معارك الجبلين... ضربات موجعة تهدد النظام في الساحل السوري

02 يوليو 2016
هجوم المعارضة السورية على جبلي الأكراد والتركمان (علي حفاوي/الأناضول)
+ الخط -
حققت قوات المعارضة السورية تقدماً كبيراً في ريف اللاذقية الشمالي على الساحل السوري بغرب البلاد، خلال اليومين الماضيين، واستعادت جزءاً كبيراً من المواقع التي خسرتها في بداية العام الجاري إثر تقدم قوات النظام ومليشيات طائفية تساندها تحت غطاء ناري كثيف من الطيران الروسي.

وأعلنت غرفة عمليات "جيش الفتح" الذي يضم عدداً من أهم فصائل قوات المعارضة، ويخوض المعارك في الساحل السوري مع فصائل عدة تابعة للجيش السوري الحر، ليل الخميس-الجمعة، السيطرة على مواقع هامة في جبلي الأكراد والتركمان، في مقدمتها بلدة كنسبا الاستراتيجية، وهي المركز الإداري في جبل الأكراد، وتلة الشيخ يوسف، وقلعة شلف، وقرى عدة أخرى.
وأدّت المعارك إلى مقتل عدد من عناصر قوات النظام، في حين تمكنت قوات المعارضة السورية من اغتنام أسلحة ثقيلة من بينها دبابات تركتها القوات النظامية في أرض المعركة. 

وذكر ناشطون مرافقون لقوات المعارضة السورية أنها باتت على مشارف مدينة سلمى، أهم مدن ريف اللاذقية الشمالي، بعد تقهقر قوات النظام والمليشيات المتحالفة معه، وتراجعها إثر معارك وصفوها بـ"الشرسة" مع قوات المعارضة.

وكانت فصائل في المعارضة السورية أطلقت معركة "اليرموك"، منذ أيام، سيطرت خلالها على العديد من القرى والمواقع في جبلي الأكراد والتركمان المتجاورين على الساحل السوري الذي عادت جبهات القتال فيه للاشتعال مرة أخرى، بعد انتهاء الخلاف الروسي-التركي الذي نشب بين الطرفين على خلفية إسقاط الطيران التركي لطائرة روسية أواخر العام الماضي.

وكانت قوات النظام ومليشيات طائفية تقدمت في بداية الشهر الأول من العام الجاري تحت غطاء جوي كثيف من الطيران الروسي، وبمشاركة مباشرة من جنود وخبراء روس، واستطاعت إعادة السيطرة على مجمل جبلي الأكراد والتركمان اللذين كانا تحت سيطرة قوات المعارضة السورية.
وأكد أحد القادة الميدانيين في قوات المعارضة في معارك "اليرموك"، أبو علاء، أنه تم تحصين بلدة كنسبا بعد السيطرة عليها، إذ "بات من الصعوبة بمكان عودة قوات النظام إليها مرة أخرى"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" من أرض المعركة، إلى أن الاستعدادات جارية الآن لـ"تطوير الهجوم، والانتقال إلى المرحلة الثانية منه، وهي إعادة السيطرة على مدينة سلمى ومواقع أخرى في ريف اللاذقية الشمالي".
وأعرب القيادي المعارض نفسه عن اعتقاده أن هزيمة النظام أمام قوات المعارضة في سورية كلها وسقوطه "تبدأ من الساحل السوري، وليس من أماكن أخرى"، مضيفاً "معركة الساحل هي الأهم لأن نقل المعركة إلى أرض العدو يعني (إنجاز) 70 في المائة من (مهمة) النصر عليه، وهذا ما حدث من خلال معارك اليرموك، فنحن الآن نقاتل النظام على أراضيه".


