مصر... مدارس خاصة تبتز أولياء الأمور مادياً

19 ابريل 2017
تبتز المدارس الخاصة أولياء الأمور بحجة المستوى (Getty)
+ الخط -
ما بين سندان المدارس الحكومية ومطرقة المدارس الخاصة يعاني أولياء الأمور المصريون.  فالمدارس الحكومية تعاني من تكدس الفصول وانتشار البلطجة وتدني مستوى المناهج وانخفاض في أداء المعلمين وتفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية وغياب الأنشطة الطلابية وتهالك الأبنية التعليمية، كل هذه العوامل دفعت أولياء الأمور من القادرين إلى إلحاق أولادهم بالمدارس الخاصة، والتي باتت هي الأخرى حلقة من العذاب ومسلسلاً لا ينتهي من ابتزاز  إدارات هذه المدارس، كما جاء على لسان الكثير من أولياء الأمور.

تقول بسنت فكري، ولية أمر، "تقدمت بأوراق ابنتي لإحدى المدارس الخاصة حتى تلتحق برياض الأطفال بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة، ففوجئت بأن إدارة المدرسة تطالبني بدفع 600 جنيه مقابل إجراء المقابلة وعرفت أن هناك أكثر من متقدم.

 في حين أن العدد الذي تحتاجة المدرسة لا يزيد على 100 تلميذ، وبعد أسبوعين فوجئت بعدم قبول ابنتي. وقالت لي الإدارة أنها تحتاج مقابلة جديدة ولا بد من دفع 600 جنيه أخرى، ونصحتني صديقتي بضرورة إحضار واسطة أو تقديم تبرع  كبير لإدارة المدرسة حتى تجتاز ابنتي المقابلة وتلتحق برياض الأطفال، وبالفعل فعلت وأحضرت واسطة ودخلت ابنتي المدرسة ودفعت المصروفات التي بلغت 15 ألفاً إلى جانب التبرعات التي تفوق مبلغ خمسة آلاف جنيه".

 

صورة أخرى للابتزاز والمعاناة ترويها نرمين سيد، ولية أمر، عن تعنت إدارة مدرسة (ن خ) الخاصة، وتقول عندي طفلان أحدهما في الصف الرابع الابتدائي والآخر في الصف الأول، وفوجئنا بإصرار إدارة المدرسة على دفع المصروفات الدراسية بالدولار، وبهذا الشكل تصل المصروفات إلى تسعين ألف جنيه للتلميذ الواحد، وتقدمنا بشكاوى كثيرة وبعد ضغوط من الإدارة وافقت المدرسة على الدفع بالجنيه، ولكنها رفعت المصروفات بشكل مبالغ فيه ليصل إلى 60 ألف جنيه للعام الدراسي الواحد، وقالوا لنا من لا يستطيع دفع المصروفات يسحب ملف طفله من المدرسة إلى أية مدرسة أخرى.

     


 

 الزي المدرسي

نفس الشكاوى السابقة يعاني منها علاء رزق، ولي أمر، الذي لفت الانتباه لمشكلة أخرى، وهي مشكلة الزى المدرسي، يقول: إن إدارات المدارس تتفنن في نهب الأهالي بكل طريق ممكن، فتفرض علينا شراء زى مدرسي معين من محلات وأماكن معينة تتعاقد معهم مقابل نسبة للمدرسة بأسعار مرتفعة للغاية، ونضطر لشراء الزي بأضعاف ثمنه العادي.

 

وتضيف جيهان سالم، ولية أمر، وتقول لـ "العربي الجديد": "ابني يدرس في مدرسة فرنسية وأدفع له مصروفات 25 ألف جنيه في العام، ومع هذا لا يمر أسبوع حتى تطالبنا المديرة بتبرعات في صورة هدايا للمدرسة، مثل مراوح وأجهزة تكييف وغيرها".

 ولا يخفى على أحد ما تناقلته وسائل الإعلام من خبر وفاة الطفلة جيداء، الطالبة في إحدى مدارس 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، متأثرة بإصابتها بانفجار في شريان المخ بسبب ارتفاع شديد في ضغط الدم بعدما حرمتها معلمتها من التقاط صورة جماعية مع زميلاتها لعدم تسديدها ثمن الصورة وهو 75 جنيهاً فسقطت الطفلة ميتة بسبب هذا الجشع.

 

تميز الخدمات

وفي سؤال وجهناه للسيدة هبه أبو السعد مديرة إحدى المدارس الخاصة حول أسباب الارتفاع المبالغ فيه في المصروفات المدرسية، قالت: المصروفات تختلف من مدرسة لأخرى حسب المستوى التعليمي للمدرسة ومستوى الخدمات والأنشطة الطلابية، فهناك مدارس تحظى بإقبال شديد يفوق العدد الذي تستوعبه لحرصها على تقديم خدمة تعليمية متكاملة ومميزة ولحرصها على كثافة معينة للفصل لا تزيد على 20 طالباً ولأنها تختار المعلمين بدقة شديدة من خريجي كلية التربية وحاملي درجة الماجستير.

