وفي السياق، قالت مصادر قضائية مصرية، في أحاديث خاصة مع "العربي الجديد"، إن التحقيقات التي أجريت مع رموز نظام الرئيس المخلوع كشفت عن أن هناك أجهزة سيادية في الدولة كانت تملك أجزاء كبيرة من ثروات واستثمارات عدد من الرموز السياسية ورجال الأعمال.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "السبب الرئيس في عدم وجود تقدم في ملف استرداد أموال الرئيس المخلوع حسني مبارك ورموز حكمه، يرجع إلى أن أجهزة مثل الاستخبارات والأمن الوطني، وقيادات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كانت لهم حصص في أموال واستثمارات هؤلاء، وهو ما دفع هذه الأجهزة لتعطيل أي إجراءات في هذا الصدد".
ومن بين الأمثلة التي أوردتها المصادر، قضية رجل الأعمال حسين سالم الذي "كان قد توصل لاتفاق نهائي مع الجهات القضائية المختصة إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي بالتخلي عن 55 في المائة من استثماراته خارج مصر، و50 في المائة من استثماراته داخل مصر، مقابل التصالح في القضايا الخاصة بها المتعلقة بالاستيلاء على المال العام".
وأشارت المصادر إلى أنه تم توقيع الاتفاق في حضور سالم وممثل عن جهاز الاستخبارات وممثلين عن جهات قضائية مصرية، لافتة إلى أن قيمة ما تم الحصول عليه من سالم وقتها كان يتجاوز الـ38 مليار جنيه مصري، في حين أن الاتفاق الذي أعلن عن توقيعه مع سالم أخيراً لا يقضي إلا بعودة 5 مليارات جنيه فقط. وكان سالم قد قال، في تصريحات صحافية له في 5 مايو/ أيار 2015، إنه ليس له أي علاقة هو أو أعضاء أسرته بشركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز، أو أي شركة أو جهة تابعة لها، وأنه تخارج وباع كافة أسهمها عام 2008 لصالح جهة سيادية، وهي المسؤولة عن كافة تعاقدات الشركة منذ بيعها.
وبحسب المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن جهاز الاستخبارات العامة المصري كان يعطل ملف التصالح مع سالم خلال فترة مرسي، نظراً لأن رجل الأعمال المصري كان مجرد واجهة للجهاز في كافة الاستثمارات المتعلقة بالغاز الطبيعي وشركة غاز البحر المتوسط.
ووفقاً للمصادر، فإن "الاستخبارات العامة وأجهزة أخرى عجّلت بمخطط إسقاط مرسي بعد أن بدأ ملف استرداد الأموال يدخل حيز التنفيذ الجديد، وهو ما يعني دخول هذه الأموال لخزينة الدولة، وليس لخزينة الأجهزة".
وقالت المصادر، التي كانت مطلعة على تفاصيل ملف استرداد الأموال المنهوبة من جانب رموز نظام مبارك وبعض رجال الأعمال الآخرين، إن "قيادياً كبيراً في جهاز الاستخبارات العامة قال للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، إن هذا الملف شائك للغاية وعواقب فتحه ستكون وخيمة". وأضافت أن من "يتتبع خريطة رجال الأعمال وأرصدتهم وتاريخهم سيكتشف تضخم تلك الحسابات بشكل مفاجئ، إضافة إلى أن بعضهم فعلياً اعترف خلال تحقيقات أنه لا يمتلك أجزاء كبيرة من تلك الثروات، رافضين الكشف عن المُلّاك الحقيقيين لها"، موضحة أن "بعضهم كان حاصلاً على وعود من قيادات بعض الأجهزة بالإفراج عنهم وغلق قضاياهم مقابل عدم الحديث تماماً عن الملاك الأصليين للأموال والمشروعات".
وأكدت المصادر أن "ملف التوريث وحده لم يكن هو السبب الرئيس في غضب المجلس العسكري وقيادات الجيش من مبارك ونجله جمال ومجموعة رجال الأعمال المحيطين به".
