معادلات عسكرية جديدة في سورية: من حماة إلى دمشق

24 مارس 2017
معارضون في معردس أول من أمس(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
استطاعت الفصائل السورية المسلحة التي تقاتل النظام السوري، عبر شنّها لهجوم واسع ومنسق في ريف حماة الشمالي، بالإضافة إلى المعركة المتواصلة في ريف دمشق، وضم حمص إلى الجبهات، فرض معادلات عسكرية جديدة في الميدان بانتظار ما قد تحمله المفاوضات السياسية التي تنطلق اليوم، الجمعة، رسمياً.
وتمكنت الفصائل من تشتيت قوات النظام السوري، ومنعها من إرسال مؤازرة من منطقة إلى أخرى، وذلك بهدف تخفيف الضغط على المعارضة في أماكن أخرى. وواصلت الفصائل السورية المسلحة عملياتها العسكرية في ريف حماة الشمالي، محققة المزيد من التقدم على حساب قوات النظام، ومقتربة أكثر من أهدافها الاستراتيجية ونقاط الثقل العسكري الرئيسية لقوات النظام السوري، والمتمثلة في مدينة حماة وجبل زين العابدين، بالإضافة إلى المطار العسكري في المدينة. وتزامن التقدم في ريف حماة، مع تواصل المعارك على جبهتي جوبر والقابون بدمشق، إذ تعمل الفصائل على تثبيت مواقعها التي سيطرت عليها، وصد محاولات قوات النظام لاستردادها. وفتحت قوات المعارضة جبهات أخرى ضد قوات النظام في حمص، بالإضافة إلى المعركة الرئيسية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في القلمون الشرقي، والتي تسجل فصولها الأخيرة، وذلك بهدف كسر الحصار عن الغوطة الشرقية من جهة البادية السورية.

وسجل يوم أمس، اشتباك الفصائل السورية المسلحة مع أولى النقاط القوية لقوات النظام، في قرية قمحانة في ريف حماة الشمالي، والتي تحولت خلال السنوات الماضية إلى معقل رئيسي لقوات النظام ومختلف أنواع المليشيات التي تقاتل معها. ووصل مقاتلو الفصائل إلى مشارف قرية قمحانة، وذلك بعد معارك وُصفت بالأعنف في محيطها. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن "السيطرة على القرية مهمّة للغاية، بسبب قربها من جبل زين العابدين. ومن شأن السيطرة عليها تسهيل عملية اقتحام الجبل الذي يعتبر القلعة الرئيسية لقوات النظام في تلك المنطقة". وحسب مصادر موالية، فإن قوات النظام تصدت لـ"هجوم عنيف تشنه المليشيات المسلحة على محور قمحانة في ريف حماة الشمالي، وسط اشتباكات عنيفة وقصف مدفعي مكثف يستهدف تحركات المسلحين". وأضافت أن "الجيش السوري يشن هجوماً على النقاط التي دخلتها المليشيات المسلحة في قرية كوكب، بالتزامن مع رمايات مدفعية وصاروخية تستهدف الخطوط الخلفية للمسلحين".

وحذر ناشطون من استسهال مسألة السيطرة على قمحانة، وأكدوا أنها ستكون نقطة دفاع قوية جداً، لأن جبل زين العابدين خلفها، وبالتالي فإنها خط الدفاع الأول عن حماة. وتكتسب قوتها أيضاً من سلسلة التضاريس المعقدة والوديان والهضاب المحيطة بها، ما يجعلها هامة جداً لقوات النظام. وتزامنت محاولات اقتحام قمحانة مع قيام "هيئة تحرير الشام" باقتحام تل عبادي، جنوب شرق معردس. ويبدو أن الفصائل، وبعد التقدّم السريع، بدأت توسّع من معاركها. وعمدت، أمس، إلى فتح جبهة جديدة مع قوات النظام على محور ريف حماة الشمالي الغربي والغربي. وقالت مصادر مطّلعة، لـ"العربي الجديد"، إن "حركة أحرار الشام" و"فيلق الشام" توليا الهجوم على القرى الغربية لحماة، لكن هذه المصادر أكّدت أن العمل على المحور الغربي لا زال خفيفاً مقارنة بالشمالي. وقال شهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن دخاناً كثيفاً تصاعد من داخل مطار حماة العسكري، بعد استهدافه بالصواريخ، للمرّة الثانية، أمس الخميس، وسط أنباء عن تدمير طائرة كانت على مدرّجه.


