مصر والاتحاد الأفريقي ...مواقف ملتبسة

22 يونيو 2014

شعار الاتحاد الافريقي

+ الخط -
منذ قيام ثورة 25 يناير، والسيناريو الأكثر إثارة في العلاقات الخارجية المصرية هو سيناريو المواقف. ولئن كانت هذه عفوية وتلقائية، وعلى درجة من الوضوح في عهد الثورة، وإلى وصول مصر إلى نظام حكم ديمقراطي عبر مخاض أليم، إلّا أنّها ومنذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 على الشرعية الديمقراطية، وعزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، اتسمت بتشويشٍ كثير.

أكثر المواقف ضبابية، أو التفافاً على الحقيقة، هو موقف الاتحاد الأفريقي الذي جمّد عضوية مصر بعد الانقلاب، وشكّل لجنة عالية المستوى، لمتابعة تطورات الشأن المصري، استلمت مهامها بعد خمسة أيام من الانقلاب. وبعد عام، ركل مبدأه من أجل مصلحته، في قراره عودة مصر إليه. وبهذه الاستعادة، وحضور الجنرال عبد الفتاح السيسي القمة الأفريقية يومي 26-27 يونيو/حزيران الحالي، بوصفه رئيس دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، يكون الاتحاد قد اعترف صراحة بالانقلاب. إذن، فيم كان الاعتراض وتجميد العضوية، ولم النكوص والاعتراف بشيءٍ، تمت إدانته مسبقاً، مع ثبات الظروف نفسها؟
بالنظر إلى الموقف المبدئي لقرار الاتحاد الأفريقي ومجلس "الأمن والسلم" الذي يعتبر أعلى سلطةٍ لفض النزاعات فيه، والذي فكّر وقدّر، ثم قرّر أن يعترف بنظام انقلابيٍّ، تأسس على أنقاض الشرعية، فهو لا يملك ما يُعوّل عليه من هذه الناحية. وذلك لأنّ هذه المنظمة الإقليمية تضم أكبر عدد من الأعضاء، هم، في الأساس، جنرالات أتوا إلى حكم شعوبهم، إثر انقلابات عسكرية، وتكوين حكومات فاسدة لزعماء، يهدرون موارد بلدانهم، ويتركون شعوبهم غارقة في الفقر، والمرض، والجوع، والحروب. وهو الاتحاد نفسه الذي نصّب معمر القذافي، في احتفالية ضخمة، بلقب ملك ملوك أفريقيا، كما ظل طوال حياة القذافي يأخذ هزله بتكوين الولايات المتحدة الأفريقية على محمل الجد. كما أنّه الاتحاد نفسه الذي ما إن نشبت مشكلة في القارة الأفريقية، واستنجد به شعبها، حتى هرول ليشكّل عبئاً ومشكلة في حد ذاته، والأمثلة في السودان وحده تغني عن كل سؤال. ليس ابتداءً من حرب دارفور الدائرة رحاها منذ 2003 وما زالت تحت حلول هذا الاتحاد تراوح مكانها، ولا مروراً بانفصال الجنوب، ودخوله في حربٍ أهليةٍ جديدةٍ، ولا انتهاءً بمشكلة جنوب السودان الجديد، متمثلاً في نزاعات إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

يتضح من تجارب الاتحاد الأفريقي في نزاعات ومشكلات دوله أنّه يتخذ هذا النوع من المواقف التي يعتبرها عقوباتٍ، لكنها فيما يبدو عقوبات غير فعّالة إلى حد كبير، أو لعلها أسوأ من ذلك، مما يظهر حقيقة أخرى، وهي أنّ النفوذ الذي تتمتع به هذه المنظمة الإقليمية محدود للغاية. فمنذ تكونه عام 2002، بديلاً لمنظمة الوحدة الأفريقية التي تأسست في 1963، عانى الاتحاد الأفريقي من الشتات نفسه، ومن الانقسامات السياسية التي تعاني منها دول القارة التي يحمل اسمها، وورث ما لدى الحكومات الأفريقية وزعمائها من مقدرة على إفراغ حلول القضايا السياسية والاقتصادية من محتواها الأساسي.

في الواقع، لما تحرك الاتحاد الأفريقي، ابتداءً، لإدانة الانقلاب في مصر، لم يتحرك عن مبدأ، وإنما كانت حركته بمثابة عملية تجميلية لوجهه المليء بندوب الانقلابات العسكرية. فعندما كانت نسائم الربيع العربي تهب، شهدت أجزاء من أفريقيا رياح انقلابات عسكرية عاتية. من تلك الدول التي شهدت انقلابات اتسمت بالعنف الدموي، كانت النيجر وغينيا وأفريقيا الوسطى ومالي وسط أجواء القارة التي تعاني، أصلاً، من تدخلات غير مباشرة، ونزاعات قبلية وعرقية، وتهديدات مستترة في أماكن أخرى.

وعندما قرر الإتحاد الافريقي، مرة أخرى، إلغاء تجميد عضوية مصر، ومن دون تحقيق شروطه التي طرحها ابتداءً، فتتبدى أسباب هذا القرار نتيجةً مباشرة لضغوط أميركية وغربية. ترى أميركا في حكم عبد الفتاح السيسي عودة إلى عهدها الذهبي في سنوات حسني مبارك الذي مكّنها من الإمساك بخيوط الشرق الأوسط، وإدارة سياساته، حتى تم اعتبار مصر حديقة الغرب الخلفية. كما أنّها فرصة لإبعاد الديمقراطية التي قد تعيد، من جديد، اكتساح "الإخوان المسلمين" لأي انتخابات محتملة، ما ينذر بسيطرة الإسلام السياسي وممثليه على الساحة، وهو ما لن ترضاه أميركا ولن تقبل عودته. ومما لم يسعدها حقاً أنّ هذه كانت تنبؤات مراكز دراساتها الاستراتيجية.

وإذا أخذنا بالاعتبار أنه ليس في استطاعة مصر اليوم استعادة دورها الافريقي، كما كان في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، الدور الذي قدمته مصر إلى حركات التحرر الأفريقية، فإنّها يمكنها أن تلعب دوراً آخر، أكثر حيوية، ليس من المفروض أن يكون بإملاءات خارجية، نظراً لأصالة الدور المؤمل منها. فمصر، بقربها الجغرافي وبعدها الانتمائي، لم تفلح في ضم الهوية الأفريقية إلى هوياتها العربية والمتوسطية، إلّا في تعبيرات المثقفين، البعيدة عن الحياة السياسية، وأحياناً تفرضها المصالح الدولية، ولا تتحقق إلّا بضغوط كثيفة منها، وهذا ما لا نرجوه لمصر التي في القلب والخاطر.
 
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.