مصر: فشل القمع ... و"التحالف" لحراك مديد

25 يوليو 2014
الحراك الشعبي مستمر رغم القمع (مصطفى صبري/الأناضول/Getty)
+ الخط -

ظنّ كثيرون أن الأمور ستهدأ في مصر، وأن عمليات القتل والترويع والاعتقال التي قامت بها أجهزة الأمن عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، من شأنها أن تقضي على أي احتجاجات أو حراك، لما ستبثّه من رعب في قلوب المصريين.

ولكن بعد أكثر من عام على الانقلاب، أكد المعارضون استمرارهم في المسيرات والتظاهرات، رغم الانتهاكات المرتكبة بحقهم، حتى أن الناشطين السياسيين تأكدوا أن "العودة إلى الشارع، تبقى الحلّ الوحيد لاستعادة الثورة".

وفي هذا الإطار، أكد القيادي في جبهة "طريق الثورة"، محمود سامي، وهو صاحب فكرة الخروج من الأحياء الشعبية في ثورة يناير، لـ"العربي الجديد"، ضرورة "العودة لهذه الأحياء والالتحام معها من جديد، وعدم انفصال الحراك الشبابي عن مطالبها، في العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".

وشدّد على أن "نجاح الثورة في تحقيق أهدافها، مرهون بمشاركة هذه القطاعات في الحراك الثوري".

دفع هذا الأمر أعضاء لجنة "التنسيق والحوار"، التي تشكّلت بعد الإعلان عن "بيان القاهرة"، وعددهم 15 ناشطاً من تيارات سياسية مختلفة، للإعلان عن تدشين حملة "جمع المليون توقيع من قاطني الأحياء الشعبية"، احتجاجاً على حزمة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها السلطة الحاكمة.

وأكد أحد أعضاء اللجنة، رفض الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أن "هدف الحملة يتجلّى في استيلاد حالة من الزخم في الشارع، وفضح الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قطع على نفسه وعوداً كثيرة بعدم المساس بالفقراء، لكنه سرعان ما تراجع عنها بعد أسابيع من وصوله الى القصر الرئاسي".

ولفت إلى أن "أعضاء الحملة قرروا تنظيم جولات مفاجئة في المناطق المستهدفة، خوفاً من إجهاضها من قبل قوات الأمن".

كما دفعت الأزمة الاقتصادية حركة "الاشتراكيون الثوريون" لإطلاق حملة جديدة باسم "جوعتونا"، وهو نفس اسم الحملة التي أطلقها نشطاء بيان القاهرة، للتنديد بالقرارات الحكومية "التي لن تكون الأخيرة"، بحسب عضو المكتب السياسي للحركة، محمود عزت، الذي أكد أن "الحكومة تتجه بخطى ثابتة نحو تحميل الفقراء، أعباء جديدة لمحاولة سد العجز في موازنة الدولة".

خطة تحرك جديدة

على صعيد آخر، كشف مصدر مطلع في قيادة "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، عن "إجراء تقييم للحراك الثوري خلال الأشهر الستة الماضية، وجهّز خطة تحرّك تمتدّ لثلاث سنوات".

وقال المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن "الخطة الجديدة شملت ضم فئات اجتماعية جديدة، من خلال تشكيل كيانات مهنية وسياسية لا ترفع مطالب التحالف، ولا ترفع لافتات الشرعية واستعادتها، إنما تركز على الجوانب المتعلقة بالمطالب المعيشية". ولفت إلى أن "الفترة المقبلة ستشهد الإعلان عن نحو 20 تجمعاً مهنياً، للخروج من دائرة العمل المهني المحدود".

وأوضح القيادي أنه "تمّ إعداد الخطة الجديدة في ضوء استراتيجية تعتمد على خمسة مرتكزات، أهمها: السلمية في التحركات، واللامركزية في العمل لتوفير قدر كبير من المرونة في الحركة، وتفعيل العمل المشترك بين كافة فصائل الحراك السياسي والثوري، وتفعيل دور الشباب، على أن يكونوا هم أصحاب القرار الحركي على الأرض وأصحاب الرأي الأول، والحفاظ على وحدة الدولة المصرية".

وكشف أن "خطة التحالف تقوم على استمرار الفعاليات بشكل يومي، لتبدو البلاد طوال الوقت في حالة ثورة، ويدرك جميع من في الداخل والخارج، أن هذا الحراك لن يهدأ حتى تتحقق أهدافه".

وحول أبرز السلبيات التي كان يعاني منها التحالف والحراك الثوري خلال الفترة الماضية، أعلن أن "السلبية الرئيسية كانت حالة الالتباس في أهداف الحراك الثوري، وما إذا كان الهدف هو إسقاط الانقلاب في صورة الأشخاص الذين تصدروا المشهد، أم إسقاط النظام بشكل كامل".

