على الرغم من الكرّ والفرّ والتصعيد والتبريد في المعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي الغربي منذ السادس من مايو/ أيار الماضي، عندما بدأت قوات النظام، بدعم روسي، هجومها على تل العثمان ومناطق عديدة بعد ذلك، مثل كفرنبودة ثم قلعة المضيق وقرى أخرى، إلا أن اليومين الماضيين شهدا تطورات متسارعة، كتكثيف القوات المهاجمة محاولات تقدمها، وخصوصاً في محوري تل ملح والجبين، وتكبدها خسائر بشرية ومادّية، قد تكون الأكبر من نوعها خلال مدة زمنية قصيرة، منذ بدء معارك ريف حماة الشمالي الغربي.
يضاف إلى ذلك، أن الفصائل التي تحاول صدّ المُهاجمين، تُبدي مزيداً من التمسك بتكتيك استخدام الكمائن والهجمات الخاطفة، التي تسميها "الإغارات"، إذ حققت لها الأخيرة هدف وقف زحف القوات المهاجمة وكبّدتها خسائر كبيرة. وشهد، أول من أمس الجمعة، هجمات متتالية لقوات النظام، والمليشيات الموالية لها، على محاور القتال بريف حماة الشمالي الغربي، وتحديداً في محيط منطقتي تل ملح والجبين، اللتين تُشكلان حالياً خط دفاع أول لمناطق سيطرة المعارضة بريف حماة الشمالي الغربي، وتقطعان في الوقت ذاته خط الإمدادات المباشر لقوات النظام بين بلدتي محردة والسقيلبية.
وقال مسؤول المكتب الإعلامي في "الجبهة الوطنية للتحرير" نصر العكل، لـ"العربي الجديد"، إن المعارك لا تزال مستمرة في ريف حماة الشمالي الغربي، متحدثاً عن فشل كافة محاولات التقدم للقوات المهاجمة هناك. وأشار إلى أن قوات النظام تحاول، منذ الجمعة الماضي، التقدم في تل ملح والجبين و"شنّت عصابات (بشار) الأسد والمليشيات الروسية المساندة لها (الجمعة) خمس محاولات للتقدم على محاور الجبين وتل ملح. ترافق الهجوم مع قصف مكثف بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ وغارات من الطيران الحربي للتمهيد للقوات المقتحمة التي عادت مدحورة، بعد أن تمكن أبطالنا من صدّ جميع محاولات التقدم وتكبيدهم أكثر من 50 قتيلاً وقرابة مائة جريح". وفضلاً عن الخسائر البشرية الكبيرة، فإن العكل أشار إلى "التمكن من تدمير عربة شيلكا مجنزرة وعربة نقل جنود بمن فيها، ورشاش متوسط، بصواريخ مضادّة للدروع، كانت كفيلة بترجيح كفة مقاتلينا وزيادة أعداد قتلى العصابات المقتحمة". و"الجبهة الوطنية للتحرير"، مع "جيش العزة"، وفصائل أخرى كـ"هيئة تحرير الشام"، هي أبرز الفصائل التي تواجه قوات النظام والمليشيات التابعة له، في معارك حماة.
وتحدث "جيش العزة"، عبر معرفاته الرسمية على الإنترنت أمس السبت، عن شنّ مقاتليه هجمات صاروخية جديدة، استهدفت مدرعات وآليات عسكرية لقوات النظام، في محاور القتال الأبرز حالياً في شمال غربي حماة. وبث "جيش العزة"، التابع للجيش السوري الحر، في اليومين الأخيرين، مشاهد فيديو تظهر استخدام مقاتليه بكثافة لصواريخ مضادة للدروع، وهي الأسلحة النوعية التي غابت لأشهر عن معارك شمال غرب سورية، قبل أن تعود للظهور من جديد، عقب نجاح جزئي حققته قوات النظام، بداية حملتها البرية قبل نحو شهرين.
وذكرت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، أن فصائل الجيش السوري الحر دمرت صباح أمس السبت، دبابة لقوات النظام على محور بلدة كفرهود بريف حماة الشمالي الغربي، إثر استهدافها بصاروخ موجه أثناء تحركها باتجاه تل الملح والجبين. إضافة لذلك، تحدث "جيش العزة" عن إطلاقه عدة صواريخ مضادة للدروع على آليات ومدرعات لقوات النظام، على محور قرية أبو زهير قرب الجبهات المشتعلة، وكبد القوات المهاجمة خسائر بشرية ومادية جديدة. وفي المقابل، كثفت قوات النظام قصفها المدفعي والصاروخي، على محاور الجبين وتل ملح. وقالت وسائل إعلام النظام إنها أفشلت هجوماً على مواقعها قرب قرية القصابية، شمال كفرنبودة، أول بلدة سيطرت عليها قوات النظام خلال هجومها في شمال غربي حماة وجنوبي إدلب. ورغم فشل كافة محاولات قوات النظام، للتقدم في معاركها الهادفة حالياً لاستعادة تل ملح والجبين، إلا أن المحاولات المستمرة والمكثفة لقوات النظام، تشير إلى أن هذه القوات تمنح هذه المناطق أهمية استثنائية ضمن خط الجبهات الممتد من سهل الغاب قريباً من بلدة الحويز حتى تل الملح وجنوبها.
وترددت منذ أكثر من أسبوعين أنباء، أكدتها ضمنياً وسائل إعلام وصفحات موالية للنظام على الإنترنت، مفادها أن حالة تخبط وإحباط، أصابت صفوف قوات النظام والمليشيات الموالية له في معارك ريف حماة الشمالي الغربي، بسبب الإخفاقات المتكررة في المعارك، وأسباب تنظيمية أخرى ضمن صفوف هذه المليشيات. وجاءت زيارة رئيس جهاز مخابرات النظام الجوية، جميل الحسن، قبل أسبوع، إلى جبهات المعارك لتؤكد هذا الكلام، إذ نادراً ما تظهر نشاطات الحسن علناً. وفي المقابل، فإن مسؤول المكتب الإعلامي في "الجبهة الوطنية للتحرير" نصر العكل، يعتبر خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن "السبب الرئيسي (في نجاحنا بصد هجمات النظام) هو إيمان مقاتلينا بأحقيتهم بهذه الأرض. لا يمكن أن نتخلى عنها للاحتلال الروسي أو الإيراني. لدينا أراضٍ مغتصبة من قبل إيران وروسيا وسنناضل لاسترجاعها". واعتبر أنه، فضلاً عن العامل المعنوي، فإن قواته استعدت عسكرياً. "اتخذنا تكتيكات عسكرية جديدة في الحرب أربكت قوات الأسد وقوات الاحتلال الروسي، واستخدامنا السلاح المضادّ للدروع كان فعالاً في هذه العمليات العسكرية".
إلى ذلك، وفي حين كثرت التحذيرات من أن مواصلة قوات النظام السوري هجومها ستؤدي إلى انهيار اتفاق سوتشي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ختام قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية أمس السبت، أن اتصالات بلاده مع تركيا حول الملف السوري مستمرة بكثافة أكثر من الولايات المتحدة، وأن "الوضع تحت السيطرة". وأوضح أنه بحث مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان التطورات الأخيرة في سورية. وقال: "اتصالاتنا مستمرة مع أصدقائنا الأتراك، بشكل يومي ومكثف، أكثر من مثيلاتها مع الولايات المتحدة". وأضاف: "لدينا معرفة بجميع الأحداث التي جرت، ونخوض معاً في جذر الأحداث. لا يمكنني الإفصاح عن بعض التفاصيل، لكن الوضع تحت السيطرة".