مصر: فصل واستبعاد موظفين لعلاقة أقاربهم بـ"الإخوان"

15 سبتمبر 2018
استهدفت القرارات الجديدة موظفين في وزارتي الخارجية والعدل(هونغ وو/Getty)
+ الخط -

بدأت الحكومة المصرية خطوة تنكيل جديدة ضد جماعة "الإخوان المسلمين" وامتداداتها في المجتمع المصري، بإصدار قرارات بفصل عشرات الموظفين من الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة "الإخوان"، واستحالة إسناد مهام عالية المستوى لهم بسبب "حظرهم أمنياً".

وقالت مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن "حوالي 200 موظف في مجلس النواب ووزارتي الخارجية والعدل، تم فصلهم من الوظيفة العامة أو نقلهم إلى هيئات خدمية لا تناسب خبراتهم أو مؤهلاتهم تابعة لوزارات النقل والزراعة والتعليم، وذلك بعدما أجريت تحريات أمنية واسعة على جميع الموظفين العاملين في كل الجهات الحساسة بالدولة في الفترة من إبريل/ نيسان إلى يوليو/ تموز هذا العام، ونتج عنها تحديد أسماء هؤلاء الموظفين الذين تم استبعادهم".

وتأتي هذه الخطوة تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" في مارس/ آذار الماضي، عن بدء إجراءات تنفيذ برنامج سري وضعه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة. ويهدف البرنامج لخفض أعداد الموظفين الحكوميين إلى نحو 4 ملايين في نهاية عام 2021، وذلك بإجراء تحريات أمنية غير اعتيادية على الموظفين الحاليين، فضلاً عن آلاف الموظفين المحبوسين احتياطياً، والذين سافروا في إعارات أو انتدابات خارج مصر بعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013 والإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، للعمل في دول عربية أو خليجية، بهدف إجبارهم على تقديم استقالاتهم وإخلاء عدد كبير من الدرجات المالية والوظيفية في مختلف الجهات الحكومية.

وأضافت المصادر الحكومية أن اللجوء إلى هذه الخطوة يهدف إلى أمر آخر غير التنكيل بجماعة "الإخوان" وتفكيك حواضنها الاجتماعية المحتملة، ويتمثّل في خفض أعداد الموظفين الذين تطمح الحكومة لفصلهم من الوظيفة العامة أو تخفيض رواتبهم، بدعوى تعاطيهم المخدرات والمسكرات، وهو الإجراء الذي كانت الحكومة قد بدأت بتنفيذه العام الماضي، ولكنها واجهت مشاكل قانونية تتعلق بإمكانية عودة هؤلاء الموظفين لأعمالهم بواسطة رفع دعاوى قضائية، مستغلين ثغرة غياب النص التشريعي الذي يسمح للحكومة بوقف الموظف أو فصله في حالة تعاطيه المخدرات أو المسكرات طالما لم يؤثر هذا سلباً على أدائه الوظيفي.


وكشفت المصادر أن جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، أعطى النيابتين العامة والعسكرية قوائم كاملة بجميع الموظفين الحكوميين المحبوسين احتياطياً والمدانين في قضايا عنف أو تظاهر أو الانضمام لجماعة "الإخوان المسلمين" وأي جماعات أخرى، وتم توزيعها بصورة مفهرسة ومقسمة جغرافياً على فروع النيابة الإدارية في المحافظات المختلفة، لتفتح الأخيرة (وهي الهيئة القضائية المنوطة دستورياً بالتحقيق مع الموظفين) تحقيقات صورية في مدى انتظام عمل هؤلاء الموظفين المحبوسين، ومدى حاجة أعمالهم إليهم. وفي مرحلة لاحقة، أجريت تحريات أمنية تمتد لدرجة القرابة الرابعة لاستبعاد الموظفين الأقارب للمتهمين أو المحكومين في قضايا "الإخوان". وأوضحت المصادر أن الشهور المقبلة ستشهد إبعاد مئات الموظفين ذوي الأوضاع المشابهة في الدواوين المركزية للوزارات.

ولا يقتصر الأمر على الموظفين المقيمين في مصر؛ فبحسب المصادر، أرسلت بعض الأجهزة الرقابية، كالجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز التنظيم والإدارة، تعميمات بعودة العديد من موظفيها الحاصلين على إجازات من دون مرتب للعمل خارج مصر، وزعمت التحريات الأمنية انتماءهم لجماعة "الإخوان" أو معارضتهم للنظام الحالي، طالبة منهم ضرورة قطع إجازاتهم والعودة إلى مصر أو الاستقالة والاستمرار في الخارج، وهو ما حدث في الربيع الماضي في قطاعات التعليم والصحة والبترول.

ووفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة (2030) التي أعلنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي العام الماضي، تعوّل الحكومة على اتّباع آلية التقاعد المبكر المذكورة في قانون الخدمة المدنية الجديد، مع حظر التعيينات الجديدة نهائياً، إلا في صورة عقود استشارية مؤقتة، أو في الجهات ذات الطابع الاستثنائي التابعة لرئاسة الجمهورية، للتخلص من 50 في المائة على الأقل من الرقم المراد تخفيضه، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز الحكومي لحوالي 3 ملايين و900 ألف موظف فقط بعد عامين. علماً أن العدد الحالي للموظفين هو 5 ملايين و800 ألف موظف تقريباً، منهم 5 ملايين في الجهاز الإداري الأساسي، و800 ألف يتبعون لقطاع الأعمال العام المكوّن من الشركات القابضة والتابعة التي تديرها الحكومة وتساهم فيها مع مستثمرين آخرين.

وتتكامل هذه الخطة الحكومية لتخفيض الموظفين مع خطة السيسي للتنكيل بجماعة "الإخوان" وامتداداتها في المجتمع المصري وتجفيف البيئات التي قد تبدي تعاطفاً مع أعضاء الجماعة وأنصارها، وهي الخطة التي بلغت ذروتها هذا الأسبوع بإصدار قرار هو الأول من نوعه في تاريخ الجماعة، بمصادرة كل الأموال والممتلكات التابعة لـ1589 شخصاً من قيادات الجماعة والمتهمين بتمويل الجماعة، تطبيقاً لقانون أصدره السيسي في إبريل/ نيسان الماضي يسمح بمصادرة الأموال المتحفظ عليها، والتصرف فيها، تحسباً لصدور أحكام ببطلان الإجراءات التحفظية المتخذة بشأنها منذ 2013.

ويهدف النظام، فضلاً عن التنكيل بالجماعة، إلى استمرار وضع يد الحكومة على أموال جماعة "الإخوان" وأعضائها المتحفظ عليها منذ مطلع عام 2014 والمنتشرة في أشكال اقتصادية عديدة، كالمدارس والمستشفيات والمحلات التجارية والعقارات والأراضي الزراعية والصحراوية والشركات الاستثمارية والمواقع الإلكترونية، مع السماح لها باستثمار تلك الأموال والتصرف فيها بالتأجير أو البيع لحساب الخزانة العامة للدولة، بعدما اكتشفت الحكومة أنها لا تحقق الأرباح المرجوة من مجرد تحفّظها على أموال بهذا الحجم.

المساهمون