مصر في مرآة "المؤشر العربي"

31 ديسمبر 2015
+ الخط -
يرسم "المؤشر العربي" الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات لوحة سياسية واقعية ومعبرة عن اتجاهات الرأي العام العربي. وهو، على حد علمي، أكبر استطلاع للرأي يجري في العالم العربي منذ حوالى أربعة أعوام. وقد شمل مؤشر العام 2015 الذي انقضى أمس 12 دولة عربية، أي أكثر من نصف العالم العربي. كما أن حجم العينة التي تم استطلاع آرائها أكثر من 18 ألف شخص ينتمون إلى خلفيات اجتماعية واقتصادية وتعليمية وجغرافية مختلفة، بيد أن أهم ما يقدمه "المؤشر"، لنا نحن الباحثين، أنه ينقل صوت المواطن العربي ورؤيته للقضايا الراهنة وموقفه منها، بعيداً عن مواقف السلطة ورؤيتها للأوضاع.
تقرير "المؤشر العربي" لهذا العام، مثل الأعوام السابقة، غني ومثير، وفيه أرقام كثيرة بحاجة للتوقف أمامها لتشريحها وفهم مغزاها ودلالاتها. وأركز، في هذه الزاوية القصيرة، على أرقام مصر. اقتصادياً، تبدو آراء المواطنين المصريين الذين جرى استطلاع رأيهم (حوالى 2400 شخص) متباينة، فبينما يشير معظمهم إلى تحسن أوضاعهم الاقتصادية في العام 2015 عن العامين الأخيرين، فإن حوالى 25% منهم أشار إلى الصعوبة في توفير نفقات احتياجات أسرهم، حيث لا يكفي الدخل الشهري للمبحوثين لإعالة أسرهم التي تعاني العوز الاقتصادي، بيد أن الملفت، في هذا الوضع الاقتصادي للمصريين، أن حوالى نصف المبحوثين يتفقون على أن دخولهم تغطي بالكاد نفقاتهم المعيشية، وهو ما لا يمكنهم من الادخار، وهي نسبة أكبر بحوالى 10% من العام الماضي. ويعتمد ثلث هؤلاء على الاستدانة، سواء من معارفهم وأصدقائهم وأقاربهم، من أجل تغطية نفقاتهم المعيشية. وفيما يخص مؤشر الأمن، تبدو الصورة أكثر قتامة، فقد عبر حوالى 50% من المستطلًعة آراؤهم عن أن الحالة الأمنية في بلدانهم تتراوح ما بين سيئة وسيئة جداً، وإن كانت هذه النسبة أقل بكثير من مثيلاتها في عامي 2013 و2014. في حين يري حوالى 27% منهم أن أهم مشكلة تواجه بلدهم هو غياب الأمن والأمان، تليها مشكلة البطالة (18%)، ومشكلة الغلاء وارتفاع الأسعار بنسبة 13.7%.
أما الملفت حقاً في أرقام "المؤشر العربي" الخاصة بمصر فهي تتعلق بتقييم الذين استُطلعت آراؤهم للوضع السياسي في البلاد، حيث أفاد أكثر من 50% بأن الوضع السياسي يتراوح بين الجيد جداً والجيد. ولعل تفسير ذلك مرده الرسالة المستمرة التي تروجها وسائل الإعلام المصرية، والتي تقارن دوماً بين مصر وغيرها من بلدان "الربيع العربي" التي تعاني أوضاعاً سياسية سيئة جداً، بما يؤثر على رؤية المواطن المصري للأوضاع في بلده. وثمة أمر ملفت أخر يتعلق بالوضع السياسي، وهو ثقة المواطنين المصريين في مؤسسات الدولة، فقد لاحظ معدو المؤشر أن ثمة انخفاضاً في ثقة المصريين بالجيش لهذا العام مقارنة بالأعوام الأربعة الماضية، فقد ارتفعت نسبة عدم الثقة في الجيش من حوالى 3% عام 2011 إلى حوالى 13% عام 2015. صحيح أن نسبة التأييد لا تزال كبيرة، لكن ثمة تراجعاً مضطرداً في هذه النسبة بمرور الوقت. وزادت أيضاً نسبة عدم ثقة المصريين في الأحزاب السياسية، من حوالى 46% عام 2011 إلى حوالى 65% لهذا العام، وهي مسألة قد تفسر حالة الضعف والفراغ التي تعاني منها الحياة السياسية المصرية منذ الثورة.
الأمر الآخر الملفت في أرقام "المؤشر العربي" الخاصة بمصر يتعلق بمدى قبول استلام حزب إسلامي السلطة، إذا فاز بأغلبية الأصوات في انتخابات حرة ونزيهة، حيث رفض حوالى 42% مقابل 40%، وهو ما يؤكد استمرار الانقسام السياسي والأيديولوجي في مصر.

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".