مصر وداعش.. استثمار سياسي
هل لداعش حدود مع مصر؟ الإجابة لا. وهل يهدد الأمن القومي المصري مباشرة؟ الإجابة أيضا لا، حتى هذه اللحظة. وثالثاً، هل لداعش علاقات مع الإخوان المسلمين في مصر؟ الإجابة أيضا لا، لاختلاف نهج داعش عن نهج الإخوان، فضلا عن أن المجال الأساسي لداعش، كما يتضح من اسمه "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" هو إقامة دولة الخلافة في هذه المنطقة. وبالتالي، لا تماس بينه وبين مصر، أو بينه وبين الإخوان.
ولعل هذا يطرح التساؤل الأهم: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تهتم سلطات الانقلاب في مصر بداعش وبالحرب ضده، على الرغم من عدم وجود خطر حقيقي منه، أو من غيره، كما أخبر عبد الفتاح السيسي في كلمته الشهيرة خلال سباق الماراثون، أن أحداً لا يجرؤ على المساس بمصر؟
يرجع حرص السيسي على مشاركة مصر "ظاهرياً" في التحالف الدولي ضد داعش إلى جملة أسباب، لعل من أبرزها الحاجة، أولاً، لتبرير انقلابه بأنه تم ضد تنظيم إرهابي (الإخوان)، وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع. وبالتالي، ينبغي التخلص منه، وإن تم ذلك عبر آليات غير ديمقراطية، وهي القضية التي لعب عليها السيسي منذ انقلابه، ومن خلال مكاتب استشارات دولية أشارت عليه بها، لتشويه الخصم السياسي وجذب التأييد العالمي للانقلاب، وهو ما بدأ بالفعل منذ أشهر، وتم تكريسه، أخيراً، في لقاء السيسي بوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أو في مؤتمر وزراء جدة بالربط بين داعش و"الإخوان"، فقد دعا السيسي في لقائه كيري إلى عدم تركيز أي تحالف ضد الإرهاب على تنظيم الدولة الإسلامية فقط، وبحسب بيان للرئاسة المصرية، فإن السيسي يرى ضرورة أن تكون مكافحة الإرهاب شاملة، ولا تستهدف تنظيماً معيناً "لتشمل مكافحة الإرهاب حيثما وجد، في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا"، ما تم تفسيره بأنه محاولة لتوسيع نشاط التحالف الدولي لمكافحة "الإرهاب"، ليشمل جهاديي سيناء وجماعة الإخوان المسلمين. وهذا ما عبر عنه بوضوح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في أثناء اجتماع جدة، في قوله "إنه ليس من المنطق أن نحشد مواردنا لهزيمة داعش، بينما تحجب هذه الموارد عن مصر، وهي تخوض معركة ضد هذا العدو المشترك على أراضيها".
إذن، الهدف المصري أولاً تبرير الانقلاب، ثم شرعنة النظام الراهن. ويبدو أن هذا الهدف تحقق إلى حد كبير، خصوصاً بعدما أعلن كيري أن مصر خط الدفاع الأول ضد داعش، على الرغم من عدم وجود حدود برية مع سورية والعراق، وعدم الرغبة الأميركية في مشاركة برية لمصر أو غيرها من الدول. وهناك هدف ثالث للسيسي، وهو تحقيق مزيد من التقارب مع الولايات المتحدة، والحصول على مزيد من صفقات السلاح منها، وهو ما تحقق، أيضاً، عندما أعلنت واشنطن تسليم مصر طائرات أباتشي لمواجهة الإرهاب.
ولعل موقف مصر السيسي الأخير يشبه موقف مصر مبارك إبان حرب الخليج الثانية عام 1990، حينما أعلن استعداد مصر لإرسال قوات برية لمواجهة العراق في أثناء غزو الكويت، في مقابل إسقاط قدر من الديون المصرية الخارجية. هو استغلال ذكي من السيسي للوضع الراهن لتكريس دعائم حكمه، لاسيما أن المقابل الذي سيدفعه قد يكون "قليلاً" في هذه الآونة، بسبب عدم وجود رغبة أميركية في التدخل البري، في العراق تحديداً، والاقتصار على تقديم الدعم اللوجستي والتسليحي لحلفائها العراقيين، مع توفير مظلة جوية عبر القصف الجوي لمواقع داعش. ما دفع مجلة مثل "فورين بوليسي" إلى الحديث عن حدود الدور المصري في المواجهة، لاسيما أن المطلوب أميركياً من دول المنطقة حالياً أمران: الأول التكلفة المالية، وستقع على عاتق دول الخليج أساساً، مع تردّي الأوضاع الاقتصادية في مصر، والثاني التكلفة الاستخباراتية، وهو ما قد يصعب على مصر تقديمها أيضاً، مقارنة بدولةٍ، مثل الأردن التي ساعدت مخابراتها "المدربة أميركيا" الأميركيين في إخماد المقاومة السنية في العراق عام 2006. ونجحت خلال الحرب العراقية 2003، في تحويل دعم القبائل السنية للقاعدة إلى الوقوف بجانب القوات الأميركية، وللمخابرات الأردنية علاقات مع قبائل سنية عراقية، متحالفة، حالياً، مع داعش.
ويبقى سؤال عن التداعيات المختلفة لهذا الموقف المصري، ويمكن القول إن أهمها حصول النظام المصري على مزيد من الاعتراف الدولي به، وبالتالي، ستزداد قبضته الأمنية الداخلية، خصوصاً في مواجهة خصومه من تحالف الشرعية، وفي القلب منه، جماعة "الإخوان المسلمون" التي عليها أن تعيد تقييم الموقف، في ظل هذا التحالف الإقليمي والدولي ضد حركات الإسلام السياسي، معتدلة أم متطرفة. وفي المقابل، قد تكون المشاركة المصرية سبباً في استفزاز داعش، أو حتى بعض التنظيمات المسلحة في سيناء، وقد يحدث تعاون بين الجانبين لزعزعة الاستقرار في البلاد.