وفي هذا الإطار، قال مصدر حكومي مصري، لـ"العربي الجديد"، إنّ جميع الجهات الحكومية التي تملك أو تستأجر أو تسجّل قطعاً من الأراضي لصالحها في جزيرة الوراق، ستسلّمها لـ"هيئة المجتمعات"، تمهيداً لاستلام الأراضي المملوكة من الأهالي وكذلك لرجال الأعمال، كمحمد أبو العينين، بنظام نزع الملكية للمنفعة العامة والتعويضات المالية أو العقارية بوحدات سكنية أخرى في مناطق قريبة، مشيراً إلى أن التسمية المبدئية للمشروع هي "حورس".
وذكر المصدر أنّ الخطة الحكومية لإعادة استغلال الجزيرة وغيرها من جزر النيل التي كانت تعتبر منذ عام 1998 محميات طبيعية، في أنشطة الاستثمار العقاري، تتضمّن تعويض الأهالي المقيمين على أراضي الجزر التي سيتم استغلالها، بمساكن جديدة ستقيمها الدولة بالمداخيل الأولية التي ستجنيها من عملية الاستثمار العقاري، كاشفاً أنّ "نسبة 15 في المائة من الأهالي وافقت على الانتقال لمساكن مدينة الأسمرات بالمقطم، بينما مازال البعض رافضاً ذلك، لبعدها الشديد عن أماكن نشاطهم وأعمالهم، فيما قبل كبار ملاك الأراضي بالتعويض المادي".
وأضاف المصدر أنّ فكرة إنشاء "مانهاتن مصرية" في عرض النيل، وتحديداً في الورّاق تسيطر على الدائرة المحيطة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكنّ التسويق لن يتم بالطريقة التي كانت معتمدة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، من خلال إسناد جزيرة بالكامل إلى مستثمر واحد، بل هناك اتجاه عملي لتشارك رؤوس أموال محلية وعربية في كل مشروع، أو تقسيم الجزيرة لعدد من المشاريع، كما هو الحال في العاصمة الإدارية الجديدة.
ورجّح المصدر أن تؤسّس "هيئة المجتمعات العمرانية" شركة جديدة برأسمال حكومي مقسّم بين وزارة الإسكان ووزارة الدفاع وبنوك وشركات صغيرة، تقوم بإدارة الأراضي واستغلالها بعد إتمام عملية نزع الملكية، ومن ثمّ يتم توزيع الأراضي على المستثمرين العرب أو المصريين بالأمر المباشر، على أن يوضع مسار زمني واضح لكل مشروع، بحيث لا يؤثّر إنجاز هذا المشروع على مشاريع أخرى لـ"هيئة المجتمعات" والجيش.
وأوضح المصدر أنّ لجنة مشتركة من الوزارات المعنية، كالإسكان والدفاع والبيئة، بحثت على مدار العام الماضي الطبيعة الجغرافية والمرفقية لـ12 جزيرة نيلية تابعة لمحافظتي القاهرة والجيزة غير الوراق؛ وهي: القرصاية، الدهب، أم دينار، الشوبك البحري، وردان الكبرى، وردان الصغرى، القيراطيين، أبو غالب، أبو عوض، كفر الرفاعي، الديسمي، والكريمات، تمهيداً لتغيير معالم هذه الجزر وتخفيف القيود الإنشائية فيها، وإخلاء أهاليها لتسويقها بين المستثمرين الخليجيين تحديداً، بينما تم استبعاد 3 جزر فقط هي: الرقة البحرية، حلوان البلد والعياط، نتيجة عدم صلاحيتها للاستغلال الاستثماري.
وشهدت هذه الجزر في السنوات الماضية انهياراً، اعتبره الكثير من الأهالي متعمّداً، في المرافق الحياتية المتردية أصلاً في هذه الجزر، لإجبار الأهالي على قبول تسكينهم في مناطق مختلفة، خصوصاً أن جميع الجزر الـ14 التي يتم بحث طرق استغلالها تعاني من مشاكل مرفقية جمة، إلى حدّ انعزال بعضها عن محيطه الجغرافي، ولجوء أهالي بعضها إلى مناطق أخرى لجلب المياه الصالحة للشرب وأنابيب الغاز ووسائل التدفئة.
وكان السيسي قد أصدر منذ شهرين تعديلات واسعة على قانون تنظيم نزع ملكية الأراضي من المواطنين لصالح المنفعة العامة للدولة، تجيز، للمرة الأولى، لرئيس الجمهورية أن يفوّض أحد وزرائه أو المحافظين أو أي جهة أخرى لإصدار قرار نزع الملكية من المواطنين للمنفعة العامة، بعدما كان هذا الأمر مقتصراً على رئيس الجمهورية وحده، وأن يرفق الرئيس أو من يفوضه بقرار النزع، مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه، ورسماً بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازم هدمها.
ويتيح هذا التعديل سرعة إجراءات نزع ملكية الأراضي وعدم مركزيتها، فلن تحتاج الحكومة مستقبلاً انتظار صدور قرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لاعتماد المشروع المخطط له ثمّ نزع الأراضي المطلوبة، بل سيتمتّع كل مسؤول يفوّضه رئيس الجمهورية بسلطة الاعتماد والنزع بصورة أقرب للامركزية.
وجاءت هذه الخطوة متسقة مع توسّع الحكومة والجيش في نزع الأراضي الخاصة بالمواطنين، لإقامة مشاريع جديدة في مجالات الطرق والمواصلات والإسكان والاستثمار العقاري، حيث تشهد محافظات الدلتا نشاطاً متصاعداً للجيش في إنشاء طرق ومحاور لربطها بالقاهرة الكبرى، فضلاً عن مشروع امتداد الخط الثالث لمترو الأنفاق بالجيزة أيضاً، انتهاءً باستغلال أرض جزيرة الوراق على النحو السابق ذكره.
وكان ملف نزع الملكية للمشروعات التي يصفها السيسي بـ"القومية"، يمثّل "صداعاً" للدولة بصفة عامة والجيش بصفة خاصة، باعتبار الهيئة الهندسية للقوات المسلحة هي القائمة الآن على إدارة وتنفيذ ومقاولة 80 في المائة من المشاريع الحكومية، بما في ذلك المشاريع التي تنفذها فعلياً شركات حكومية أخرى، كـ"المقاولون العرب" و"النصر العامة للمقاولات" وغيرها. فبسبب اشتراط صدور قرار النزع من رئيس الجمهورية في القانون القائم، وقعت بعض المشاكل، أبرزها ما نشرته "العربي الجديد" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من إحالة بعض المواطنين الغاضبين من نزع ملكية أراضيهم إلى المحاكم العسكرية، لمحاولتهم عرقلة إجراءات الهيئة الهندسية والشركات العاملة معها لتوسيع حرم بعض المشاريع باعتبارها منشآت عامة في حكم المناطق العسكرية.
لكنّ التعديلات الجديدة ستسمح للجيش وأي جهة حكومية أخرى قادرة، بفرض قراراتها بعد تفويض مفتوح لها يصدر من رئيس الجمهورية، من دون الحاجة لإدخال تعديلات على المخططات الأصلية للمشاريع، مما يضمن إطلاق يد الجيش في إدارة هذا الملف، والإسراع في إجراءات تنفيذ المشاريع.