تلقّت محكمة القضاء الإداري في القاهرة، أمس السبت، أول طعنين على قانون تكليف القوات المسلّحة، بحماية المنشآت العامة رقم 136 لسنة 2014، والذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وألزم فيه الجيش بالتنسيق مع الشرطة في حماية المنشآت العامة والمرافق الحيويّة، واعتبارها أماكن عسكريّة وإخضاع الجرائم التي تقع فيها للقضاء العسكري.
وتقول مصادر قضائيّة، رفيعة المستوى، في مجلس الدولة المصري، إنّه في حالة قبول الدفوع بعدم دستوريّة القانون الذي أصدره السيسي، فلن تستطيع المحكمة وقف تنفيذه من تلقاء نفسها، بل عليها إحالته إلى المحكمة الدستوريّة العليا للبتّ في دستوريّته، سواء كان ذلك من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب من المدّعين.
وتوضح المصادر لـ"العربي الجديد"، أنّه "يجوز لأيّ من المواطنين الذين تُنسب إليهم اتهامات تتعلّق بالاعتداء على المنشآت العامة أو الإحالة من القضاء العادي إلى القضاء العسكري، بناء على هذا القانون، أن ينضموا للطعنين ويطالبوا بانعدام القرارات الصادرة بمحاكمتهم أمام قاض غير مختص".
وفي سياق متّصل، تشير المصادر إلى "وجود إرث طويل من أحكام القضاء الإداري، ببطلان محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الحالات العاديّة أو الاستثنائيّة، وكذلك ببطلان منح رجال القوات المسلّحة حقّ الضبط القضائي الذي يتمتّع به ضباط الشرطة".
ويؤكّد الطعنان ارتباط هذا القانون بقانون آخر ما زال ساري المفعول، أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي، مطلع عام 2013، (رقم 1 لسنة 2013)، وأجاز فيه لرئيس الجمهوريّة أن يطلب من وزير الدفاع كلما اقتضت الحاجة، أن تساعد القوات المسلّحة الشرطة في حفظ الأمن في البلاد، وأن يصدر وزير الدفاع قراراً بتحديد الأماكن التي سيتولى الجيش حمايتها ومهام أفراده في هذه الحماية.
ويطالب أحد الطعنين، بإلزام وزير الدفاع صدقي صبحي، بتحديد الأماكن التي ستتولى القوات المسلّحة حمايتها مع الشرطة، باعتبار أنّه لا يمكن تطبيق قانون السيسي بدون قانون مرسي، لافتاً إلى أنّ وزير الدفاع امتنع طوال الفترة السابقة عن إعلان هذه الأماكن وطبيعة التنسيق بين الجيش والشرطة، رغم أنه من الواجب إعلان ذلك أمام العامة حتى يمكن نفاذ آثار القانون.
ويوضح الطعن أنّ ما يدعم ضرورة تحديد وزير الدفاع للأماكن، هو أنّ القانون الذي أصدره السيسي لم يُفصح عن جميع المنشآت التي ستُطبّق عليها حماية الجيش، بل ذكر أنّها "المنشآت العامة والحيويّة"، بعبارة غامضة قابلة للتأويل، وذكر أمثلة فقط من دون أن يحصرها. أمّا الطعن الثاني، فيطالب ببطلان قرار السيسي، لناحية الاستعانة بالقوات المسلحة لحفظ الأمن، وإخضاع المدنيين وفقاً للقانون الذي أصدره للمحاكمة العسكريّة، مؤكّداً أنّ السيسي كلّف القوات المسلّحة بحفظ الأمن في وقت سابق لإصداره القانون، مما يعني أنّ القرار إداري ضمنياً، وقابل للطعن أمام القضاء الإداري.
ويستند الطعن إلى الحكم التاريخي الذي أصدره القضاء الإداري في شهر يونيو/حزيران 2012، ببطلان قرار وزير العدل بمنح ضبّاط القوات المسلحة سلطة الضبطية القضائية، والذي شدّد على أنّ "الدساتير المصريّة فصلت بين الأحكام المنظمة للقوات المسلحة والشرطة، عن وعي وبصيرة، بسبب اختلاف الوظيفة والاختصاص بين الجهتين".
ويعتبر الطعن أنّ القانون الذي أصدره السيسي "غير دستوري"، لأنّه يفتح الباب لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وعدم تمكينهم من التقاضي أمام قاضيهم الطبيعي، وأن "المادة 204 من دستور 2014 الخاصة بحالات محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، تمنع أي قانون من إضافة اختصاصات جديدة للقضاء العسكري، على عكس ما جاء في قانون السيسي".
وتخوّل المادة 204، وفق الطعن، "القوانين تحديد طبيعة الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على القوات المسلحة، وليس توسيع اختصاصات القضاء العسكري أو وضع معايير جديدة لإخضاع المدنيين له". ويؤكّد الطعن أنّ "القانون مشوب بعدم الدستورية لسبب ثانٍ، هو عدم توافر شرط حالة الضرورة التي تستدعي تدخل رئيس الجمهورية لإصدار قوانين في غيبة البرلمان، والمنصوص عليها في المادة 156 من الدستور".
ويُعتبر هذا القانون الثاني للسيسي، الذي يُطعن رسمياً بعدم دستوريّته أمام القضاء المصري، بعد الطعن على قانون وضع حد أقصى لأجور العاملين للدولة، فضلاً عن وجود بعض القوانين الأخرى المهدّدة بعدم الدستوريّة، بسبب مخالفة مواد في الدستور، أو لعدم مراجعتها في قسم التشريع بمجلس الدولة.
وتقول مصادر قضائيّة لـ"العربي الجديد"، إنّ "النائب العام المصري، المستشار هشام بركات، أصدر أخيراً قراراً بإحالة جميع القضايا الخاصة بالاعتداء على المنشآت العامة، إلى القضاء العسكري، سواء تلك التي حدثت قبل صدور القانون المطعون على دستوريته، أو التي حدثت بعد صدوره"، وهو الأمر الذي توقعت معه المصادر نفسها "إحالة المئات من ملفات القضايا المعروضة حالياً، أمام القضاء العادي، إلى القضاء العسكري".
وتشير المصادر ذاتها إلى أن "ما أصدره النائب العام في هذا الصدد، ربما يأتي كمحاولة لنفي شبهة عدم دستوريّة القانون المطعون على دستوريته". وتقول مصادر قضائيّة خاصة، في محكمة النقض المصرية، إنّه "لا يجوز بأيّ حال، أن يسري تطبيق القانون، إلا على الوقائع التالية لإصدار هذا القانون، وليس على الوقائع السابقة لإصداره".