معاشات مبتورة للتونسيين: اقتطاعات تُرهق المتقاعدين رغم الطمأنات الحكومية

29 نوفمبر 2019
متاعب جديدة تواجه أصحاب المعاشات (Getty)
+ الخط -

 

يتحمّل متقاعدو تونس أوزار الصعوبات المالية لصناديق المعاشات، ولا سيما المنتمون إلى القطاع الحكومي، بالرغم من الطمأنات الرسمية بضمان حقوقهم المالية واستمرارية صرف الرواتب.

ومع بداية صرف معاشات الشهر الحالي، فوجئ المتقاعدون بخصومات من معاشاتهم تراوح ما بين 60 و100 دينار (الدولار = نحو 3 دنانير) دون سابق إنذار، ما أثار موجة من الغضب في صفوف هذه الفئة من التونسيين. في المقابل، نفت وزارة الشؤون الاجتماعية أي نية لها في التقليص من رواتب المتقاعدين، مؤكدة أن النقص المسجل في معاشات هذا الشهر مرده إلى التعديل الآلي للرواتب التي تقوم بها صناديق المعاشات بمقتضى قانون صدّق عليه البرلمان في مايو/ أيار 2018.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي، لـ"العربي الجديد" إنه لا نية للحكومة بتقليص أجور موظفي الدولة المتقاعدين، مؤكداً أن المعاشات حقوق مكتسبة، غير أنها خاضعة لنظام التعديل الآلي وللخصم الجبائي. وأضاف الطرابلسي أن الإصلاحات التي قامت بها الدولة للصناديق الاجتماعية مكنت من حماية فئة المتقاعدين وضمان حقوقهم المالية والاجتماعية، مشيراً إلى أن هؤلاء تحصلوا على كل أقساط الزيادة في الرواتب الموجودة بذمة الدولة بعنوان زيادة 2018 التي وقّعها الاتحاد العام التونسي للشغل والتي مكنت كل الموظفين النشطين والمتقاعدين من زيادات في رواتبهم.

وأضاف أنّ المتقاعدين لا يواجهون أيّ مخاطر في الوقت الحالي، لأنّ صناديق المعاشات بدأت تستعيد توازناتها المالية بعد خطة الإصلاح، بزيادة سنّ العمل إلى 62 عاماً وفرض الضريبة على الدخل بواحد في المائة على النشطين والمتقاعدين وكلّ أصحاب الدخل، وهذا الإجراء التضامني أبعد شبح الإفلاس عن الصناديق الاجتماعية بعدما كان يخيم عليها سنة 2016.

وقال إن مستحقي التقديمات (المساعدات) تمكنوا من الحصول على زيادة في رواتبهم بنسبة 18 في المائة منذ عام 2018، وكلّ أقساط الزيادات العالقة صرفت تقريباً بما قيمته 700 مليون دينار (244 مليون دولار).

وتبدأ الحكومة مطلع يناير/ كانون الثاني 2020 في اقتطاع حسم جديد على كل أصحاب الدخول تحت عنوان المساهمة الاجتماعية بنسبة 1 في المائة تُخصم من حساب الأجير، و2 في المائة من حساب الدولة. وتقول الحكومة إن هذه المساهمة التي كان يفترض أن تكون ظرفية، هدفها إزاحة كلّ مخاطر إفلاس صناديق المعاشات، وإنها ستقلص عجزها من مليار دينار (350 مليوناً و505 آلاف دولار) سنة 2019 إلى أقل من 100 مليون دينار (35 مليون دولار) بحلول عام 2021.

وأفاد المدير العام لصندوق معاشات موظفي الدولة، معز التركي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" بأن الصندوق لم يخصم من رواتب المتقاعدين، بل أجرى تعديل أجور للرواتب وأنهى صرف أقساط الزيادات في الرواتب، ما أدى إلى لبس لدى المتقاعدين الذين لمسوا تقلصاً في معاشاتهم الشهر الجاري.

وفي مطلع من أكتوبر/ تشرين الأول، صدّقت الحكومة بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن على زيادة التأمينات الاجتماعية للمتقاعدين ومراجعة قائمة الأمراض التي يتكفل بها صندوق التأمين على المرض، فضلاً عن زيادة سقف التكفل المالي بأمراض كبار السن. وفي إطار خطة شاملة للحماية الاجتماعية لمقاومة الفقر لدى كبار السن، تخطط وزارة الشؤون الاجتماعية لزيادة الرواتب أو التحويلات الخاصة للأسر التي تشكو من العوز. وتخطط الحكومة للوصول بأجر أدنى للمتقاعدين لا يقلّ عن الحدّ الأدنى للأجور، وهو 403 دنانير (141 دولاراً).

وحسب الخبير الاقتصادي، معز الجودي، يظل خطر تقليص معاشات المتقاعدين قائماً، بالرغم من التأكيدات الرسمية لحماية حقوقهم المادية، مؤكداً أن الوضع المالي لصناديق التقاعد خطير ويهدد حقوق نحو 600 ألف متقاعد. وأضاف الجودي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المتقاعدين أمضوا سنوات من دفع مساهماتهم لحماية أنفسهم بعد بلوغ سن التقاعد، لكنهم اليوم يكابدون من أجل تحصيل حقوقهم. وأكد أن الإصلاحات التي كان يفترض أن تقوم بها الحكومة لضمان سيولة كافية لصناديق المعاشات لم تؤدِّ إلى الأهداف المرسومة بعد توقف الإصلاح عند رفع سن التقاعد إلى 62 عاماً، مشيراً إلى أن الدولة تواصل ضخ نحو 600 مليون دينار سنوياً من الموازنة العامة لإسعاف الصناديق. ورفض الجودي مواصلة ما وصفه بالحلول الترقيعية وتحمّل الموازنة ودافعي الضرائب وزر سوء الحوكمة لصناديق المعاشات.

وخلال العام الجاري، قاد المتقاعدون في العاصمة تونس ومحافظات عديدة، تحركات احتجاجية للتعبير عن رفضهم المساس بمكتسبات أمّنوها بمجهوداتهم ومدخراتهم طوال سنوات العمل. ويحتاج 41% من المتقاعدين التونسيين إلى المساعدات العائلية لتأمين نفقاتهم المعيشية، وفقاً لبيانات رسمية كشف عنها مركز الإحصائيات الديمغرافية في معهد الإحصاء الحكومي.

المساهمون