معاناة العمالة المهاجرة...كورونا يضربهم بعد بريكست في بريطانيا

19 ابريل 2020
العمالة المهاجرة أكثر عرضة لتداعيات أزمة كورونا (Getty)
+ الخط -
يعتبر المدير المساعد للهجرة والتجارة وعلاقات الاتحاد الأوروبي، مارلي موريس، أن العمالة المهاجرة في بريطانيا هي الأكثر عرضة لتداعيات أزمة كورونا إذ يعملون في المجالات الأكثر تضررا، بما في ذلك السكن والخدمات الغذائية. علاوة على ذلك، من المرجح عملهم لحسابهم الخاص في وظائف مؤقتة منخفضة المهارة، مما يعرضهم لخطر فقدان سبل العيش خاصة مع إقامتهم في منازل مؤجرة، ما يضعهم وأسرهم في موقف غير مستقر من الناحية المالية.

وبالاستناد إلى مسح القوى العاملة في بريطانيا الذي تم إجراؤه خلال الربع الأخير من عام 2019 وجد موريس في تحليله "العمال المهاجرون وفيروس كورونا" المنشور على الموقع الرسمي لمعهد أبحاث السياسة العامة IPPR (مؤسسة بحثية مستقلة مركزها لندن) في 25 من مارس/آذار الماضي، أن كورونا سيكون له تأثير خاص على العمال المهاجرين إلى بريطانيا، إذ يعمل 9% من المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي و7% من دول خارج الاتحاد الأوروبي في المجالات المتضررة من تدابير مواجهة الفيروس، مقارنة بـ 5% من عمال المملكة المتحدة.

ويعمل في بريطانيا 2.24 مليون من مواطني الاتحاد الأوربي، و1.35 مليون من غير مواطني الاتحاد الأوربي وفق ما يؤكده التقرير الفصلي لإحصاءات الهجرة الصادر عن مكتب الإحصاء الوطني، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.


آثار سلبية

اتخذت الحكومة البريطانية مجموعة من تدابير التباعد الاجتماعي لمواجهة كورونا، بما في ذلك مطالبة الناس بعدم مغادرة منازلهم، إلا للضرورة، وإغلاق المدارس، والمطاعم، والفنادق وبعض المحلات التي تعمل في مجالات غير ضرورية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي وخسائر كبيرة في الوظائف وفق تحليل موريس.

هذه المشكلة دعمت شعور عدم اليقين لدى العمالة الأوروبية المهاجرة في بريطانيا، والمتفاقم أصلا منذ بريكست، في ظل توقعات بتراجع أحوالهم المالية في المستقبل، كما يقول الروماني غابي سابينو، والذي يعمل في قطاع الإنشاءات في بريطانيا. وهو ما يؤكده البريطاني فتحي المسعودي عضو حزب العمال، قائلا: "حتى المواطن في حيرة من أمره والجميع يعيش حالة من الترقب"، مضيفا أن العامل الأجنبي بشكل عام حقوقه مهضومة، فضلا عن عدم امتلاك البعض لأوراق ثبوتية، ما يضطرهم إلى العمل لساعات طويلة وبأجور متدنية.



وتخشى الخمسينية الرومانية تمارة بانا روسكو التي قدمت مع طفليها إلى بريطانيا قبل 7 سنوات من الوضع الذي سيكون عليه حالها، إذ يبدو المستقبل أمامها ضبابيا، مع تزايد صعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، خاصة أن الكثير من الشركات قد غادرت بريطانيا إلى مكان آخر بعد بريكست، والشركات الصغيرة فشلت في الاستمرار نتيجة ارتفاع الإيجار، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مستدركة بقلق:" من الصعب أن نجد فرص عمل وسط هذه الفوضى الصحية والسياسية والاقتصادية لكن المستقبل القريب ربما سيجيب على أسئلة كثيرة ما زالت تحمل علامات استفهام".

مخاوف العاملة المهاجرة في بريطانيا، عززتها دراسة "تأثير بريكست على الشركات البريطانية: انخفاض الاستثمار وانخفاض الإنتاجية" المنشورة في مدونة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في 11 سبتمبر/أيلول 2019، والتي أكدت على خسارة الوظائف مع زيادة المخاطر على الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء.

وأسهمت عملية الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تباطؤ نمو إجمالي الاستثمارات بنسبة 11% على مدى السنوات الثلاث الماضية، علما أن نسبة نمو الاستثمار السنوي 3.8%، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض إمدادات العمال الأجانب المهرة مع انخفاض الاستثمار متعدد الجنسيات وفقا لدراسة المدونة.




قطاعات مستفيدة من الأزمة

بعد بريكست أصبحت أولويات بريطانيا هي استقطاب مهاجرين من العلماء والمهندسين والأكاديميين وغيرهم من العمال ذوي المهارات العالية وفق ما جاء في نظام الهجرة إلى المملكة المتحدة القائم على النقاط، المنشور على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية البريطانية في 19 فبراير/شباط 2020.

ويقدم العمال المهاجرين مساهمة كبيرة لقطاعات الاقتصاد ذات الأهمية الخاصة في سياق أزمة كورونا، إذ يتركز العمال المهاجرون من الاتحاد الأوروبي في قطاع تصنيع الأغذية، بينما يتركز المهاجرون من خارج الاتحاد الأوروبي في الصحة والرعاية الاجتماعية، وهما قطاعان سيكون لهما أهمية حيوية للجمهور في الفترة المقبلة وفق تحليل موريس، الذي أكد أن حوالي 850 ألف مهاجر يعملون في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية (حوالي واحد من كل خمسة من إجمالي القوى العاملة) في حين يشكل المهاجرون العاملون في تصنيع الأغذية أكثر من 40%.

