ليس من النادر أن يلجأ الفقراء والمعوزون، من أبناء الجالية العربية، وغيرهم من المهاجرين، إلى المساجد، لتناول الطعام وحمل الخبز وعلب الحليب والتمور، فالمحسنون، أحياناً، ولجان المساجد، كذلك، يشرفون على هذه العمليات الخيرية والضرورية، في ظلّ وجود آلاف من المعوزين، ومن لم يجد عملاً بعد.
لكن ما يثير الانتباه، فعلاً، في حيّ باربيس، في المقاطعة الثامنة عشرة، تحديداً في شارع شاربونيير، مطعم شعبي صغير، يعرض الطعام مجاناً على من لا يملك ثمنه، بل يقترح، أيضاً، على الفقير حمل الطعام إلى عائلته.
تقول ورقة مثبتة على زجاج باب المطعم: "أخي العزيز، إذا لم يكن لديك مال، فلا تستحِ ولا تترك عائلتك بلا أكل. تفضل، وخذ ما تحتاجه لأبنائك، فرزقي ورزقك على الله". وبالفعل الحركة كبيرة في هذا المطعم الصغير، فالزبائن موجودون، طوال النهار، ومن بينهم من يأتي ليتناول الطعام، مجاناً، وبصفة سرية، حتى لا يشعر بالإحراج أمام الملأ.
ولأنّه عمل خيري التقت "العربي الجديد"، المسؤول عن هذا المطعم، فيصل، الذي يديره إلى جانب أخيه الأصغر، وهما من عنابة، الجزائرية. ويقيم فيصل في فرنسا منذ أكثر من عشر سنوات. يقول فيصل: "أطلقنا هذه المبادرة منذ نحو ستة أشهر، وكانت الفكرة الأولى أن نكرس يوم الجمعة يوماً مجانياً للجميع، ثم حسم أخي الأمر باستبدالها بفكرة اللافتة، حتى يتسنى لكلّ جائع أن يأتي ليأكل، كلّ يوم". يتذكر فيصل سنوات عانى فيها من ظروف الهجرة ومن قلة ذات اليد: "كنت لبعض الوقت في إيطاليا، وكان أخي الأصغر يساعدني مالياً، لكنّي كنتُ أقدّر كثيراً مبادرة أحدهم بتقديم الطعام إليّ".
اللافت أنّ أخاً آخَر لفيصل يمتلك مقهى في عنابة، يفعل الشيء نفسه مع المحتاجين والمعوزين. وبخصوص هذا الإعلان المثبت على زجاج المطعم، يعترف فيصل بأنّه لم يكن سهلاً: "في البدء اعترضت على قرار أخي، لما قد يحمل من رياء"، ويضيف: "أصدقك القول، فحين أصلّي أطلب، ساجداً، من الله أن يُبعد عملنا عن الرياء". وحتى لا يشعر أحدٌ من هؤلاء المعوزين بالحرج، يعترف فيصل بأنّه متفق مع عماله ومساعديه على تمرير الأمور بشكل لا يتفطن له أحدٌ: "حين أطلب من الطباخ: أعطني طبقاً... فهو يفهم، تلقائياً، ولا أحد غيرنا يعرف هذه الشيفرة".
أما عن عدد المعوزين الذين يستقبلهم المطعم، فيقول: "لا رقم محدداً. ولكلّ يوم بركته. ما أفعله يسهل الأمر على كلّ من يتناوب على العمل، هنا. فلا أحد يحدّث الآخر عن تقديم الطعام لهؤلاء". واللافت أنّ الزبائن أيضاً يمكن أن يدعوا إلى المطعم أشخاصاً معوزين لتقديم الطعام لهم. ونسأله عن حالة عشرات القاصرين المغاربة، الذين يستوطنون هذا الحيّ، منذ أكثر من سنة، وهل يحظون بالمساعدة؟ فيجيب فيصل: "هؤلاء القاصرون يأتون ويدفعون، فلديهم أموالهم، لكنّنا نساعد بعضاً منهم حين يكونوا مفلسين".