وتابع "السبب الرئيسي الذي خلق هذا الالتباس كان غياب التفكير الثوري عن القيادات، التي كانت تدير المشهد حينها، الأمر الذي تم تداركه لاحقاً، من خلال ضخّ عدد كبير من القيادات الشبابية لتكون هي المسؤولة عن إدارة المشهد الثوري والسياسي في أحيان كثيرة".

بدوره، أكد محمد محسوب، وزير الدولة الأسبق للشؤون القانونية والمجالس النيابية، في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، أن "أسباب استمرار النظام، على الرغم من أدائه الاقتصادي الكارثي وإعلامه الهزلي وانكساره الخارجي وقتله للأبرياء، يعود للأسباب الكامنة في بناء الدولة المصرية، إذ لم تُسقِط ثورة يناير دولة الفساد، إنما احتفلت لذهاب الواجهة الخارجية، ولم تنتبه إلى أن نظم الفساد في العالم، تغيّر جلدها باستمرار كلما واجهت مأزقاً، لكنها تحتفظ بجوهرها وأدواتها".

ورأى محسوب، أن "النظام، بغطرسته وعجزه عن تحقيق أي إنجاز، يقدّم خدمات نوعية للثورة، فيدفع فئات شعبية جديدة للانضمام للثورة أو على الأقل للحاضنة الشعبية لها، لكن ذلك لا يُواجه بترجمة على الأرض لتوسيع الاصطفاف الوطني وتنويع الفاعليات المربكة للنظام".

إسقاط النظام


أما عن مستقبل الحراك الثوري، فرأى الخبير السياسي، ياسر البحيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، "أننا في إطار حكم عسكري، أشبه من وجهة نظري بحكم أميركا اللاتينية، ولذلك فلن يسقط في شهر أو إثنين، بل سيستلزم على الأقل من ثلاث إلى أربع سنوات، حتى يبدأ في التساقط، وسيتم ذلك على فترات، لذلك يجب إرهاقه بشكل مستمر".

وشدد على ضرورة استمرار المسيرات التي يدعو لها "التحالف، والمسيرات الطالبية، وإن كانت محدودة، فالسعي الآن ليس لمجرد إسقاط رئيس، بل لإسقاط نظام، وإسقاط النظام يكون على مدار سنوات".

أما أهم الأشياء التي استطاع الحراك الثوري أن يحققها في مصر، بحسب البحيري، فهي "أنه تمكّن من تغيير وجهة نظر الكثيرين ممن كانوا منحازين للانقلاب بالكامل، كما أوضح للعالم أن هناك معارضة قوية في مصر لمن قاموا بالانقلاب على السلطة الشرعية".

ورأى أن "أوجه القصور الوحيدة، تكمن في أن الحراك وأساليبه أصبحت رتيبة إلى حد ما". واعتبر أنه "لا بد من وجود أشكال جديدة للحراك، واختيار أيام جديدة، ومواعيد جديدة".

بدوره، أشار الخبير السياسي في جامعة دورهام البريطانية، أحمد التهامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الى أن "الحراك الاحتجاجي والثوري يتسم حالياً بقدر من الثبات والاستمرارية، رغم أن الأعداد المشاركة في المسيرات والاحتجاجات تقلّصت، بسبب الهجمات الأمنية العنيفة، بعدما كانت المسيرات ضخمة عقب الانقلاب العسكري مباشرة".

وأكد أن "الحراك الثوري يجب أن يكون نوعياً ومرتبطاً بقضايا معينة، ومتداخلاً مع الأزمات المعيشية للمواطنين، لكن أن يظل الحراك الثوري متطبّعاً بطابع سياسي وتابع لجماعة معينة فهو أمر سلبي قد يضرّ به".

وشدّد التهامي على ضرورة "تطوير الحراك الثوري وزيادة الشرائح المشاركة فيه، من خلال التعبير عن قضايا الناس الملحّة".

واعتبر أن "استمرار الحراك الثوري مع عدم قدرة السلطة الحالية على النهوض بالبلد، وعدم امتلاكها لبرنامج واضح أو مشروع لحل أزمات المجتمع، سيؤدي لحدوث تغيير في النهاية، فإما أن يظل المجتمع في حراكه حتى الاستجابة لمطالبه، أو أن يختار الشعب القوى التي يرى إن لديها القدرة على تقديم البديل الذي عجزت عنه السلطة الحالية".

فيما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إبراهيم البيومي غانم، لـ"العربي الجديد"، إنه "يصعب الحكم بشكل دقيق على ما أنجزه هذا الحراك، وعلى ما لم يحقّقه، لأن الفعل الثوري بطبيعته ممتد، ويستغرق الكثير من الوقت، ويمرّ بمراحل عديدة فيها صعود وهبوط".