13 يونيو 2021
مصر 25 يناير.. تساؤلات ومراجعات
تحل الذكرى الثامنة لثورة يناير في مصر، وسط تردٍ في الأوضاع الداخلية على مختلف الأصعدة، فضلاً عن تعقيداتٍ في المشهدين، الإقليمي والدولي، ما يطرح تساؤلات عديدة تتطلب مراجعاتٍ موضوعيةً من قوى المعارضة الرافضة الانقلاب بشأن حدود تأثيرها والبدائل المتاحة أمامها، لا سيما في ظل تراجع منحنى أنشطتها بصورة كبيرة منذ عام 2018، لظروفٍ داخليةٍ تتعلق بتشكيلها وهيكلها وتمويلها ورؤيتها، وأخرى خارجية، تتعلق بتراجع الدعم الإقليمي لها، ناهيك عن استمرار دعم التحالف المناوئ لها، نظام عبدالفتاح السيسي، الذي يُحكم قبضته على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية كافة، ناهيك عن استمرار سيطرته على مؤسسات الدولة، على الرغم من وجود حالة من الامتعاض داخلها ممن تعرّضوا لاضطهادٍ وتهميشٍ لصالح آخرين. كما باتت هناك حالة من عدم الاكتراث بالمعارضة بشتى ألوانها، حتى التي كان بعضهم يظن صعوبة الاقتراب منها، لوجود سند داخلي "مؤسسي" لها، أو دعم خارجي "حقوقي"، يدافع عنها. فوجدنا تهميشا وتقييداً جبرياً للفريق أحمد شفيق، واعتقال رئيس الأركان القوي السابق، سامي عنان، فالمستشار رئيس جهاز المحاسبات، هشام جنينه، ورئيس حزب مصر القوية، عبدالمنعم أبو الفتوح، وغيرهم من رموز اليسار.
وبات النظام لا يكترث كثيراً بالانتقادات والتقارير الدولية الصادرة من مؤسساتٍ لها وزنها العالمي، مثل منظمتي هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، بل ربما شكك في مصداقيتها، كما فعل السيسي في حواره أخيرا مع قناة cbs. بل ويسعى، على الرغم من الإخفاقات المتتالية، إلى تعديل الدستور، بما يمكّنه من الترشح أكثر من دورتين، بل ربما يُحدث تعديلاً بحذف ثورة يناير من نص الدستور، التي تسعى الأذرع الإعلامية ليس فقط إلى عدم تسليط الضوء عليها، وإنما تشويهها واعتبارها مؤامرة خارجية ضد الوطن، استهدفت النيْل من مؤسساته في ذكرى عيد الشرطة الذي يعد رمزاً لمقاومتها المحتل البريطاني عام 1952. وربما كانت شهادة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، أخيراً في المحكمة على أحد أبرز فصائل الثورة (الإخوان المسلمين) في قضية الهروب من السجن خير دليل على ذلك.
وفي المقابل، تعاني معارضة الداخل من حالة القمع والاضطهاد والملاحقة، بل والاعتقال، كما حدث مع السفير معصوم مرزوق، ومن قبله النشطاء خالد علي وأحمد ماهر وأحمد دومة. وبالتالي، هي ربما تقتصر في أحسن أحوالها على إصدار بياناتٍ خاليةٍ من تحركات فعلية على أرض الواقع، أو حتى الفضاء الإلكتروني الذي بات مراقباً هو الآخر إلى حد كبير.
أما معارضة الخارج، فعلى الرغم من أن بعضهم استبشر خيراً بتشكيل الجبهة الوطنية المصرية، في يوليو/ تموز 2017، لا سيما أنها تضم ألوانا شتّى، فضلاً عن تركيزها على القواسم المشتركة، وغض الطرف عن القضايا الخلافية، مثل موضوع شرعية الرئيس محمد مرسي، بل والاتفاق على إحالة القضايا الخلافية للشعب، حال تعذّر التوافق بشأنها، إلا أن أنشطتها تكاد تكون محدودة جداً. ويبدو أن تعرّضها للانتقاد من جبهاتٍ أخرى معارضة،
كالمجلس الثوري، أوجد حالة من الإحباط، ناهيك عن غياب رؤيةٍ واضحة المعالم، تترجم بيانها التأسيسي ذا النقاط الإحدى عشرة إلى برنامج تنفيذ عملي. أما بالنسبة للمجلس الثوري، أو تحالف دعم الشرعية، فقد تراجعا بصورة كبيرة، حيث استحوذ على الأول أشخاصٌ يطالبون الكيانات المعارضة الأخرى بالانضمام تحت لوائه، ما قد يدفعهم إلى انتقاد نشاط أي جبهةٍ مخالفةٍ لهم لا يتضمن الحديث صراحةً عن شرعية مرسي، بينما يعاني الثاني من نزيفٍ مستمر، من جرّاء خروج القوى المؤسسة له منه، الواحدة تلو الأخرى.
