرفين وطلاب جامعات على نحو أكبر بكثير مما كان عليه الحال العام الماضي، بالإضافة إلى الاقتحامات المتجددة لوزراء وأعضاء كنيست من اليمين المتطرف كما حدث خلال اليومين الماضيين، وإقامة المستوطنين خلال اقتحاماتهم احتفالات بعقود زواجهم وقرانهم داخل الساحات".


وأفادت المصادر أن "الاحتلال وتجاوزاً للبوابات الإلكترونية التي فشل في وضعها على بوابات الأقصى، نشر عشرات كاميرات المراقبة على أسوار المسجد، وعلى أسطح المباني المطلة عليها، إضافة إلى المراقبة الجوية الدائمة التي باتت تحكم السيطرة على أي تحرك للمصلين المسلمين داخل الساحات أيا كان حجمها. فضلاً عن مضاعفة أعداد قوات الاحتلال المنتشرة في الساحات واتخاذها مواقع ثابتة ومتحركة داخلها، وفرض وجودها في موقع مراقبة للحراس على سور المسجد قرب باب الرحمة. وتعدّ هذه القوات الخاصة المدربة على القمع بوحشية جزءاً من وحدة خاصة شكّلها الاحتلال عقب معركة البوابات، ما منحها السيطرة الأمنية المطلقة على المكان، متجاوزة مهام حراس الأقصى في حفظ الأمن والنظام في ساحاته ومراقبة اقتحامات المستوطنين له".

وفي هذا قال أحد مسؤولي الحراسة لـ"العربي الجديد"، إنه "بتنا هدفاً مفضلاً لقوات القمع هذه. وهناك عدد كبير من الحراس تم إبعادهم عن وظيفتهم، ومنعوا من الاقتراب من الأقصى، وهناك ضحايا لاعتداءات وحشية أوقعت إصابات في صفوف الحراس، عدا الاستهداف بالاعتقال". وأضاف أنه "من الواضح أن كل من كان له دور في الصمود والتصدي بمعركة البوابات قبل عام بات هدفاً ليس من قبل شرطة الاحتلال فقط، بل أيضاً من قبل قيادات المستوطنين المتطرفين التي ردت على ما جرى بتكثيف الاقتحامات بأعداد كبيرة. فبعد أن كانت أعداد المستوطنين سنوياً لا تتجاوز الـ1400 مقتحم، بات الحديث اليوم عن عشرة أضعاف هذا العدد، ولم تعد تلك الاقتحامات مقتصرة على فئة هامشية من المتطرفين، بل تجاوزتها إلى فئات وشرائح جديدة في مجتمع دولة الاحتلال، كالنساء، وطلاب الجامعات، واستجلاب ضيوف أجانب مؤيدين لليهود وتقديم الشروحات لهم عن هيكلهم المزعوم".

منذ عام كان قرار سلطات الاحتلال في 14 يوليو/ تموز 2017 بإغلاق المسجد الأقصى ومداخل البلدة القديمة ومنع إقامة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، رداً على قيام ثلاثة شبان فلسطينيين من مدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني بقتل عنصرين من أفراد شرطة الاحتلال وجرح آخر قرب باب الأسباط أحد أبواب الأقصى، أعقبها قيام قوات الاحتلال باعتقال 58 موظفاً تابعاً لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، بينهم حراس وسدنة ورجال إطفاء وإسعاف، ونصب بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى.

عليه، اندلعت "معركة البوابات"، أو "هبة باب الأسباط"، أو هبة الأقصى الثانية، في 15 يوليو 2017، بعد أن تداعت المؤسسات المقدسية والمرجعيات الدينية، وكافة أهالي مدينة القدس معلنة رفضها لهذه الإجراءات الإسرائيلية، ودعت المقدسيين إلى عدم المرور عبر البوابات، وأداء الصلوات في الشوارع المحيطة بالمسجد لحين إزالتها. واستمرت هذه الهبة حتى 27 يوليو لتعلن بعدها سلطات الاحتلال الإسرائيلي إزالة تلك البوابات ورفع القيود التي فرضت على دخول المصلين، ما اعتبره المقدسيون انتصاراً لهبتهم التي انخرط فيها عشرات الآلاف مسلمين ومسيحيين.


