مصير غامض للصيرفة الإسلامية في الجزائر رغم السماح الحكومي

29 يناير 2019
صعوبات أمام انتشار الصيرفة الإسلامية (فرانس برس)
+ الخط -

 

دخلت أنشطة الصيرفة الإسلامية في الجزائر حيز الخدمة مع بداية السنة الحالية، بعد سنوات طويلة من تردد السلطات الجزائرية في السماح بهذا النوع من الخدمات البنكية، الذي كان مقتصراً على بنكين يشتغلان "خارج القانون" الجزائري، الذي أطر عمل البنوك التجارية، إلى حين تعديل القانون في موازنة 2019 التي دخلت حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني الحالي.

ووفق التعديل الذي أدخله بنك الجزائر المركزي، فإن إطلاق منتجات الصيرفة الإسلامية في السوق فعلياً من قبل البنوك والمؤسسات المالية يقتضي الحصول على موافقة السلطات النقدية مسبقاً على الخدمة البنكية المطروحة، دون أن يحدد معالم الصيرفة الإسلامية بشكل واضح.

ويرى الخبير المالي نبيل جمعة أن "البنك المركزي الجزائري" ترك لنفسه حرية التحرك، فهو من يقرر ويحدد ماهية الصيرفة الإسلامية، دون أن يكشف عن التفاصيل، واكتفى بربط إطلاق المنتجات البنكية على الطريقة الإسلامية بموافقة مسبقة منه".

وأضاف جمعة لـ "العربي الجديد"، أن "الصورة لا تزال غير واضحة، وكأن الحكومة لا تزال مترددة في إطلاق الصيرفة الإسلامية".

وكانت الحكومة اتجهت لدعم الصيرفة الإسلامية والسماح للبنوك التقليدية بالعمل فيها بهدف مواجهة مشكلة السيولة التي خلفتها الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد منذ العام 2014. وتوجد بالجزائر 29 مؤسسة بنكية، منها 7 بنوك عمومية (حكومية)، وأكثر من 20 بنكاً أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية وواحد بريطاني.

واقتصرت الصيرفة الإسلامية في البنوك المعتمدة في الجزائر على بنوك أجنبية (خليجية) بالدرجة الأولى، على غرار فرع الجزائر لمجموعة "البركة" البحرينية، وفرع "بنك الخليج الجزائر"، كويتي، وبنك السلام الإماراتي.

وتمثلت أنشطة خدمات الصيرفة الإسلامية السابقة في تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثات وتجهيزات)، فضلاً عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة.

وسمحت الحكومة لثلاثة بنوك عمومية بفتح شبابيك (نوافذ) إسلامية بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني العام 2017، وهي بنك "القرض الشعبي الوطني" وبنك "الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط" و"بنك التنمية المحلية".

ومنذ تأسيس أول بنك إسلامي بالجزائر (بنك البركة) سنة 1990، والبنوك الإسلامية تواجه عقبات حالت دون انتشارها، لاسيما في ظل افتقارها إلى نظام تشريعي وتنظيمي يرسم معالم الصيرفة الإسلامية في الدولة.

وقال أحمد هوامي الخبير المالي ومستشار أحد البنوك الإسلامية الناشطة في الجزائر، إن"جذور الخلل والامتناع عن إنشاء بنوك إسلامية تعود إلى سنة إنشاء البنك المركزي الجزائري عام 1962، وإقرار قانون القرض والنقد (قانون ينظم عمل المصارف)، تحت الإدارة الفرنسية".

وأضاف هوامي لـ "العربي الجديد"، أن " القوانين الجزائرية المعمول بها في هذا الشأن مستنسخة من النظام المصرفي الفرنسي، الذي تغيّر في عهد وزيرة المالية والشؤون الاقتصادية الفرنسية السابقة كريستين لاغارد، إذ سمح بإنشاء بنوك إسلامية، لكنه لم يتغيّر في الجزائر".

وكشف الخبير الجزائري، أن "البنوك الإسلامية المعتمدة في الجزائر تقدم خدمات إسلامية لا يتحدث عنها قانون القرض والنقد المنظم لعمل البنوك، ويمكن القول، إنها تعمل خارج القانون لكن بموافقة الحكومة".

