ما زال معظمنا يعتقد أن الفن المعاصر هو مجرّد امتداد للفن الحديث، فيعمد إلى استخدام المصطلحين، كما لو أنهما مترادفان، لا يختلفان سوى بتقدّم الأول على الثاني زمنياً. وهذا خطأ فادح، أساسه ارتباك المصطلح الفني العربي الذي لا يزال أسير الترجمة ومحاولات أقلمة المفاهيم.
بين الفن الحديث والفن المعاصر اختلافات بحجم تلك الموجودة بين الفن الحديث والفن الكلاسيكي. فلكلٍّ قواعد ضمنية خاصة تشكّل ـ في مجموعها ـ قياساً فريداً له. إذ بينما يرتكز الفن الحديث على خرق قواعد التصوير الكلاسيكي، كما فعل الفنانون الانطباعيون والتكعيبيون والسورّياليون؛ يذهب الفن المعاصر إلى حد انتهاك مفهوم "العمل الفني" كما هو متعارف عليه.
على سبيل المثال، لم يعد الفنان يُنتج العمل الفني بيديه، بل نجده يوكل هذه المهمة إلى أشخاص آخرين. وبالتالي، لم يعد الفعل الفني يكمن في عملية ابتكار قطعة فنية (لوحة، منحوتة، محفورة...)، بل في عملية تصوّره، وفي الخطاب الذي يواكبه، وفي ردود الفعل التي يثيرها. كما يمكن للعمل الفني أن يكون ذا طبيعة زائلة، أو قابلة للتطور، أو تجديفية وغير لائقة.
في الثمانينيات، ذهب تيار فني (simulationnisme) إلى حد اقتراح التخلّص من فكرة الأصالة، بما أن الغاية، في نظر أربابه، هي إعادة إنتاجٍ دقيقة لأعمال فنية موجودة.
باختصار، الفن المعاصر هو ابتكارٌ ثابت لطُرُق اختبار الحدود الأنطولوجية (مفهوم العمل الفني)، والأخلاقية (طريقة حضور الفنان). من هنا عنف ردود الفعل التي يثيرها.