وأشارت إلى أن "أسرة مبارك كانت تستأثر بنسب الشراكة في مشروعات رجال الأعمال المحيطين بجمال، دون أن تسمح للأجهزة السيادية بأي حصص شراكة". كما أوضحت أن "عدداً من رجال الأعمال والمجموعات الاقتصادية الكبرى يقبلون بمنح أسهم وحصص شراكة لأجهزة سيادية مصرية بأسماء أشخاص تحددهم تلك الجهات، مقابل توفير الحماية وعدم تعرض أعمالهم لأي مضايقات، وذلك لكون الكثير من أعمال هؤلاء يضم مخالفات بالجملة".
وتابعت أن جهاز الأمن الوطني الذي كان يسمى في السابق بـ"أمن الدولة" كانت لعدد كبير من قادته وعلى رأسهم اللواء حسن عبدالرحمن رئيس الجهاز في عهد مبارك، حصص في واحدة من أكبر شركات صناعة الدواء في مصر. كما كشفت المصادر عن أن جهاز الاستخبارات العامة هو الآخر يملك حصة كبرى في واحدة من أكبر شركات المقاولات والتطوير العقاري، المملوكة لواحد من نواب الحزب الوطني السابقين، بالإضافة لشركة أخرى تملك مجموعة من مشروعات الإسكان الفاخر في مصر. ولفتت إلى أن قطاعات المقاولات والاستثمار العقاري، والمنتجعات السياحية كانت الأبرز ضمن القطاعات التي امتلكت بها أجهزة أمنية مصرية حصص شراكة مع رجال أعمال مصريين. وبحسب مصدر في جهاز الكسب غير المشروع تحدث في يوليو/ تموز 2016 لصحيفة "أخبار اليوم" الحكومية، فإن "حجم الأموال التي تم ردها حتى الآن تجاوز الـ700 مليون جنيه لخزينة الدولة"، موضحاً أن حجم الأموال المتوقع التصالح فيها يتجاوز الـ10 مليارات جنيه". وكانت السلطات السويسرية قد أعلنت ليلة الثاني عشر من فبراير 2011، عقب تنحي مبارك بيوم واحد، عن تجميد 750 مليون دولار من أموال مبارك ورجاله. وأعدت قائمة بـ17 اسماً ارتفعت بعد ذلك إلى 31 شخصاً. وكان من المقرر إلغاء تجميد هذه الأموال في عام 2013، إلا أن الحكومة السويسرية مدّدته 3 أعوام أخرى.
وكان عدد من رموز نظام مبارك قد تقدموا بطلبات للتصالح ورد جزء من الأموال المنهوبة. وجاء في مقدمة هؤلاء حسين سالم، ورجل الأعمال أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل، ورشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الأسبق، والمحكوم عليه غيابياً بالسجن 15 عاماً وغرامة 522 مليون جنيه، يوسف والي وأمين أباظة وزيرا الزراعة السابقان، وسامح فهمي وزير البترول الأسبق، وزهير جرانة وزير السياحة الأسبق.
ودائماً ما كانت محاولات استرداد الأموال المنهوبة تبوء بالفشل، في ظل العديد من العقبات التي كانت تُلقى في طريقها حيث تشكلت 5 لجان ما بين رسمية وشعبية، متنقلة ما بين أوروبا وأميركا دون جدوى تذكر.
وتشكلت أولى هذه اللجان في الرابع من إبريل/ نيسان عام 2011، خلال فترة حكم المجلس العسكري كمحاولة لتهدئة الشارع الثوري وامتصاص غضب الشباب. وفي فبراير/ شباط 2012، شكل مجلس الشعب الذي تم انتخابه عقب الثورة، لجنة لتقصي الحقائق لاستعادة الأموال المهربة، قبل أن تتشكل اللجنة الثالثة في 2 سبتمبر/ أيلول بتكليف من الرئيس المعزول محمد مرسي. من جهته، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل "اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال المهربة بالخارج" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، قبل أن تتبعها لجنة أخرى بقرار من رئيس الوزراء الحالي شريف إسماعيل في نوفمبر 2015.