وتابع، بأنه لا بد من تنظيم السوق البنكية أكثر، لأن "حالة الفوضى والغموض ستؤثر على عمل البنوك ولا تعالج المشكل من جذوره وهو غياب الثقة عموماً بين المواطن والبنوك".

وتبقى علامة استفهام واحدة مطروحة وتنتظر إجابة البنك المركزي الجزائري عليها، وتتعلق أساساً بالجانب الشرعي والفقهي في تعريف الصيرفة الإسلامية، حيث لم يكشف البنك عن الجهة التي ستدرس الخدمات المطروحة من الجانب الشرعي، والجهة التي سيعتمد عليها المركزي الجزائري في تحديد الفتوى المناسبة .

وقال فرحات علي الخبير الاقتصادي، إن " البنك المركزي لم ينشئ بعد هيئة للرقابة الشرعية تراقب أعمال خدمات الصيرفة الإسلامية المقدمة، ومدى التزام البنوك بالضوابط الشرعية، كما هو معمول به في كل الكيانات المالية التي تطبق المعاملات الإسلامية"، مشيراً إلى أن هذا الأمر مهم لأن الهيئات الشرعية هي المخولة للفصل في "شرعية" الخدمات ومدى تطابقها مع أحكام الشريعة.

وأضاف علي أن "البنوك العمومية الثلاثة التي أعلنت إطلاقها خدمات مصرفية على الطريقة الإسلامية لم تقدم بعد الآليات التي ستعتمد عليها للحيلولة دون اختلاط الأموال داخل البنك، سواء الموارد أو الاستخدامات، إذ يستحيل الفصل بين الأموال الموجهة إلى الاستخدام وفق الطريقة الإسلامية وتلك الموجهة للاستخدام التقليدي إذا دخلت في خزينة واحدة في نهاية اليوم".

وتجد الصيرفة الإسلامية صعوبة في كسب المزيد من الزبائن والانتشار في الساحة المصرفية في الجزائر، رغم مراهنة الحكومة عليها في السنوات الأخيرة، لامتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية والمقدرة بأكثر من 40 مليار دولار، وذلك لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها المؤسسات المصرفية جراء الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 4 سنوات.

واعترف محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لوكال في ردّ على سؤالٍ لـ "العربي الجديد"، على هامش يوم تعريفي بمهامه أقامه البرلمان الجزائري، بأن "المركزي الجزائري لا يملك هيئة علمية دينية يمكنها الإفتاء في المنتجات البنكية البديلة "الإسلامية"، مضيفاً أن "الأمر هو من صلاحية هيئات شرعية يمكن للبنوك التقدم إليها"، من دون أن يقدم توضيحات عن هذه الهيئات.

وقال أستاذ العلوم الإسلامية جمال حضري، إن "بعض البنوك الإسلامية تقدم عروضاً بنكية على أنها "إسلامية" غير ربوية وبهامش ربح معلوم، وفي الحقيقة هي عروض ربوية في التفاصيل، وبالتالي يجب أن يفصل البنك المركزي الجزائري والمجلس الإسلامي الأعلى في هذه المفاهيم".

وأضاف حضري لـ "العربي الجديد" أن "الصيرفة الإسلامية في الجزائر تحتاج إلى شيئين مهمين حتى تكون لها انطلاقة صحيحة وهما، أولاً إطار قانوني واضح وشامل، وثانياً هيئة شرعية موحدة تكون المرجع في ظل وجود تنوع أو اختلاف في الفتوى من مذهب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، فما هو مباح في الخليج والمشرق قد يكون محرماً في المغرب العربي والعكس بالعكس".

وتحت ضغط الأزمة النفطية وتراجع مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، لجأت الجزائر قبل 3 سنوات إلى عملية اقتراض داخلية في شكل سندات خزانة، لمواجهة العجز في الموازنة العامة، وتمكنت من تحصيل قرابة 6 مليارات دولار.

ثم لجأت الحكومة نهاية العام 2017، إلى اعتماد التمويل غير التقليدي الذي يسمح للبنك المركزي بطبع الأموال وإقراض الخزينة العمومية بقروض دون فوائد، تستغلها الحكومة في دفع أجور العمال والمتقاعدين. وهو ما يعرف في النظام النقدي " بالتيسير الكمي".

المساهمون