ولأنّ فيصل وفيّ للمقولة الشهيرة "لا يعرف الشوق إلاّ مَن يكابده" فهو ينظر بعين رحيمة إلى من لا يملكون أوراق إقامة، وبالتالي يصعب عليهم العمل: "هؤلاء يحتاجون إلى المساعدة، قبل غيرهم، وبشكل لا يجرح كبرياءهم". يتذكر فيصل سنواته العشر الصعبة في باريس، قبل أن يفتح الله عليه بهذا المشروع، مع أخيه الأصغر، وهو ما يجعله، كما يعترف: "لا أقيم وزناً لهذه الدنيا... يكفيني منها القليل".
اقــرأ أيضاً
الإعلان على زجاج باب المطعم لا يسرّ الجميع، ويقول فيصل إنّ "بعض أصحاب المطاعم المجاورة يعتبرونه طريقة لجلب الزبائن، ليس إلاّ. لكنّها ليست الحقيقة. نحن فكّرنا في طريقة لشكر الله تعالى على ما أولانا من نِعَمه، فوجدنا هذه الطريقة مُيسَّرَة. وصدقني، حين لا يأتي فقراء إلى مطعمي أحسّ بقلق وحزن، وأعتبر يومي ناقصاً".
ولدعم أفكاره وقناعاته، يحكي فيصل قصة: "أناس أتوا إلى إمام وقالوا له: لقد أصبح الرغيف بدينار، فأجابهم: لو أصبحت حبة قمح بدينار، أعبُدُه كما أمرني وهو يرزقني كما وعدني". الحديث مع فيصل طريف، وهو لا يتوقف عن تذكّر بعض هؤلاء الفقراء، فالغربة والبعد عن الوطن، يجعلان مساعدة الآخر أكثر إلحاحاً، وربما أكثر بركة. وبين تلبية طلب زبون وآخر يعود إلينا ليكمل الحديث، ويعاود ذكر الله، كي يجعلَ ما يفعله يدخل في "باب صدَقة الجهر". فكيف يرى المقبل من أيامه؟ يجيب، بسرعة: "والله، لو يتسنى لي حفر آبار في أفريقيا لمسلميها وغيرهم لفعلت".
وبينما نهمّ بالخروج من المطعم، كان شخصان، ربما يمران في هذا الشارع، وأمام هذا المطعم، للمرة الأولى، يتأملان الإعلان، ويتساءلان عن مدى مصداقيته.
لكن ما يثير الانتباه، فعلاً، في حيّ باربيس، في المقاطعة الثامنة عشرة، تحديداً في شارع شاربونيير، مطعم شعبي صغير، يعرض الطعام مجاناً على من لا يملك ثمنه، بل يقترح، أيضاً، على الفقير حمل الطعام إلى عائلته.
تقول ورقة مثبتة على زجاج باب المطعم: "أخي العزيز، إذا لم يكن لديك مال، فلا تستحِ ولا تترك عائلتك بلا أكل. تفضل، وخذ ما تحتاجه لأبنائك، فرزقي ورزقك على الله". وبالفعل الحركة كبيرة في هذا المطعم الصغير، فالزبائن موجودون، طوال النهار، ومن بينهم من يأتي ليتناول الطعام، مجاناً، وبصفة سرية، حتى لا يشعر بالإحراج أمام الملأ.
ولأنّه عمل خيري التقت "العربي الجديد"، المسؤول عن هذا المطعم، فيصل، الذي يديره إلى جانب أخيه الأصغر، وهما من عنابة، الجزائرية. ويقيم فيصل في فرنسا منذ أكثر من عشر سنوات. يقول فيصل: "أطلقنا هذه المبادرة منذ نحو ستة أشهر، وكانت الفكرة الأولى أن نكرس يوم الجمعة يوماً مجانياً للجميع، ثم حسم أخي الأمر باستبدالها بفكرة اللافتة، حتى يتسنى لكلّ جائع أن يأتي ليأكل، كلّ يوم". يتذكر فيصل سنوات عانى فيها من ظروف الهجرة ومن قلة ذات اليد: "كنت لبعض الوقت في إيطاليا، وكان أخي الأصغر يساعدني مالياً، لكنّي كنتُ أقدّر كثيراً مبادرة أحدهم بتقديم الطعام إليّ".
