تفرض إسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000 حصارا متعدد الأشكال على قطاع غزة، وزادت وطأته بعد عام 2007، ومن الأساليب الإسرائيلية لعزل الغزيين عن محيطهم كان تعمد تدمير مطار غزة الدولي بقصفه بشكل متكرر أعوام 2001 و2002 و2006، ومنذ ذلك الوقت بقي الغزّيون يعيشون تحت وطأة الحصار الذي يتحكم بتحركاتهم وتنقلاتهم، ناهيك عن إغلاقات المعابر وإجراءات السفر المعقدة والمذلة عبر معبر رفح البري باتجاه مصر.
لكن حلم إعادة تشغيل المطار لا يزال يراود الفلسطينيين، وهذه الأحلام، طوعها ثلاثة طلاب فلسطينيين أخيراً، في مشروع تخرجهم من تخصص هندسة المباني في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في مدينة غزة. يوسف العبسي وإسماعيل أبو جزر وأحمد الخطيب، جميعهم عملوا على إنجاز تصميم حديث لمطار، يقال إنه من الممكن أن يكون بديلاً عن الذي دمّره الاحتلال ولم يُعَد ترميمه حتى اللحظة.
ولأن الطلاب الثلاثة لم يحظوا بفرصة السفر في حياتهم حتى الآن، كما الكثير من الفلسطينيين الذين يواجهون صعوبات في الحصول على تأشيرات سفر للمرور عبر معبر رفح البري الذي بات منفذهم الوحيد إلى العالم، والذي تسيطر عليه السلطات المصرية وتتحكم في حركة الغزّيين وتُغلقه على مدار العام، رأوا من خلال مشروعهم أن مطار غزة بات حاجة ملحة لإنهاء معاناة أكثر من مليوني مواطن.
وعن تفاصيل مشروع التخرج، يقول العبسي (23 عاماً) لـ"العربي الجديد": "اخترنا منطقة المواصي التي تقع جنوب غربي القطاع، والمجاورة لمصر من الجهة الجنوبية، حيث تقدر مساحتها بأربعة آلاف دونم، بينما أرض مشروع مطار غزة الذي قمنا بتصميمه تشغل مساحة 2200 دونم".
ويضيف الطالب الفلسطيني: "مشروع المطار ضم عدة مبانٍ، منها مسجد ومبنى ركاب وفندق ومركز للدفاع المدني ومحطة توليد كهرباء خاصة، إضافة إلى مبنى لكبار الزوار ومكان للتنزيل والتحميل عبر الطائرة"، مؤكداً على أن الهدف من الفكرة هو "الدلالة على شيء من السيادة الفلسطينية، والمطار الخاص يعبر عن ذلك".
ويؤكد العبسي أن "مطار غزة، كمشروع تخرج تم تصميمه، يعد قابلاً للتنفيذ وليس شيئاً خيالياً"، وما رسخ فكرة تنفيذه لديهم، الوعود المختلفة بإعادة ترميم المطار الذي دمره الاحتلال والتي لم تطبق على أرض الواقع، مضيفاً: "احنا ولا حد فينا بحياته طلع برا غزة أو جرب السفر أو شاف مطارات وآلية عملها، كنا نشوف بس عبر يوتيوب".
ومع بداية السلطة الفلسطينية، افتتح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مطار غزة الدولي الذي تم إنشاؤه في عام 1998، بوجود الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، بيل كلينتون، ولم يستمر عمل المطار سوى ثلاث سنوات من إنشائه، وقد تنقل عبره آلاف الفلسطينيين، قبل أن يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تدميره.
وتوقف المطار عن العمل في ديسمبر/كانون الأول 2001، بعد أن ألحق الجيش الإسرائيلي به دماراً فادحاً ودمر محطة الرادار والمدرج، من دون أن تتعرض ساحة المطار لدمارٍ بالغ، فيما قامت إسرائيل بتمزيق المدرج إلى أجزاء في يناير/كانون الثاني 2002، وخلال حرب لبنان صيف 2006، عاد الاحتلال وقصف المبنى الأساسي في المطار.
ورغم تقدم السلطة الفلسطينية بدعوى من خلال جامعة الدول العربية ضد إسرائيل لمنظمة الطيران المدني الدولي، مُدينةً فيها إسرائيل لقصفها مطاراً يستخدم للملاحة المدنية، قبل أن يتم إلزام الاحتلال بإعادة المطار لما كان عليه قبل قصفه، لكن القرار لم يدخل حيز التنفيذ.
ومع سنوات الحصار الإسرائيلي المطبق على غزة للعام الثاني عشر على التوالي، تظل مسألة السفر والتنقل لدى الفلسطينيين حاجة ملحة لأكثر من مليوني مواطن يحلمون بحركة التنقل من وإلى قطاع غزة، خاصة مع بقاء السلطات المصرية قابضة على الغزيين من خلال تحكمها بعملية فتح وإغلاق معبر رفح كمنفذ بري وحيد للفلسطينيين أمام العالم.
ويعاني الفلسطينيون بكل فئاتهم، ومنهم المرضى والحالات الإنسانية والطلاب من إغلاق معبر رفح في غالب الأحيان وعدم السماح لهم بالسفر، في وقت تقوم به السلطات المصرية بفتح المعبر استثنائياً في أيام معدودة، وخلالها لا يسمح بالسفر سوى للقليل من الفلسطينيين ووسط إجراءات مشددة ومعقدة.
ومؤخراً، عمدت السلطات المصرية إلى فتح معبر رفح طيلة أيام شهر رمضان الماضي، قبل أن تعلن تمديده لاحقاً، ثم عادت بقرار إغلاقه فجأة من دون إعلان الأسباب في أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، قبل أن تعاود فتحه مجدداً أمام حركة الفلسطينيين والعالقين.