وكانت الفصائل المسلحة سيطرت على قريتي شليوط وكوكب في ريف حماة الشمالي، بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام أسفرت عن مقتل العديد من عناصر هذه القوات داخل القريتين، وعلى الحواجز العسكرية في محيطهما. كما سيطرت على قرية الإسكندرية وتل بزام الاستراتيجي الذي يطل على بلدة معان، ما يجعل هذه الفصائل على مشارف حماة، ويفصلها نحو كيلومترين فقط عن المدينة، بعد سيطرتها على مناطق واسعة شمالها، كبلدات معردس ومعرزاف وخطاب وأرزة وكفر عميم. وتمكنت قوات المعارضة من فرض طوق ناري على مدينة محردة، ذات الغالبية المسيحية، بريف حماة الشمالي. وقال نائب قائد "جيش النصر" المشارك في العمليات العسكرية، الرائد سامر العليوي، لـ"العربي الجديد"، إن جميع قوات المعارضة متفقة على عدم دخول بلدة محردة، بغية عدم تقديم مادة دعائية للنظام وروسيا ضد المعارضة، مع "إيماننا الراسخ بأن محردة، مثل كل المناطق السورية، عانت من ظلم النظام وهي تتوق للتخلص منه". وأشار إلى أنه تم تطويق البلدة من ثلاث جهات، مع ترك جهة الغرب، لتمكين الأهالي من التزود باحتياجاتهم من المواد الأساسية.

وحول أهداف المعارك في حماة، قال العليوي إن الهدف الأول هو تخفيف الضغط عن أهلنا في دمشق، لكن على الأرض فإننا نقوم بعملية عسكرية على مراحل، و"لن تتوقف حتى تحرير محافظة حماة وريفها بالكامل وصولاً إلى حمص". وأوضح أن من أهم أهداف العملية هو الوصول إلى مطار حماة العسكري "المسؤول عن الكثير من مآسي أهلنا في المناطق المحررة"، مشيراً إلى أن مقاتلي الفصائل باتوا على بعد 5 إلى 6 كيلومترات من المطار، واستطاعوا في بداية المعركة تدمير طائرتين على مدرجه. وأضاف أن "من الأهداف الأخرى الهامة جداً جبل زين العابدين، الذي تحول إلى ثكنة كبيرة لقوات النظام يقصف منها يومياً مجمل الريف الحموي"، مشيراً إلى أن سقوط الجبل يعني سقوط مدينة حماة نارياً. وبيّن العليوي أن العمليات العسكرية تتم عبر 4 محاور: الأول كوكب - تل بزام - معان، والثاني أرزة - الشيحة باتجاه المطار، والثالث من حلفايا باتجاه الشيحة - المجدل. أما المحور الرابع، والذي انطلق أمس الخميس، فهو باتجاه سهل الغاب - الطار الغربي بريديج وحيالين، مشيراً إلى أن "هيئة تحرير الشام" تتولى بشكل أساسي المحور الشرقي. وكشف أن الفصائل في ريف حمص الشمالي دخلت على خط المعركة، واستهدفت رتلاً لقوات النظام خلال توجهه لمؤازرة جبهات حماة.

