مصر: غضب قبطي وحيرة أمنية بعد اعتداء المنيا

04 نوفمبر 2018
حزن وغضب خلال تشييع الضحايا أمس (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

تسود حالة من الاحتقان داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بسبب محاولات نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التعتيم على الاعتداء الإرهابي الذي وقع مساء الجمعة واستهدف عدداً من الحافلات العائدة من دير الأنبا صموئيل في المنيا وعلى متنها عدد من المواطنين الأقباط، ما أدى إلى مقتل 7 وإصابة 19، بعضهم في حالة خطيرة، استدعت نقلهم إلى مستشفيات في محافظة الجيزة البعيدة نحو 400 كيلومتر من موقع الحادث.

الأجواء الغاضبة برزت خلال تشييع الضحايا، أمس السبت، في كنيسة الأمير تادرس في مدينة المنيا، وقوبل أسقف عام المنيا الأنبا مكاريوس بصيحات احتجاج من الحضور الغاضبين، عندما قدّم الشكر إلى مسؤولي الأمن. وقال، في كلمة ألقاها بعد انتهاء القداس الجنائزي "نحن لا ننسى وعود المسؤولين، بمن فيهم رئيس الجمهورية، بمعاقبة الجناة".
وفي أول تعليق على الهجوم، قال بابا أقباط مصر، تواضروس الثاني، في كلمة متلفزة: "الأحداث التي تصيبنا، لا تصيبنا كمسيحيين فقط، لكنها تصيب المجتمع المصري كله". وأضاف: "نعلم أن أثمن ما نملكه هو وحدتنا وتماسكنا، ونحن نعلم أيضاً أن هذا الحادث يزيدنا صلابة... نصلي من أجل سلامة بلادنا".

في موازاة ذلك، وعلى الرغم من أن تنظيم "داعش" أعلن عبر ذراعه الإعلامية "وكالة أعماق" مسؤولية "مقاتلين تابعين له" عن ارتكاب الجريمة، إلا أن الشرطة ما زالت غير متأكدة من طبيعة العلاقة بين القتلة والتنظيم. وأوضحت مصادر أمنية أن الاعتداء يحمل "بصمات غير معتادة ومثيرة للحيرة" بسبب استخدام الإرهابيين أسلحة غير حديثة، وأسلحة خرطوش، واقترابهم من الضحايا، والاعتداء على بعضهم بالضرب بأجسام معدنية. وأضافت المصادر أن الأسلحة مغايرة تماماً لتلك التي استخدمها التنظيم الداعشي المعروف باسم "جنود الخلافة"، في يناير/كانون الثاني 2017، في الاعتداء الذي استهدف كمين النقب في محافظة الوادي الجديد، وهي قذائف "آر بي جي" ورشاشات "بي كيه" سوفيتية الصنع، تم تثبيتها على ظهر سيارات نصف نقل، وكذلك أسلحة الخلية التابعة لتنظيم "المرابطين" في منطقة الواحات، في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

ورجحت المصادر أن تكون المجموعة المسؤولة عن هجوم المنيا، الجمعة، تضم عنصراً أو أكثر على اتصال مباشر بتنظيم "ولاية سيناء"، نظراً للأهداف السياسية الواضحة خلف اختيار توقيت العملية قبيل افتتاح منتدى الشباب الدولي الذي يقام في مدينة شرم الشيخ السياحية في جنوب سيناء، وما يعكسه من رغبة في إحراج السيسي دولياً وشعبياً، وإظهار الفشل الأمني للنظام وعدم قدرته على كبح جماح تلك المجموعات في وادي النيل.

كذلك رجحت المصادر الأمنية أن تكون هذه المجموعة جديدة، ومختلفة عن تنظيم "جنود الخلافة" الذي يقوده المتهم الهارب عمرو سعد، مع إمكانية تكوينها من أشخاص ارتبطوا سابقاً بعمرو سعد أو بخلايا أخرى فرّت من ليبيا عبر الحدود بعد انهيار تنظيم "المرابطين"، مع الأخذ في الاعتبار الخلاف العقائدي بين "المرابطين" القاعدي و"جنود الخلافة" الداعشي.
وعلى الرغم من أن الكنيسة تسلّم بصعوبة تأمين كل الطرق في الظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد حول الأديرة التاريخية، إلا أن ما يغضبها أنها طالبت من قبل بتأمين ورصف الطرق المؤدية إلى دير الأنبا صموئيل تحديداً، نظراً لتعرّض حافلات مارة في المنطقة سابقاً لهجومين إرهابيين عامي 2015 و2017.