بيد أن الأخطر مما جرى في غضون عام من معركة البوابات، كما قال مدير عام أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب لـ"العربي الجديد"، هو "محاولات الاحتلال المستمرة والمستميتة لمصادرة صلاحيات الأوقاف في إدارة شؤون المسجد الأقصى، والاعتداء على الولاية الأردنية على المقدسات". وكشف أنهم "باتوا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، ويحاولون فرض سيطرتهم المطلقة على المكان ومحاولة تقسيمه مكانياً وزمانيًا، وهو ما نواجهه اليوم بقوة، ولن نسمح به. فالمسجد الأقصى مسجد إسلامي للمسلمين وحدهم، وليس لأحد غيرهم الحق فيه. وما يمارسونه داخل ساحاته مفروض بالقوة الغاشمة". وحذّر الخطيب من "سياسة الأمر الواقع التي يحاول الاحتلال فرضها في المسجد الأقصى"، مؤكداً أن "معركة البوابات ربما تكون لم تنته بعد، لأن ما يمارسه الاحتلال على البوابات وفي الساحات، وما يثيره المستوطنون من استفزازات يولد كل يوم حالة من الغضب الشديد لدى المواطنين ولدى مسؤولي الأوقاف الذين لن يسمحوا بالتعدي على أقدس مقدساتهم".

وفي المشهد اليومي الذي عاشته القدس على مدى أيام وليالي معركة الصمود في باب الأسباط، لم يغب الحضور الشبابي المقدسي بتلاوينه السياسية والدينية المختلفة، وبنسائه اللواتي تحولن جميعاً إلى مرابطات على بوابات الأقصى، ومتطوعات قائمات على رعاية وخدمة المرابطين والمعتصمين ليل نهار على أبواب الأقصى.

وقال وليم قاقيش والد الأسير جون قاقيش، الذي حكمت عليه محكمة الاحتلال بالسجن الفعلي 11 عاماً لطعنه مستوطنين على خلفية الاعتداء على المرابطات في الأقصى، إنه "لم يكن هناك مجال للسكوت أو الجلوس في البيت ونحن نرى أقدس مقدسات إخواننا المسلمين ينتهك على هذا النحو. لذا نزلت وعائلتي إلى أبواب الأقصى، واعتصمنا ورابطنا هناك لندافع عنه. كنت صورة من أجمل الصور التي عكست علاقتنا الأخوية كأبناء شعب واحد، فمن يتعرض للأقصى اليوم ويعتدي عليه، سيعتدي غداً على كنيسة القيامة، وهذا لن نسمح به أبداً".

وإلى جانب قاقيش كان الشاب المقدسي نضال عبود رمزاً قوياً من رموز معركة البوابات، فشارك الآلاف من إخوانه صلواتهم في الساحات العامة حتى بلغوا مجتمعين النصر في إزالة البوابات. وكشف عبود أنه "بالنسبة إلينا هي معركة وجود ودفاع عن حقنا في هذه المدينة المقدسة، سنُبقي على عهدنا في حمايتها والدفاع عنها، حتى بعد مرور عام على ذكراها، فيما نحن نرى أن الأخطار على الأقصى والقدس عموما تفاقمت وتضاعفت خلال عام".

"مشاهد التكافل الاجتماعي التي عاشتها القدس آنذاك، جاهزة من جديد لأن تتكرر فيما لو استمر الاحتلال بعدوانه على الأقصى"، حسبما رأى سليمان قوس، مضيفاً أن "المقدسيين جسّدوا أروع صور الدعم والإسناد والمناصرة لقضيتهم، وانخرط فيها الجميع".


المساهمون