مصر وكينيا.. انقلاب وديمقراطية

10 أكتوبر 2014

أوهورو كينياتا في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي (8أبريل/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -

كانت كينيا توصف بأنها واحة للاستقرار في شرق أفريقيا، بسبب قلّة أحداث العنف فيها، مقارنة بجيرانها. وظلت على هذا الحال، منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1963، بفضل الإدارة الحكيمة للرئيس الأول، جومو كينياتا، والذي ينتسب لقبيلة تسمى كيكويو (22% من عدد السكان)، والذي حرص على إحداث توازن نسبي في توزيع المناصب السياسية بين الإثنيات المختلفة في البلاد. لكن، شهدت البلاد اختلالات رئيسية مع تولي الرئيس كيباكي الحكم عام 2002، حيث لم يراعِ التنويعة الإثنية، فراح يطيح الخصوم الذين تكتّلوا ضده، ودعموا خصمه، زعيم الحركة البرتقالية رايلا أودينجا، وهو ينتسب إلى قبيلة الليو (14% من السكان)، في انتخابات 2007، ما اضطر كيباكي إلى الاستعانة ببعض الحلفاء، ومنهم الرئيس الحالي، أوهورو كينياتا، نجل الرئيس الأول، جومو كينياتا.

وأشارت النتائج الأولية للانتخابات إلى فوز أودينجا، لكن كيباكي رفض الاعتراف بذلك، واندلعت أعمال عنف إثنية، اتهم، في أثنائها، أوهورو كينياتا بالتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في المواجهات التي أسفرت، في حينها، عن مقتل أكثر من ألف شخص، وتشريد أكثر من نصف مليون آخرين.

ونظراً لاعتبار ما حدث أمراً غير مألوف على الثقافة الكينية، ظلت أحداث 2007 نقطة سوداء في ذاكرة الكينيين، وجرى الاتفاق بين الخصوم السياسيين على احترام نتائج الانتخابات التالية في 2013، أيّاً كانت نتيجتها. وهنا، ترشح أوهورو كينياتا، باعتباره نجل الرئيس الأول للبلاد، ويتحدّر من الإثنية نفسها، فضلاً عن أنه شغل عدة حقائب وزارية، ووصل إلى مرتبة نائب رئيس الوزراء، على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية وجّهت إليه في العام 2012 تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لكن، تظل الأمور مجرد اتهامات، ولم ترق إلى الإثبات. وجرت بالفعل الانتخابات في هدوء نسبي، وفاز كينياتا الابن بـ50.07% فقط، ويمثل، حالياً، أمام المحكمة الدولية للتحقيق معه في تلك الاتهامات.

ويمكن الإفادة من هذه التجرية في كينيا بشأن الحالة المصرية، ومن ذلك أن يكون أوهورو متهماً أمام المحكمة الجنائية، لم يمنعه ذلك، ابتداءً، وكمواطن كيني من الترشح للانتخابات الرئاسية، بل والفوز. وكانت الانتخابات في مارس/ آذار 2013، وهي الفترة نفسها تقريباً التي ظهرت فيها حركة تمرد المصرية، ولم يحدث أن تمرد الشعب الكيني عليه كمرشح، لكونه متهماً بارتكاب أعمال عنف. كما أن فوز أوهورو كان بفارق ضئيل جداً عن خصمه (أقل من 1%)، وعلى الرغم من ذلك، قبِل الشعب الكيني النتيجة، وكذلك الخصوم، تجنّباً لتكرار تجربة 2007 المأساوية. وإذ لا يحظى الرئيس الفائز، وقبل أن تطأ قدماه قصر الرئاسة، بتأييد نصف الناخبين تقريباً، فما بالك عندما يزاول مهام منصبه، فالمرجّح أن تزيد النسبة، لأنه، وكأي رئيس في أي بلدٍ نامٍ، قد لا يستطيع تحسين الأوضاع في فترة وجيزة من حكمه.

ومع ذلك، لم يتمرد الشعب الكيني عليه، فالشرعية لصندوق الانتخابات أساساً، وليس لاحتجاجات الشارع، حتى وإن كان نصف الشعب ضد الرئيس، بل وإن كان هذا الرئيس مطلوباً للمحاكمة، فلا بد من تبوّئه الحكم، احتراماً لإرادة الناخبين، وبعد ذلك، يمثُل للمحكمة، حتى وإن اتُّهم بعدها وعُزل من منصبه، عندئذٍ، يكمل نائبه فترة حكمه، وفقاً للدستور. ومن الدروس أيضاً، أن الرئيس ظل في حكمه، طوال عام ونصف تقريباً، ولم يتمرد أحد عليه، وعندما جاء وقت مثوله للمحاكمة، ذهب إليها بصفته الشخصية، وأسند إدارة الدولة إلى نائبه. وحتى كتابة هذه السطور، لم تتمرد المعارضة عليه، أو تتحيّن الفرصة للانقلاب على الحكم، خشية تكرار أحداث 2007، بل تسير الأمور بهدوء.

إذن، نحن أمام نموذج ديمقراطي فريد من نوعه في كينيا، فعلى الرغم من كل هذه المغريات للانقلاب على الرئيس، لم يحدث تمرد ضده، عكس الحالة المصرية، على الرغم من أن الوضع القانوني للرئيس محمد مرسي كان أفضل من وضع أوهورو، فلم يصدر ضده أي اتهام في أثناء توليه الحكم. لكن، ربما يكون الفرق بين الحالتين أن مؤسسات الدولة، في الحالة الكينية، تسيطر عليها بصورة كبيرة قبيلة أوهورو، فضلاً عن وجود إثنية قوية خلفه، ناهيك عن عدم وجود دعم إقليمي ودولي لخصمه، مقارنة بحالة مرسي الذي كان يسبح وجماعته ضد التيار، فمؤسسات الدولة تعمل ضده، وكذلك معظم القوى الدولية والإقليمية، وبالتالي، يمكن إطاحته، وإن لم تصدر ضده لائحه اتهام، فهذه قد تصدر لاحقاً. وفي المقابل، يبقى أوهورو رئيساً طوال أكثر من عام ونصف، وإن كان متهماً. وهذا هو الفرق بين انقلاب مصر وديمقراطية كينيا، أو بمعنى أدق بين الحالة المصرية ومثيلتها الكينية.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.