وحول ما إذا كان قرار فتح المعركة جاء بقرار ذاتي من الفصائل، أم أن هناك رعاية خارجية لها، قال العليوي إن قرار فتح المعركة جاء بعد أن لمسنا عدم جدية روسيا والمجتمع الدولي في التعامل مع النظام وإلزامه بوقف إطلاق النار، وأنهم يعتمدون "المماطلة لكسب الوقت وتهجير أهالي المناطق المحررة، بينما لم يتم تنفيذ أي مطلب سياسي أو إنساني". وأضاف "نريد أن نثبت للعالم أنه لا يوجد نظام بل مليشيات". وأكد أن "فصائل المعارضة لم تتلق منذ ثلاثة أشهر طلقة واحدة من الخارج، وأنها تعمل بجهودها الذاتية وما تغنمه من قوات النظام". وقال ناشطون، أمس، إن المعارضة غنمت، خلال المعارك في اليومين الماضيين في ريف حماة، 13 دبابة، ودمرت 7 أخرى. وعما إذا كان ذلك يعني نهاية المسار السياسي في جنيف وأستانة، أوضح العليوي أن المعارضة مستمرة في المسارين معاً، لكنها على قناعة تامة بأن المسار السياسي لن يستقيم إذا لم يتم تحقيق إنجازات هامة على المسار العسكري، مؤكداً أن المعركة اليوم تختلف عن سابقاتها من ناحية حسن التخطيط والإدارة والتنسيق والإرادة القوية. من جانبها، ردت قوات النظام على هجمات قوات المعارضة باستهداف بلدات ريف حماة الشمالي وإدلب براجمات الصواريخ، تزامناً مع حركة كثيفة للطيران الحربي الروسي الذي استهدف بلدات ومدناً في ريفي حماة وإدلب بعشرات الغارات الجوية، فضلاً عن استهداف جبهات القتال. وارتكب الطيران الحربي الروسي مجزرة بحق عائلة نازحة على الطريق الواصل بين حلفايا والمجدل بريف حماة الشمالي، عبر استهدافه الطرق العامة التي تتحرك عبرها العائلات الهاربة من القصف، فيما سقط ستة قتلى من المدنيين جراء استهداف الطائرات الروسية مدينتي حلفايا وكفر زيتا.

وفي دمشق، تتواصل المعارك بين الفصائل المقاتلة وقوات النظام التي تحاول استرجاع ما خسرته خلال الأيام الماضية، خصوصاً كراج العباسيين الذي يربط العاصمة ببقية المحافظات، والمنطقة الصناعية بين حيي جوبر والقابون. وأعلنت حركة "أحرار الشام" تدمير دبابة "تي 72" على أوتوستراد العدوي، شرقي دمشق، خلال محاولة قوات النظام التقدم على محور المنطقة الصناعية، بعد استقدامها تعزيزات تضم العشرات من عناصر المليشيات إلى عقدة "سيرونيكس". وواصلت الفصائل قطع أوتوستراد العدوي نارياً، فيما فشلت قوات النظام بإحراز أي تقدم على جبهات معامل الغزل والنسيج وكراش والخماسية. وقال شهود عيان في العاصمة دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات النظام أعادت استخدام بعض ثكناتها الأمنية في منطقة كفر سوسة، الأمر الذي أضاف عاملاً آخر للتوتر الذي تشهده الحياة العامة بدمشق". وفي القلمون الشرقي، أعلنت الفصائل، فجر أمس، انطلاق المرحلة الثانية من معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد"، بهدف فك الحصار عن القلمون الشرقي بعد طرد "داعش" من المنطقة ووصل البادية الشامية بالقلمون. وذكر "جيش الإسلام"، على صفحته على "تويتر"، أن المرحلة الثانية من المعركة تأتي بعد أن سيطرت الفصائل، الأربعاء، على مفرق المحسا وأوتوستراد أبو الشامات في البادية السورية، بالإضافة إلى نقطة "بئر الزبيدي"، والسيطرة نارياً على مناطق المنقورة وثنية حيط وثنية راشد الواقعة بين القلمون الشرقي وبادية تدمر. ويشارك في المعركة كل من "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" و"فيلق الرحمن" وقوات أحمد العبدو و"أسود الشرقية" وغيرها من الفصائل.