معارك الجنوب السوري والدور الأردني

03 ابريل 2015
الأردن يتدخل لإدارة المعارك في الجنوب السوري(خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
يكتسب تحرير معبر نصيب الحدودي، آخر معابر النظام السوري على الحدود الأردنية، على أيدي مجموعة من فصائل "صقور الجنوب" التابعة للمعارضة المسلحة، أهمية سياسية واقتصادية، فضلاً عن أنه يظهر دور الأردن في إدارة الدفة.

اقرأ أيضاً (المعارضة السورية تسيطر على كامل الحدود الجنوبية مع الأردن)

وجرى تحرير المعبر منذ أول من أمس إثر معركة مع قوات النظام السوري، أُطلق عليها "يا لثارات المعتقلين"، انتهت بالسيطرة عليه بشكل كامل وانسحاب قوات النظام باتجاه محافظة السويداء عبر الطريق الحربي.
وعلى الرغم من إغلاق الأردن للمعبر بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلّحة عليه، غير أنّ هذا الإغلاق يبدو شكلياً، وقد يستتبع إعادة فتحه خلال فترة قصيرة، إذ تؤكد مصادر مطلعة، فضّلت عدم نشر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن "إغلاق المعبر شكلي، وحتى إن كان جدّياً، سيكون بوجه المسافرين وليس البضائع والتجارة".

في المقابل، كان ردّ دمشق فوري على إغلاق السلطات الأردنية المعبر، إذ نقلت وكالة الأنباء السورية، (سانا)، عن مصدر في الخارجية السورية قوله إن دمشق تحمّل السلطات الأردنية مسؤولية تعطيل حركة مرور الشاحنات والركاب "وما يترتب على ذلك اقتصادياً واجتماعياً".
وبسقوط معبر نصيب، يخسر النظام السوري طريق إمداد له باتجاه درعا المحطة، حيث كان النظام يعتمد على الطريق الواصل من معبر نصيب باتجاه المربع الأمني في درعا المحطة، وتحديداً حيي الكاشف والقصور، لإمداد عناصره الموجودين هناك، فيما تخضع باقي أجزاء درعا المحطة لسيطرة الجيش الحر. وهذا التطور قد يمهّد لضرب مركز المدينة على أيدي الجيش الحر وتحريرها في خضمّ تحرير مراكز المدن الذي تشهده سورية خلال الفترة القصيرة الماضية وآخرها تحرير إدلب.

ولعلّ ما يثير الاهتمام أكثر هو سقوط المعبر بهذا الوقت بالذات، وخصوصاً أنه من المعروف أن المعبر محاصر منذ أكثر من عام وكان بالإمكان تحريره على أيدي فصائل المعارضة المسلحة بأي وقت. ومن يتتبّع خريطة المناطق التي تحررت خلال الفترة القليلة الماضية، سيجد أن معظمها مناطق حدودية، فآخر انتصار للمعارضة في الجنوب كان في "بصرى الشام"، التي تبعد عن الحدود الأردنية 5 كيلومترات، ليتبعه تحرير معبر نصيب الحدودي، مقابل معارك الشمال في إدلب وتأمين الحدود، ما يبدو في ظاهره خطوة أولى لتأمين حدود سورية مع بعض الدول كالأردن وتركيا. والأولى، تشهد أراضيها تدريب فصائل من المعارضة السورية، في حين تعيد تركيا إثارة قضية فرض المنطقة الآمنة على الحدود.

وإلى جانب الأهمية السياسية للتطورات الأخيرة، تدلّ المعارك في درعا والجنوب السوري، المحاذية للحدود الأردنية، على التدخل الأردني فيها لدوافع اقتصادية، تارة للسيطرة على الطريق الدولي السريع في درعا من قبل المعارضة لمنع قطعه، وتارة أخرى لتحرير معبر نصيب الحدودي، كما جرى أخيراً. أما الدوافع الأساسية وراء هذا التدخل، فهي اقتصادية.
وعلى ما يبدو، فإن النظام السوري تحسّس أهمية الجانب الاقتصادي في معارك الجنوب، وتحديداً بعد خسارته لمدينة بصرى الشام، حيث قام بنقل كل صوامع الحبوب الموجودة في مدينة إزرع إلى العاصمة دمشق، بحسب ما أكدته مصادر من المدينة لـ"العربي الجديد".

ولعلّ المحرك الاقتصادي ليس جديداً في إدارة معارك درعا والجنوب السوري، فمنذ أكثر من عام جرى تحرير مدينة نصيب، وكانت فصائل "الجيش الحرّ" على بعد كيلومترات من المعبر، ولكن جرى إيقاف المعركة بقرار دولي لعدم تعطيل حركة المعبر وما يستتبعه من تأثير اقتصادي على الأردن، بحسب ما أكّده مصدر من الفيلق الأول في درعا، لـ"العربي الجديد"، ليتبع ذلك، وتحديداً منذ 3 أشهر، تقدّم فصائل المعارضة على الطريق الدولي السريع لدرعا، والسيطرة على خمسة حواجز، أهمها حاجز أم المياذن.

وبحسب مصادر عسكرية من "جبهة النصرة"، فإن الأردن كان له دور كبير في هذا التحرك لعدم قطع الأوتستراد الدولي الواصل إليها، حيث تحركت تلك الفصائل بسرعة لمنع "جبهة النصرة" من السيطرة عليها، وبالتالي التحكم بالأوتستراد الدولي، فتقدّمت فصائل محددة لها بالتنسيق مع الجانب الأردني وسيطرت على الحواجز، وأبقت الأوتستراد الدولي مفتوحاً باتجاه الأردن.

ولعلّ حادثة تحرير "خربة غزالة"، في مايو/ أيار 2013، من أوضح الحوادث على التدخل الأردني في معارك الجنوب السوري بهدف اقتصادي، إذ سيطر المجلس العسكري بدرعا على قرية خربة غزالة لمدة 67 يوماً وقام بقطع الطريق الدولي السريع الواصل إلى الأردن، ما تسبب في أزمة اقتصادية للأردن، قام على أثرها رئيس المجلس العسكري، أحمد نعمة، وبشكل مفاجئ بسحب كل عناصره من خربة غزالة، في حين رفض قائد فرقة فلوجة حوران، ياسر العبود، (الذي اغتيل في ما بعد بظروف غامضة)، أوامر الانسحاب في ذلك الوقت. وتحت ضغط أحمد نعمة وقطع الذخيرة عن فصائل ياسر العبود، اضطر الأخير للانسحاب. خطوة فسّرتها مصادر عسكرية من درعا بأنها جاءت بالتنسيق بين أحمد نعمة والجانب الأردني للحفاظ على الأوتستراد الدولي والتجارة عبره. وربما كانت تلك من الأسباب لاختفاء أحمد النعمة بعدها، إذ جرى اختطافه على أيدي "جبهة النصرة"، بحسب شريط مصور بثته "النصرة"، ولا يزال مصيره إلى الآن مجهولاً.

ويُظهر تحرير المعبر أثر المحرك الاقتصادي في معارك الجنوب السوري ودور الأردن في إدارة الدفّة، إذ سبق تحرير المعبر قرار وزارة الزراعة الأردنية إيقاف صادراتها الزراعية إلى سورية، مبرّرة ذلك بـ"تراجع سعر صرف الليرة السورية والعجز في العملات الصعبة لدى الجانب السوري".
المساهمون