ومددت وزارة الداخلية البريطانية تأشيرات العاملين في خدمة الصحة الوطنية NHS ممن يواجهون فيروس كورونا على الخطوط الأمامية حتى يتمكنوا من التركيز في مكافحة الفيروس، من الأطباء والممرضات والمساعدين الطبيين وأفراد أسرهم، الذين ستنتهي تأشيراتهم قبل 1 أكتوبر/تشرين الأول المقبل تلقائيًا لمدة عام واحد.

التمديد الذي أعلنت عنه وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل في 31 مارس الماضي، سيطبق على حوالي 2800 طبيب وممرض ومسعف مهاجر، يعملون في خدمة الصحة الوطنية وفق الموقع الرسمي لوزارة الداخلية البريطانية. وقالت باتيل: "سيتم إعفاؤهم من رسوم التمديد ومصروفاته".


كورونا تؤخر استقدام العمالة

تقول جوان هينيسي المديرة القانونية لشركة Pinsent Masons LLP (شركة محاماة دولية في لندن)، أن العديد من مراكز تقديم طلبات الحصول على تأشيرة المملكة المتحدة في الخارج، ومرافق اختبار اللغة الإنكليزية مغلقة حاليًا، إلى جانب قيود السفر، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى تأخير القدرة على استقدام العمالة إلى المملكة المتحدة.

ويسعى بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، إلى تطبيق نظام هجرة يرتبط بالنقاط (نظام يستقطب نوعية محددة من المهاجرين وتقييدهم عدديا وفق شروط متعلقة بالمهارات) وفق ما يوضحه لـ"العربي الجديد" المحلل الاقتصادي والسياسي البريطاني من أصل سوري أحمد ياسين (عضو في حزب المحافظين).

وسيحتاج جميع المتقدمين عبر نظام النقاط، سواء من مواطني الاتحاد الأوروبي أو من خارج الاتحاد الأوروبي، إلى إثبات أن لديهم عرضاً من صاحب عمل معتمد، وأن عرض العمل يتم وفق المهارة المتوفرة لديه، بالإضافة إلى تلبية شروط متعلقة كأن يتحدث الإنكليزية. بالإضافة إلى الحصول على راتب أعلى من الحد الأدنى (20480 جنيها إسترلينيا سنويا)، وفق ما جاء على موقع وزارة الداخلية البريطانية.

وبناءً على تحليل المخاطر الخاصة التي تواجه العمال والأسر المهاجرة، يقترح موريس تدابير عاجلة ومؤقتة لدعم الصحة العامة وتجنب أسوأ الآثار المالية للتباعد الاجتماعي والعزلة الذاتية، ومنها تعليق اختبار الإقامة المعتادة بحيث لا يحتاج مهاجرو الاتحاد الأوروبي إلى إثبات "حقهم في الإقامة" من أجل الحصول على مزايا مثل الضمان الاجتماعي. ويجب أن تنطبق جميع التدابير الجديدة المصممة لدعم عمال المملكة المتحدة بالتساوي على العمال من دول الاتحاد الأوروبي وغير العاملين في الاتحاد الأوروبي. وتعليق شروط شبكة "NRPF" الخاصة بالمهاجرين حتى يتمكن جميع العمال المهاجرين الذين يعيشون في المملكة المتحدة من الحصول على المزايا والخدمات العامة.

بدون ذلك ستكون العواقب المالية والصحية للأزمة الحالية شديدة، خاصة على العمال المهاجرين وفق موريس، لكن عضو حزب العمال المسعودي، يتوقع أن يتم تعويض النقص في اليد العاملة عبر الاعتماد على اللاجئين كما فعلت ألمانيا التي عانت من قلة اليد العاملة فلجأت إلى تشغيل المقيمين السوريين بمختلف قطاعات العمل، لكن المشكلة تكمن في نظره في المواطن البريطاني الذي سيبقى يعاني من البطالة، مؤكدا ضرورة حصول العامل الأجنبي على رخصة عمل قانونية حتى يضمن حقوقه كاملة.

ومن ميزات مخططات تصاريح العمل أنها تربط العمال بصاحب عمل معين، لكن يحتمل أن يكون الأمر أكثر إشكالية لأصحاب الأجور المنخفضة، إذ قد تكون مخاطر عدم دفع الأجور أعلى وكذلك مخاطر استغلال العمال أعلى، على يد أرباب العمل بحسب دراسة مدونة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والتي حذرت من تفاقم الاستغلال القوى العاملة ذات الأجور المنخفضة بعد هذه الأزمات.


وعلى مدار الـ 15 عاما الماضية كانت حرية الحركة هي القناة الرئيسية التي أتاحت للعمالة المهاجرة إلى المملكة المتحدة، العمل في وظائف متدنية المهارات، إذ وصل عدد المهاجرين الذين يعملون في مهن منخفضة المهارة إلى نصف مليون مهاجر في عام 2017، بحسب دراسة جامعة أكسفورد "استغلال الفرصة... هجرة العمالة منخفضة المهارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي" الصادرة في 30 إبريل/نيسان 2018، بينما يقدر الموقع الرسمي لوزارة الداخلية البريطانية العدد حتى 19 فبراير/شباط 2020، بـ 170 ألف مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي، لكن هذه العمالة ستقل فرصها بشدة إذ يرى الخبير في شؤون الهجرة علي القدومي، أن بريطانيا في عهد حزب العمال لن تفتح الباب لاستقدام العمالة رغم أنها بحاجة ماسة إلى كوادر في الطب والتكنولوجيا والتعليم، مضيفا أن الوضع الاقتصادي سيتراجع لفترة خمس سنوات على أقل تقدير.