كما يوجد استياء داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من تغطية النظام للاعتداء. وقد حاول نظام السيسي التهوين من خطورة الهجوم لتزامنه مع منتدى الشباب الدولي، وهو المنتدى الذي تقوم حملته الإعلامية المستمرة منذ شهرين على الترويج لنجاح نظام السيسي في تقطيع أوصال الجماعات الإرهابية، وتحقيق الأمن والأمان للمواطن المصري، فضلاً عن الترويج المستمر لنجاح الحملة العسكرية "سيناء 2018" التي لم تنته حتى الآن.

وأصدر نظام السيسي تعليماته لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة التابعة له، بعدم إبراز الاعتداء في الصحف المطبوعة، التي صدرت أمس السبت، مبرزة في المقام الأول أخبار افتتاح السيسي لمنتدى الشباب، وكأن مقتل 7 مواطنين عزل وإصابة آخرين على يد الإرهابيين في طريق شهد من قبل حوادث مماثلة، بات أمراً طبيعياً.
ويتسق هذا الاتجاه مع محاولات النظام المستمرة للتعتيم على معظم الاعتداءات التي تستهدف الجيش والشرطة في سيناء وغيرها من المناطق، باعتبارها من ضرورات المواجهة مع الإرهاب، ولمنع تسرّب مشاعر للمواطنين بفشل المواجهة العسكرية والأمنية.

لكن الاحتقان الكنسي القائم يعود بصورة أكبر لرفض السيسي تأجيل افتتاح منتدى الشباب الدولي، وإقامة حفل فني في يوم الاعتداء، ما اعتبره أساقفة بارزون، بحسب مصادر حكومية مطلعة، أمراً غير مقبول وغير منتظر من السيسي الذي يحظى بدعم مطلق من الكنيسة. وقالت المصادر إن أساقفة مقربين من البابا تواضروس الثاني أكدوا أنهم تواصلوا مع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية المختصة بالتعامل مع الكنيسة وأبلغوهم عدم رضا الشعب القبطي عن التغطية الإعلامية والاستغراق في الاحتفال بمنتدى الشباب. وبدلاً من اتخاذ أي إجراء للتخفيف من هذا الغضب، تم فرض طوق أمني حول المستشفيات التي يمكث فيها المصابون لمنع ذويهم وقساوسة كنائسهم من زيارتهم، على خلفية تجمهر محدود حدث حول المستشفى الذي تم نقل المصابين إليه عقب الاعتداء، وترديد المواطنين هتافات ضد الأمن تتهمه بالتخاذل والفشل. كما أُرسلت مجموعات من الأمن المركزي للسيطرة على أي قلاقل محتملة في القرى التي ينتمي لها القتلى والمصابون، ولمنع أي احتكاكات. وحاولت الكنيسة تعويض التعتيم الرسمي وغياب البيانات الأمنية بإصدار بيانات بنفسها، ومن خلال قناة CTV المسيحية عن مجريات الاعتداء وتفاصيله، بما في ذلك ما يعكس تأخر حضور قوات الشرطة إلى مسرح الحادث.

يذكر أن مصر تعيش في حالة طوارئ منذ إبريل/نيسان 2017، عندما أعلن السيسي حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية لأول مرة منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، بعدما كانت مقتصرة على جزء من شمال سيناء فقط. كما أجرى تعديلات على قانوني الكيانات الإرهابية والإجراءات الجنائية طاولت حياة المواطنين، وذلك بعد استهداف الكنيسة البطرسية بالعباسية في ديسمبر/كانون الأول 2016، ثم كنيستي المرقسية في الإسكندرية ومار جرجس بطنطا في إبريل 2017، وعمليات تهجير الأقباط من سيناء.