كما يُعنى عدد من المدارس المتميزة عناية خاصة بالأنشطة الثقافية والرياضية حيث تمارس كل الألعاب الرياضية في ملاعب خاصة، وتكون الفصول مجهزة بكل وسائل التعليم الحديثة بالإضافة إلى أتوبيسات مدرسية مكيفة وعلى أعلى مستوى، وبالتالي ترى أبو سعدة أن ما تطلبه تلك المدارس من مصروفات يتوافق مع ما تقدمه للطالب من مستوى تعليمي راق.

 



خارج السيطرة

من جانبها، تتفق أستاذة المناهج وطرق التدريس، د.هدى مصطفى، مع أولياء الأمور في شكواهم من ابتزاز مديري المدارس الخاصة، وتتعجب من تخلي وزارة التربية والتعليم عن دورها في الإشراف والمراقبة المالية والإدارية على هذه المدارس، وتؤكد أن هذه المدارس خارجة تماماً عن سيطرة الوزارة، وأن ملاك هذه المدارس أغلبهم من غير المتخصصين وهدفهم الوحيد هو الربح قبل أي شيء آخر.

وتستطرد: المدارس الخاصة ملف شائك في التعليم المصري ينبغي الاهتمام به ووضع حل لمشكلاته الكثيرة، فهناك مدارس كثيرة غير مرخصة ومدارس لديها مخالفات مالية، ومدارس لا تنطبق عليها شروط العملية التعليمية من حيث الأبنية والهيكل الإداري، فأين الوزارة من ذلك كله؟

 

طلب إحاطة

وفي هذا السياق، أكد النائب سمير البطيخي أنه سيتقدم بطلب إحاطة لوزير التعليم الجديد طارق شوقي لمطالبته بتقنين مصروفات المدارس الخاصة التي تجاوزت كل الحدود، خصوصا بعد ارتفاع سعر الدولار، وأضاف أن هذه المدارس تحولت من عملية تعليمية إلى مشروع تجاري وبيزنس رابح، واستطرد قائلا هناك استغلال واضح لأولياء الأمور من قبل هذه

المدارس بطرق ملتوية مثل الإصرار على زي معين يصل ثمنه في بعض المدارس إلى ثلاثة آلاف جنيه، ورفضهم تسليم الكتب للطلاب بدون دفع المصروفات، وأضاف أنهم سيطالبون الوزير بتحديد المصروفات حتى لا تتلاعب هذه المدارس بأولياء الأمور.

 

ويتفق الخبير التربوي سعيد رياض مع وجهة النظر السابقة، مؤكدا أن هناك تزايداً في أعداد المدارس الخاصة التي بلغت 9 آلاف مدرسة يدرس بها أكثر من مليوني طالب، وهو ما يعادل 11 % من إجمالي عدد طلاب مصر البالغ 19 مليون طالب. وهناك تزايد في الإقبال عليها لما تتمتع به من انخفاض في الكثافة وكثرة الأنشطة وتوافر الملاعب الرياضية وحمامات السباحة، وأكد أن زيادة المصروفات ظاهرة مؤكدة حيث لا تقل في الحضانة عن 9 آلاف جنيه والمرحلة الابتدائية عن 12 ألف جنيه وذلك في المدارس المنخفضة في أسعارها.

وأضاف أن التعليم ليس سلعة ولا يصح  التعامل معه بمنطق الربح والخسارة، بل هو عملية تربوية بالأساس وأكد أن مصر لم تعرف ظاهرة التعليم الخاص والمدارس الخاصة إلا مع سياسة الانفتاح وسيطرة رأس المال على كل نواحي الحياة في السبعينيات.

في حين يشير طارق طلعت مدير إدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم إلى أن الوزارة تبذل جهودها في ضبط عمل المدارس الخاصة من خلال غلق عدد كبير من المدارس المخالفة في القاهرة والجيزة والسادس من أكتوبر ممن ثبت تورطهم في مخالفات مالية وإدارية، وكذلك يتم توجيه إنذار لعدد آخر بضبط أوضاعهم.

وكان وزير التعليم السابق الهلالي الشربيني قد أصدر قرارا في أغسطس 2016 بوقف قبول طلبات جديدة لإنشاء مدارس دولية لحين الانتهاء من ضبط أوضاع المدارس الموجودة حاليا، وكذلك أصدرت الوزارة عدة قرارات تحذر مديري المدارس من جمع أي تبرعات من أولياء الأمور. ونطالب أولياء الأمور بالتوجه للوزارة وتقديم شكوى في حال ابتزازهم أو مطالبتهم بالتبرعات، وكذلك نناشد المواطنين بعدم التعامل إلا مع المدارس الخاصة الموجودة والمسجلة على موقع الوزارة حتى لا يقعون ضحية لنصابين يعملون في مدارس بدون ترخيص. 

المساهمون