اللافت أنّ أخاً آخَر لفيصل يمتلك مقهى في عنابة، يفعل الشيء نفسه مع المحتاجين والمعوزين. وبخصوص هذا الإعلان المثبت على زجاج المطعم، يعترف فيصل بأنّه لم يكن سهلاً: "في البدء اعترضت على قرار أخي، لما قد يحمل من رياء"، ويضيف: "أصدقك القول، فحين أصلّي أطلب، ساجداً، من الله أن يُبعد عملنا عن الرياء". وحتى لا يشعر أحدٌ من هؤلاء المعوزين بالحرج، يعترف فيصل بأنّه متفق مع عماله ومساعديه على تمرير الأمور بشكل لا يتفطن له أحدٌ: "حين أطلب من الطباخ: أعطني طبقاً... فهو يفهم، تلقائياً، ولا أحد غيرنا يعرف هذه الشيفرة".
أما عن عدد المعوزين الذين يستقبلهم المطعم، فيقول: "لا رقم محدداً. ولكلّ يوم بركته. ما أفعله يسهل الأمر على كلّ من يتناوب على العمل، هنا. فلا أحد يحدّث الآخر عن تقديم الطعام لهؤلاء". واللافت أنّ الزبائن أيضاً يمكن أن يدعوا إلى المطعم أشخاصاً معوزين لتقديم الطعام لهم. ونسأله عن حالة عشرات القاصرين المغاربة، الذين يستوطنون هذا الحيّ، منذ أكثر من سنة، وهل يحظون بالمساعدة؟ فيجيب فيصل: "هؤلاء القاصرون يأتون ويدفعون، فلديهم أموالهم، لكنّنا نساعد بعضاً منهم حين يكونوا مفلسين".
ولأنّ فيصل وفيّ للمقولة الشهيرة "لا يعرف الشوق إلاّ مَن يكابده" فهو ينظر بعين رحيمة إلى من لا يملكون أوراق إقامة، وبالتالي يصعب عليهم العمل: "هؤلاء يحتاجون إلى المساعدة، قبل غيرهم، وبشكل لا يجرح كبرياءهم". يتذكر فيصل سنواته العشر الصعبة في باريس، قبل أن يفتح الله عليه بهذا المشروع، مع أخيه الأصغر، وهو ما يجعله، كما يعترف: "لا أقيم وزناً لهذه الدنيا... يكفيني منها القليل".
ولدعم أفكاره وقناعاته، يحكي فيصل قصة: "أناس أتوا إلى إمام وقالوا له: لقد أصبح الرغيف بدينار، فأجابهم: لو أصبحت حبة قمح بدينار، أعبُدُه كما أمرني وهو يرزقني كما وعدني". الحديث مع فيصل طريف، وهو لا يتوقف عن تذكّر بعض هؤلاء الفقراء، فالغربة والبعد عن الوطن، يجعلان مساعدة الآخر أكثر إلحاحاً، وربما أكثر بركة. وبين تلبية طلب زبون وآخر يعود إلينا ليكمل الحديث، ويعاود ذكر الله، كي يجعلَ ما يفعله يدخل في "باب صدَقة الجهر". فكيف يرى المقبل من أيامه؟ يجيب، بسرعة: "والله، لو يتسنى لي حفر آبار في أفريقيا لمسلميها وغيرهم لفعلت".
وبينما نهمّ بالخروج من المطعم، كان شخصان، ربما يمران في هذا الشارع، وأمام هذا المطعم، للمرة الأولى، يتأملان الإعلان، ويتساءلان عن مدى مصداقيته.