وفي الواقع الإقليمي، هناك حالة تردٍّ غير مسبوقة في قيم حقوق الإنسان في العالم العربي، من دون اتخاذ مواقف دولية قوية حيال منتهكيها، بل هناك حالة من غض الطرف، والتواطؤ بشأنها، بداية من الثورة السورية التي وُئدت تقريباً، ويتم الآن ليس فقط الاعتراف بوجود بشار الأسد واقعياً، ولكن التطبيع العربي معه خطوة أولى يليها الاعتراف الدولي، مروراً بالأزمة السودانية ورد الفعل الدولي الباهت بشأنها، والذي لا يُقارَن بردّ الفعل العنيف حيال أزمة دارفور في عام 2003، والسعي إلى تدويلها في حينه، وغير ذلك كثير، من جريمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، وموقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الداعم لولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، من أجل مزيد من الابتزاز، فضلاً عن سعي عربي إلى التطبيع مع الصهاينة، وربما هذا ما دفع إدارة ترامب تحديدا إلى إبداء المرونة مع هذه النظم الاستبدادية، إلى حين تمرير صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل.
يطرح هذا الوضع المعقد على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، مجموعة من التساؤلات لقوى المعارضة المصرية، تحتاج نقاشات مستفيضة، منها مثلاً: هل تستطيع هذه القوى القيام بأي حراكٍ في يناير/ كانون الثاني الجاري، لا سيما فيظل وجود حالة الاحتقان، وفي ظل
وفي المقابل، تعاني معارضة الداخل من حالة القمع والاضطهاد والملاحقة، بل والاعتقال، كما حدث مع السفير معصوم مرزوق، ومن قبله النشطاء خالد علي وأحمد ماهر وأحمد دومة. وبالتالي، هي ربما تقتصر في أحسن أحوالها على إصدار بياناتٍ خاليةٍ من تحركات فعلية على أرض الواقع، أو حتى الفضاء الإلكتروني الذي بات مراقباً هو الآخر إلى حد كبير.
أما معارضة الخارج، فعلى الرغم من أن بعضهم استبشر خيراً بتشكيل الجبهة الوطنية المصرية، في يوليو/ تموز 2017، لا سيما أنها تضم ألوانا شتّى، فضلاً عن تركيزها على القواسم المشتركة، وغض الطرف عن القضايا الخلافية، مثل موضوع شرعية الرئيس محمد مرسي، بل والاتفاق على إحالة القضايا الخلافية للشعب، حال تعذّر التوافق بشأنها، إلا أن أنشطتها تكاد تكون محدودة جداً. ويبدو أن تعرّضها للانتقاد من جبهاتٍ أخرى معارضة،
وفي الواقع الإقليمي، هناك حالة تردٍّ غير مسبوقة في قيم حقوق الإنسان في العالم العربي، من دون اتخاذ مواقف دولية قوية حيال منتهكيها، بل هناك حالة من غض الطرف، والتواطؤ بشأنها، بداية من الثورة السورية التي وُئدت تقريباً، ويتم الآن ليس فقط الاعتراف بوجود بشار الأسد واقعياً، ولكن التطبيع العربي معه خطوة أولى يليها الاعتراف الدولي، مروراً بالأزمة السودانية ورد الفعل الدولي الباهت بشأنها، والذي لا يُقارَن بردّ الفعل العنيف حيال أزمة دارفور في عام 2003، والسعي إلى تدويلها في حينه، وغير ذلك كثير، من جريمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، وموقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الداعم لولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، من أجل مزيد من الابتزاز، فضلاً عن سعي عربي إلى التطبيع مع الصهاينة، وربما هذا ما دفع إدارة ترامب تحديدا إلى إبداء المرونة مع هذه النظم الاستبدادية، إلى حين تمرير صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل.
يطرح هذا الوضع المعقد على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، مجموعة من التساؤلات لقوى المعارضة المصرية، تحتاج نقاشات مستفيضة، منها مثلاً: هل تستطيع هذه القوى القيام بأي حراكٍ في يناير/ كانون الثاني الجاري، لا سيما فيظل وجود حالة الاحتقان، وفي ظل
أما أهم التساؤلات فهي المتعلقة بفكرة المراجعات المطلوبة، فأبرزها: هل لا تزال قوى المعارضة ثابتة على الخيار "الثوري" الذي يستهدف "إسقاط النظام"، في ظل المعطيات السابق توضيحها؟ وفي حالة الإجابة بنعم، هل لديها الأدوات والإمكانات، على المدى القصير والمتوسط والبعيد؟ وهل تملك إمكانات توفيرها؟ وفي حالة الإجابة بالنفي، هل لديها رؤى بديلة عن إسقاط الانقلاب، مثل إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية مع النظام بوساطة إقليمية أو دولية، أو الاثنين معا؟ وما هي خططها إزاء عمليات التصفية الجسدية والإعدامات وملفات المعتقلين في الداخل؟ وما هي بدائل قوى المعارضة، في الخارج تحديدا، إذا تعرّضت الدول المستضيفة لهم لضغوطٍ لا تستطيع تحمّلها من أجل ترحيلهم؟ وهل في حال استمرار الفشل في إسقاط الانقلاب كما ترى، ورفضها فكرة التسوية، هل يمكن أن تعلن اعتزالها العمل السياسي، كونها ترفض التعامل مع النظم الانقلابية، وإعادة الأمر إلى الشعب مصدر السلطات، يتصرّف في أمره كيف يشاء؟ تحتاج كل هذه الأسئلة والمراجعات لمناقشات مستفيضة وهادئة وموضوعية، لإيجاد حلول غير تقليدية، تخرجها من أزمتها الراهنة.