معامل عراقية ضخمة أقفلت فازدهر الاستيراد

23 مايو 2016
إغراق السوق العراقية بالمنتجات المستوردة (Getty)
+ الخط -
كان العراق يمتلك أكبر معمل للحديد والصلب في الشرق الأوسط، لكنه أغلق بشكل مفاجئ ولأسباب مجهولة، وسرح ما يقارب 1200 عامل. هذا المعمل، ليس الأول الذي يغلق، وإنما هناك العشرات مثله. أما المفارقة فهي استيراد العراق في عام 2014، الحديد الصلب بقيمة 1.4 مليار دولار من دول عديدة أبرزها أوكرانيا، بينما المعمل الذي يقع في محافظة البصرة جنوب البلاد، يستطيع إنتاج مليون طن سنوياً من أفضل أنواع الحديد، ولكنه مشلول تماماً على الرغم من توافر المواد الأولية.
تعتبر هذه عينة من مئات العينات التي تبين إغراق السوق العراقية بمئات المنتجات المستوردة. فالبلاد تستورد مائدتها اليومية بسبب تعطل القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، وما رافق ذلك من زيادة كبيرة في نسبة البطالة التي وصلت إلى أكثر من 30%.
عزا الخبير الاقتصادي، رائد الهاشمي، تعطل معمل الحديد والصلب في البصرة إلى الضغوط السياسية. وقال الهاشمي لـ "العربي الجديد": "يعتبر المصنع من أكبر المصانع في البلاد، تأسس بالتعاون مع إحدى الشركات الفرنسية في بداية السبعينيات، دخل فعلياً إلى العمل على مراحل، خلال السنوات 1978 – 1980، لكنه في عام 2003 توقف المصنع بالكامل عن الإنتاج بسبب استهلاك المعدات، وظروف السلب التي رافقت أحداث أبريل/نيسان 2003".
وأضاف: "منذ العام 2003 وحتى الآن، لم يعد المصنع للعمل على الرغم من توقيع عقد مع شركة تركية وبكلفة استثمارية تبلغ 700 مليون دولار لرفع سقف الإنتاج إلى مليون طن سنوياً، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل فعلي بسبب عدم وجود النيّة الجادة للحكومة ولوزارة الصناعة".
ولفت الهاشمي إلى أن ضغوطاً سياسية منعت إعادة تأهيل معمل الحديد والصلب في المحافظة، كما وأن هذه الضغوط، تسببت لعدة مرّات بعرقلة تنفيذ عدة عقود مع شركات عالمية رصينة منذ عام 2012 وحتى الآن، مشيراً إلى أن أياد خارجية وداخلية من مصلحتها عدم عودة معمل الحديد والصلب ومعامل أخرى كثيرة إلى الحياة.


سياسة الإغراق

وكان العراق يصدر الإسمنت إلى الدول المجاورة قبل الاحتلال الأميركي، لكن مصانعه توقفت عن العمل ومارست بعض الدول سياسة الإغراق، وبحسب الهاشمي، فإن معامل الإسمنت حالها حال جميع البنى التحتية المعطلة في البلد، حيث تغيب النيّة الحكومية الحقيقية للنهوض بها على الرغم من توفر جميع مقوّمات النجاح لها. كما أن سوء الإدارة العليا من قبل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، كان السبب الحقيقي وراء عدم تفعيل هذه المعامل، لافتاً إلى أن المبررات التي يطرحها الآن المسؤولون في الحكومة وخاصة عدم توفر السيولة النقدية، مبررات غير مقنعة.

واعتبر الهاشمي أن الارتباطات الخارجية والمصالح الشخصية تمنع حماية المنتج المحلي، فالنيّة الحقيقية لو توفرت لإعادة تأهيل معامل الإسمنت وجميع معامل البلد المتوقفة لتحقق ذلك دون صعوبات، لأن المعامل موجودة والآليات لا تزال نسبة كبيرة منها صالحة للعمل، كما أن الأيادي العاملة الفنية المتخصصة موجودة ولكنها معطلة وغير منتجة.
في عام 2014 استورد العراق، لحوماً مجمدة وألباناً بقيمة 495 مليون دولار من دول عدة، أبرزها البرازيل والهند وإيران والسعودية، على الرغم من امتلاكه ثروة حيوانية كبيرة جداً ومعامل لإنتاج الألبان. بحسب الخبير الاقتصادي علي الصيهود السوداني، فإن الصناعة العراقية تتعرض لضغوطات دولية توقفها عن الإنتاج وجعل البلد تابعاً لبعض الدول، خصوصاً وأن معامل الألبان توقفت عن الإنتاج بسبب إغراق السوق بالسلع، مشيراً إلى أن المنتج العراقي أصبح ضحية للصراعات السياسية والفساد السياسي والمالي.
وقال: "هناك معامل إيرانية في العراق، تقوم بإنتاج الألبان وتوزيعها على المستهلك مباشرة دون وجود وكيل بينهما، فيغيب المنتج العراقي، الأمر الذي أدى إلى إقفال معامل أبو غريب ومعامل التعليب في كربلاء وفي ديالى وسامراء".
وبحسب السوداني، هناك العديد من البضائع الإيرانية التي يستوردها العراق، والتي تدخل عن طريق منافذ حدودية غير رسمية ولا تخضع لضريبة التعرفة الجمركية.
أما الخبير الصناعي، عقيل السعدي فقال لـ "العربي الجديد": "إن العراق يستورد كل شيء، بسبب الفساد المالي وبهدف شرعنة السرقات عبر غسيل الأموال، إذ إن المسؤولين تركوا الاستيراد مفتوحاً على مصراعيه بحجة رفاهية المواطن، لكن هذا التصرف، ليس سوى بابٍ من أبواب السرقة المشرعة والعقود الوهمية والخيالية". مشيراً إلى أن السياسيين بالدرجة الأولى هم الذين يستفيدون من العقود الخيالية والتي تصل إلى مليارات الدنانير.
وأضاف:" إن السياسيين يتقاتلون على الوزارات السيادية، كونها تجني لهم أموالاً ضخمة جداً لهم ولأحزابهم". مشيراً إلى أن عدم تفعيل معمل الحديد، ومعامل الألبان والإسمنت وغيرها، سببه يعود إلى السياسيين الذين سيطروا على الاقتصاد، مبيناً أن السياسيين في العراق يمثلون أجندات دول، وينفذون مصالحها، كونهم ممثلي دول الجوار بالحكومة والبرلمان، وليسوا ممثلين للشعب العراقي. واعتبر أن بعض الدول بنت اقتصاداتها على خراب الصناعة العراقية ومنها إيران، التي تبيع منتجاتها بسعر الكلفة للمواد الأولية للعراق لغرض بقاء الصناعة العراقية معطلة، لذلك نحن بحاجة إلى قرار قوي".
المساهمون