اعتقل فادي محمد درويش، وهو من قرية تل التوت في مدينة السلمية، على يد أشخاص من آل الحاج من محطة الوقود التي يعمل فيها، وسلّم إلى فرع الاستخبارات الجوية في محافظة حماة. وبعد تعرضه للتعذيب الشديد، نقل إلى سجن حماة المركزي.
مر بعض الوقت قبل اعتقال كل أفراد عائلته، وهم والده محمد درويش (59 عاماً)، ووالدته فاطمة عيسى الحلاق (59 عاماً)، وشقيقه الأكبر علي محمد درويش (31 عاماً) وهو أب لطفلين، من جهة مجهولة، بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني عام 2014. ولا معلومات عنهم منذ ذلك الوقت.
يرجح صديق فادي، الذي تحدث لـ "العربي الجديد"، أن يكون سبب خطفه شجار وقع بينه وبين عامل آخر في محطة الوقود ذاتها، مقرب من عناصر الدفاع الوطني التابع للنظام، مما أدى إلى اختفائه وعائلته.
قصصٌ كثيرة مشابهة تتكرر يومياً في مدينة السلمية الواقعة في ريف حماة الشرقي، إذ تعاني المدينة من فوضى أمنية كبيرة. كل فئة ترغب في بسط نفوذها والقيام بأعمال النهب والسرقة. حتى إن الحديث عن حالات الخطف في السلمية بات جزءاً طبيعياً من حياة السكان.
أسباب الخطف كثيرة، منها طلب فدية. إلا أن عدداً من المخطوفين عادوا إلى ذويهم جثثاً هامدة، إذ إن الجهات المقاتلة في سباق مع بعضها بعضاً للسيطرة على المدينة. وفي بعض الأحيان، تخطف مجموعات شخصاً من عائلة تنتمي إلى مجموعة أخرى بهدف إضعافها.
في السياق ذاته، تقول الناشطة المدنية، دانا معلوف، وهي من السلمية، لـ "العربي الجديد": "نوثق كل أسبوع خطف واعتقال شخص إلى ثلاثة أشخاص، بهدف طلب فدية مالية أو نتيجة مشاكل عائلية".
دائماً ما يستيقظ أهالي مدينة السلمية على خبر خطف مدنيين. كان آخرها خطف المطرب الحلبي مصطفى هلال. وحتى المؤيدين للنظام، يتعرضون لمضايقات على الحواجز التابعة له.
في السياق ذاته، يقول صحافي في المدينة، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "الخاطفين معروفون لدى الأهالي، خصوصاً اللجان الشعبية في المدينة، أشهرهم آل سلامة (تجمعهم صلة قرابة مع رئيس فرع الاستخبارات الجوية في حلب أديب سلامة)، ويسيطرون على حاجز المليون القريب من قرية خنيفس (بين السلمية وحمص)". يضيف: "يضايقون الناس ويعتقلونهم لأسباب مادية".
اقرأ أيضاً: من موتٍ إلى موت
في إحدى المرات، خطف قاسم حمود في وضح النهار، وهو ذاهب إلى عمله. طُلب من والده فدية مالية، إلا أنهم قتلوه وأعادوه إليه جثة هامدة.
ويقول إسماعيل، الذي يملك محلاً في المدينة، لـ"العربي الجديد"، إن "الخاطفين في السلمية وقحون لدرجة كبيرة، حتى إن السيارات المسؤولة عن هذه الأعمال معروفة لدى الأهالي، إلا أن سلطتهم أعلى بكثير من سلطة الدولة". يضيف أن "الأهالي ينتمون في غالبيتهم إلى الطائفة الإسماعيلية، ويعتبرهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتمركز في الريف الشرقي للمدينة كفاراً يجب قتلهم".
