معارك شمال غربي سورية: قوات النظام تغيّر استراتيجيتها؟

18 يوليو 2019
ارتكب النظام مجزرة في بلدة معرشورين الثلاثاء (عزالدين إدلبي/الأناضول)
+ الخط -
لا يزال شمال غربي سورية عرضة لعمليات قصف جوي ومدفعي من قوات النظام، توقع بشكل يومي قتلى ومصابين بين المدنيين، في ظلّ مؤشرات عن نيّة هذه القوات تغيير استراتيجية القتال بعد عجزها عن التقدّم في ريف حماة الشمالي أمام صمود فصائل المعارضة السورية، إذ نقلت قوات من جبهات هذا الريف إلى مواقع أخرى في ريف إدلب الغربي.

وتابعت قوات النظام أمس الأربعاء قصف مناطق مختلفة في أرياف حماة وإدلب وحلب. وذكرت مصادر محلية أنّ طائرات النظام الحربية قصفت بالصواريخ قرية مدايا بريف إدلب الجنوبي وبلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي، فيما قصفت بالرشاشات طريق قرية البوابية جنوب حلب. كما قصفت بالمدفعية الثقيلة بلدة قسطون وقرية زيزون في ريف حماة الغربي، إضافة إلى قرى الصهرية ودير سنبل والحويجة. وكان طيران النظام قد ارتكب أوّل من أمس الثلاثاء مجزرة في بلدة معرشورين جنوبي إدلب، قتل فيها 12 مدنياً، فضلاً عن جرح أكثر من 15 آخرين بعضهم جروحهم خطرة.

في غضون ذلك، قُتل وأصيب عدد من قوات النظام فجر أمس الأربعاء بنيران الفصائل المقاتلة، في ريفي حماة وحلب. وقصفت المدفعية التابعة لفصائل المعارضة المسلحة معسكر قوات النظام في بلدة جورين في ريف حماة، فيما استهدفت غرفة عمليات "وحرّض المؤمنين" مواقع قوات الأسد، بقذائف الهاون في قرية البحصة في ريف حماة الشمالي الغربي، ما أدى إلى سقوط قتلى في صفوفها.

وجاءت هذه التطورات في وقت أكدت فيه مصادر إعلامية معارضة انسحاب قوات النظام التي يقودها العميد سهيل الحسن (الملقب بالنمر) و"الفيلق الخامس اقتحام" من جبهات ريفي حماة الشمالي والغربي من دون تحديد الوجهة. وكشفت المصادر أنّ هذه القوات تجمّعت الثلاثاء في قرية بريديج وعلى الطريق الواصل بين مدينة السقيلبية وقرية العشارنة، مشيرةً إلى أنّ التجمّع ضمّ مئات السيارات العسكرية المزودة بالرشاشات، بالإضافة إلى 15 دبابة وعشرة مدافع ميدانية مقطورة وراجمات، وما يقارب من ألف عنصر من "الجوية"، و"الخامس اقتحام".

وأكدت المصادر أنّ قوات "النمر" سلّمت مواقعها للفرقة السابعة والحرس الجمهوري والأمن العسكري والفرقة الرابعة والثامنة والحادية عشر والرابعة عشرة والثامنة عشرة، والتي تتبع كلها لقوات النظام، في مؤشر واضح على نيّة الأخيرة البدء بهجوم جديد انطلاقاً من ريف حماة الشمالي.

وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام تعزّز وجودها في معسكر جورين وقرية عين سليمو، واستقدمت مدافع عدة وراجمات إلى جورين، بالتزامن مع عمليات استطلاع برفقة طائرات مسيرة قامت بها وحدة عسكرية روسية في سهل الغاب شمال غربي حماة، الثلاثاء. وكانت قوات "النمر" قد مُنيت بهزائم متلاحقة في معارك ريف حماة الشمالي خلال الشهرين الماضي والحالي، وتكبّدت خسائر كبيرة في أرواح مسلحيها، وهو ما دفع الروس الذين يتولون التخطيط والإشراف على المعارك إلى تغيير استراتيجية القتال، كما يبدو.