ولفت أبو علاء إلى أنه بات بمقدور قوات المعارضة السورية، عقب السيطرة على كنسبا، استهداف مطار حميميم العسكري والقاعدة الروسية داخله، مشيراً إلى أن قصف الطيران الروسي لقوات المعارضة المهاجمة "لم يتوقف، وعلى الرغم من ذلك استطعنا تكبيد قوات النظام والمليشيات الطائفية هزائم متلاحقة، وإلحاق خسائر كبيرة في صفوفها". وأشار القائد الميداني إلى أن توحيد موقف فصائل المعارضة "والتنسيق عالي المستوى من خلال غرفة عمليات واحدة، مكّنها من تحقيق إنجازات مهمة"، مؤكداً أن قوات النظام منيت بخسائر "فادحة"، وموضحاً أنه تم رصد خلافات بين ضباط هذه القوات من خلال الاتصالات اللاسلكي، على خلفية الضربات الموجعة التي تلقتها من فصائل المعارضة. وأضاف المتحدث أن "معركة استعادة الساحل السوري لن تتوقف"، مشدداً على أن الروح المعنوية لقوات النظام والمليشيات المتحالفة معه في "حدودها الدنيا، وهذا ما يفسر انهيارها المتواصل أمام قوات المعارضة"، وفق القائد الميداني في هذه القوات.

ويعد الساحل السوري من أهم معاقل النظام في سورية. ويقول مراقبون إن النظام يسعى إلى إقامة "دويلة طائفية" في الساحل في حال لم يستطع الصمود في بقية الجغرافيا السورية أكثر، مدفوعاً بدعم روسي وإيراني لهذا المخطط الذي تحاول المعارضة الإطاحة به من خلال السيطرة على مواقع استراتيجية، والضغط على الحاضنة الاجتماعية للنظام لتفكيك النواة الصلبة التي تحول دون سقوطه.
وكانت وزارة الدفاع الروسية أنشأت قاعدة عسكرية لها في مطار حميميم العسكري في محافظة اللاذقية في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، تنطلق منها المقاتلات الروسية لقصف مدن وبلدات سورية منذ ذاك التاريخ، وقصف قوات المعارضة، ومساندة قوات النظام في المعارك في عموم مناطق القتال في البلاد.

ويرى المحلل العسكري، العقيد مصطفى بكور، أن أهمية الساحل السوري "تنبع من طبيعته الجغرافية، والسكانية"، مضيفاً أنها منطقة جبلية وتعد "مواقع حصينة لمن يسيطر عليها". كما يشير إلى أنها "خزان الشبيحة والضباط الرئيسيين الذين لا يزالون مع النظام، بعد الانشقاقات الكبيرة في جيش النظام، وبقي أغلب العناصر القيادية من الساحل وهذا يؤثر بشكل كبير على قرارات المؤسسة العسكرية، والأمنية لدى النظام". ويعتبر بكور "أن السيطرة على الساحل أو جزء منه من قبل فصائل في المعارضة السورية المسلحة تؤدي إلى إضعاف النظام، وتجعله يفقد قدراً كبيراً من الحاضنة الشعبية الطائفية التي تقدم أبناءها لحمايته من السقوط".

ووفقاً لبكور، تفتح السيطرة على هذه المنطقة "منفذاً على البحر للمعارضة، وهذا يعد تطوراً مهما من الناحية المعنوية". ويعتقد بكور أن استعادة المعارضة السورية لمواقعها في الساحل السوري "تعد ضربة في العمق لمخططات تقسيم سورية من خلال تشكيل دويلة ذات طابع طائفي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن سيطرة المعارضة على قسم كبير من الساحل تعني بطبيعة الحال أن الدولة العلوية المزعومة لن تولد، وإن ولدت فلن تعيش"، وفق قول بكور.

ويؤكد بكور أن تحقيق قوات المعارضة السورية لتقدم "سريع" على جبهات القتال في الساحل السوري، نتج عن عاملين أساسيين، أولهما يتمثل في "إعادة إحياء جيش الفتح ومكوناته التي لا تتلقى دعماً من جهات إقليمية ودولية، فضلاً عن كون هذا الجيش لا يلتزم بالقرارات الأميركية والخطوط الحمراء الموضوعة من قبل واشنطن". والعامل الثاني يتمثل في رغبة قوى غربية وإقليمية بالضغط على النظام لتقديم تنازلات من أجل عقد جولة جديدة من مفاوضات السلام في جنيف، وبحث الحل السلمي بشكل جدي، من أجل التفرغ لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وهو الأمر الذي سمح لجيش الفتح والفصائل المساندة له بالتقدم بقوة في الساحل ومناطق أخرى، بحسب بكور الذي يعرب عن اعتقاده بأن هذا التقدم "لن يستمر كثيرا"، مستشهداً بما حدث في العام الماضي في الساحل وحلب من "تلاعب القوى الدولية بمسار المعارك" في سورية.