إلى ذلك، توضح أمل العلي، وهي من "اتحاد ثوار السلمية"، أن "الجهات المسيطرة على المدينة، والمسؤولة عن عمليات الخطف والتسليح، هي مركز الدفاع الوطني بقيادة فاضل وردة، الذي تحول إلى بديل من الجيش في المدينة. وفاضل وردة (عضو في مجلس الشعب) ولديه سرايا عدة بقيادة وائل جاكيش ومنذر المير وحسين وردة والنقيب علي خلوف، بالإضافة إلى اللواء 47 (بقيادة ضباط إيرانيين)، ومفرزة الجوية، ويصل عدد عناصرها إلى نحو 250 عنصراً مسؤولين عن حماية أوتوستراد الرقة وحاجز المجبل وحاجز وادي العزيب، بالإضافة إلى كتيبة صقور الصحراء، وهم مرتزقة ومافيات كانوا مطلوبين قبل الثورة لدى النظام وتركيا، وعادة ما يخطفون أشخاصاً من السلمية والقرى المجاورة".
في المدينة، يتباهى الجميع بحمل السلاح. وكل شخص يقرر التطوع لدى جهة يحصل على السلاح، ليستخدم بشكل عشوائي بهدف النهب والقتل على الحواجز.
في المقابل، يقول الصحافي إن "أهالي السلمية المدنيين لا يحملون السلاح، الذي ينتشر بصورة خاصة بين أيدي الشبيحة والجهات المقاتلة الأخرى، الذين لا يتوانون عن سرقة الأهالي ونهب بيوتهم مهددين إياهم بالسلاح". يضيف أنه "عرف بعض المتورطين بهذه الأعمال، واعتقلوا إلا أنه أطلق سراحهم بعد أيام. أيضاً، يعمد هؤلاء على الاستعراض بالسلاح بشكل كثيف في المناسبات، مثل تشييع قتلى الجيش في المعارك، أو في حال حدوث مشاكل في ما بينهم".
من جهتها، تحكي الناشطة دانيا عن انتشار خبر وفاة فتاة انتحاراً، ليتبين، في وقت لاحق، أن ابن عمها قتلها بسبب خلاف بينه وبين شقيقها. تضيف أنه "لدى الجميع مبرراته. يقول بعضهم، إنهم يحملون السلاح لحماية المدينة من داعش. كما أنه لدى كل من مركز الدفاع الوطني، وصقور الصحراء، واللواء 47، مفرزة تسليح التي تتولى مهمة تسليح المتطوعين".
وبسبب الأوضاع الأمنية هذه وانتشار السلاح، تظاهر نحو 70 شخصاً، أخيراً، ضد الفلتان الأمني الذي تعيشه المدينة، مطالبين بمنع التجول بالسلاح في أحياء المدينة، بالإضافة إلى إنهاء حوادث الخطف ومحاسبة المسؤولين، وخصوصاً من عائلة "آل سلامة".
وعادة ما يبرر الدفاع الوطني وجوده وصرامته بالتصدي لاحتمال دخول "داعش"، لافتين إلى أن هدفهم هو حماية المدنيين. في السياق نفسه، تؤكد دانيا أن "داعش هو التهديد الأكبر من وجهة نظر معظم أهالي المدينة، وذلك في حال تقدمت وحاصرت المدينة. أما في حال بقيت داعش خلف سواترها الترابية، فيكون التهديد من النظام، الذي يعتقل ويقتل ويهجر شباب هذه المدينة"، لافتة إلى أن "داعش هو ذريعة النظام للتنكيل بالأهالي".
تجدر الإشارة إلى أن السلمية هي ثالث مدينة شهدت تظاهرات سلمية بعد مدينتي درعا وبانياس. وقد اعتقل المئات من أبنائها وما زال مصير بعضهم مجهولاً حتى اليوم. أيضاً، خطف "داعش" نحو مائة عائلة من من قرية المبعوجة، جلهم من النساء، وما زال مصيرهم مجهولاً أيضاً.
اقرأ أيضاً: السوريون يبتدعون أساليب بقائهم