كما أنّ "الفيلق الخامس اقتحام" التابع للروس، والذي يضمّ عناصر من مناطق التسويات من أرياف دمشق ودرعا وحمص، تعرّض هو الآخر إلى هزائم متلاحقة في اشتباكات ريف حماة الشمالي، في ظلّ حديث عن عمليات إعدام جماعية من قبل الروس وقوات "النمر"، لعناصر في الفيلق المذكور بسبب اتهامات بالتخاذل وعدم الجدية في القتال. وكانت مصادر قريبة من المعارضة قد ذكرت مطلع الشهر الحالي أنّ "عدداً من عناصر الفيلق ينحدرون من ريف دمشق، قُتلوا جراء إطلاق النار عليهم من الخلف من جانب مليشيات النمر المرتبطة بروسيا في المعارك الدائرة على محور تل هواش بريف حماة الغربي، بذريعة أن المجموعة انسحبت من إحدى النقاط وذلك بعد تعرّض موقعها للهجوم من جانب فصائل المعارضة". وبررت مليشيات "النمر" الحادثة بأنها "وقعت بالخطأ بسبب انسحاب المجموعة المفاجئ من دون إعطاء إنذار مسبق للمجموعات الخلفية". ويشكل عناصر التسويات مصدر قلق للنظام كونهم قاتلوه لسنوات عديدة ضمن صفوف المعارضة السورية، وهو ما دفعه إلى جعلهم وقود معاركه في شمال غربي سورية في مقابل فصائل المعارضة.

ويبدو أنّ قوات النظام والمليشيات التابعة لها، والتي عجزت عن إحداث اختراق في جبهات ريف حماة الشمالي، تحاول تشتيت قوى المعارضة المسلحة من خلال فتح جبهة جديدة في ريف إدلب الغربي، انطلاقاً من نقاط تمركزها في بلدة جورين الموالية التي تضم واحداً من أكبر معسكرات قوات النظام في الشمال الغربي من البلاد. كما عجزت هذه القوات عن إحداث اختراق في جبهة تل الكبانة في جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي على مدى أكثر من شهرين من القتال الضاري، ومن ثمّ فشلت محاولتها التقدّم باتجاه مدينة جسر الشغور شمال غربي مدينة إدلب والتي كان من شأنها تغيير معادلة الصراع برمته.

وبات من الواضح أنّ اتفاقاً لوقف إطلاق النار في شمال غربي سورية لا يزال بعيد المنال في المدى المنظور بين الروس والأتراك، على الرغم من انخفاض حدة التصعيد والاشتباكات في الآونة الأخيرة مقارنة بشهر مايو/ أيار الماضي، الذي شهد تصعيداً كبيراً كاد يؤدي إلى صدام بين الجيش التركي وقوات النظام التي استهدفت مرات عدة نقاط المراقبة العسكرية التركية في ريف حماة الشمالي. ومنذ بدء التصعيد في أواخر إبريل/ نيسان الماضي من قبل قوات النظام، تقدّمت الأخيرة في بلدات وقرى عدة، يصعب الدفاع عنها من قبل فصائل المعارضة التي حشدت قواتها في جبهات ريف حماة الشمالي، وفي جبهة تلة الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي، ما أدى إلى توقف قوات النظام عند حدود معينة، بل إنها تتعرض لحرب استنزاف كبيرة، ويقتل في كل يوم عناصر منها، وهو ما يدفع الشارع الموالي في الساحل السوري إلى الاحتقان.

ومن المتوقع أن تحاول قوات النظام إحداث خرق كبير خلال الشهر الحالي قبيل انعقاد الجولة المقبلة من مسار أستانة مطلع الشهر المقبل في العاصمة الكازاخية، في مسعى للحصول على اتفاق جديد يثبت خارطة السيطرة كما هي عليه. ويبدو أنّ الجانب التركي لا يزال يرفض طرحاً روسيا يدعو إلى وقف إطلاق النار بشرط بقاء قوات النظام في بلدات سيطرت عليها، وهي: مدينة قلعة المضيق، بلدة كفرنبودة، قرية الجنابرة، تل هواش، قرى الجابرية، التوبة، الشيخ إدريس، الكركات، المستريحة، التوينة، الشريعة، باب الطاقة، الحويز والحمرا. فيما سيطرت المعارضة المسلحة على قريتي الجبين وتل ملح، واللتين حاولت قوات النظام مراراً استرجاعهما ولكنها فشلت.

المساهمون