مصر: دائرة السيسي تبدأ تصميم المجالس المحلية

20 ديسمبر 2019
طلبت المخابرات من الأحزاب الاستعداد للانتخابات (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
أصدرت المخابرات العامة المصرية تعليماتها للأحزاب السياسية الموالية لها، وعلى رأسها حزب مستقبل وطن، للإسراع في تنفيذ خطة توسيع قواعد العضوية الخاصة بها، وفي الاتفاق على ضم العشرات من الشخصيات ذات الثقل في دوائر ريفية ومهنية وحضرية بمختلف المحافظات، استعداداً لإعداد كشوف مبدئية للمؤهلين للترشح باسم الحزب في انتخابات المحليات المقبلة. ويبدو أن دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ارتأت ضرورة إحداث تطور لافت بملف الانتخابات المحلية العام المقبل، بهدف ملء الفراغ السياسي المسيطر على المشهد المصري، وافتعال حالة من الحراك المُسيطَر عليه، لشغل الرأي العام والترويج لفكرة تقدم النظام لاتخاذ خطوات انفتاح في المجال العام.

وقالت مصادر سياسية من حزب مستقبل وطن، في حديث مع "العربي الجديد"، إن السيسي ومدير المخابرات عباس كامل أصدرا تعليماتهما لرئيس مجلس النواب علي عبد العال بإخراج مشروع قانون المحليات الذي كانت الحكومة قد أعدته في عهد وزير التنمية المحلية السابق أحمد زكي بدر، وساهمت فيه العديد من الجهات، عندما كان من المتصور أن يُلتزَم الاستحقاق الدستوري سريعاً وتُجرى انتخابات المحليات خلال عام 2017 قبل أن يُجمَّد منذ مطلع ذلك العام. والسبب في ذلك يعود إلى مخاوف النظام من سيطرة فلول الحزب الوطني المنحل ورموز عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى المجالس المحلية واستغلال شبكة العلاقات القوية التي يمتلكونها في الأقاليم لتهديد سيطرة السيسي ونظامه الجديد على المحافظات. وهي السيطرة التي تبدو حالياً محكمة بواسطة تعدد الجهات المنتمية إلى النظام والتي تملك سلطة إدارة الأمور التنفيذية في مختلف المناطق، وعلى رأسها المخابرات العامة والرقابة الإدارية ومساعدو ومستشارو المحافظين الذين تخرجوا من الأكاديمية الوطنية للشباب والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.



ووفقاً للمصادر، فإن متخرجي الأكاديمية والبرنامج سيكون لهم دور كبير وفعال في إدارة انتخابات المحليات عند إجرائها سريعاً، بدعم وإشراف مباشر من المخابرات العامة. كذلك ستكون لهم الأولوية في الترشح على رؤوس القوائم الانتخابية.
وحصلت "العربي الجديد" على مشروع القانون المقدم من الحكومة، الذي تتجه النية حالياً إلى تقسيمه لمشروعين أو ثلاثة، بحيث تُفرَد المواد الخاصة بالانتخابات وتكوَّن المجالس المحلية في قانون منفرد، على أن يخصَّص قانون آخر أو اثنان للمواد الخاصة بالمحافظين وسلطاتهم وصلاحياتهم والإدارة المحلية ووحداتها المختلفة، على أن تُلغى القوانين السابقة المنظمة لذلك الملف نهائياً.
وتبيّن من المشروع أن الحكومة ترغب في إجراء الانتخابات بنظام مختلط، بنسبة 75 في المائة من المقاعد للقوائم المغلقة، و25 في المائة للتنافس الفردي، وهو ما يؤكد ما نشرته "العربي الجديد" في تقرير سابق لها الشهر الماضي عن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ذكرت فيه مصادرها أن السيسي غير متحمس لإجراء انتخابات المحليات بنظام الانتخاب الحر، وكشفت عن محاولات تجري لشرعنة قرار محتمل بتكوينها بالتعيين استثنائياً للمرة الأولى.
وارتباطاً بذلك، ذكرت المصادر السياسية أن بعض قيادات "مستقبل وطن" والأحزاب الأخرى الموالية للنظام، أبلغت المخابرات بالصعوبة البالغة التي تنتظرهم لدى العمل على اختيار مرشحين، بسبب قصور قواعد العضوية وعزوف القيادات الشعبية عن العمل السياسي، والسمعة السلبية التي تتردد عن مجالات العمل العام حالياً بسبب تدخل الأجهزة السيادية في جميع التحركات التنفيذية والنيابية.
وبحسب المصادر، يطالب بعض القيادات بألّا تُفتَح أي نسبة للانتخابات الفردية، والاكتفاء بالقوائم المغلقة لتسهيل الاختيار بين الأحزاب، على أن تدعم المخابرات قائمة واحدة فقط كما حدث في انتخابات مجلس النواب الماضية، وبالتالي تتحول الانتخابات إلى صورة أشبه بالتعيين المباشر، وذلك للتغطية على فشل أمانات العضوية بالأحزاب وانغلاق المجال العام.
وطالبت القيادات بأن يُحاطوا علماً، ومبكراً، بنسبة شباب البرنامج الرئاسي وأكاديمية الشباب الذين سيُدفَع بهم في القوائم، وأن يكون ذلك بالتنسيق مع الأحزاب حفاظاً على تماسكها، ولتلافي حدوث انشقاقات أو أزمات. في المقابل، تركز المخابرات على فحص السجل الأمني والسياسي لجميع الأعضاء الجدد في الأحزاب، وخصوصاً الطلاب والمهنيين، ومراجعة صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي للتأكد من عدم وجود علاقات بينهم وبين التيارات الإسلامية من جهة، ونظام مبارك والمحسوبين عليه من جهة أخرى.
ومن المتوقع أن تروّج دائرة السيسي لنظام انتخابات المحليات الجديد، باعتباره انتصاراً للشباب والمرأة، دون التركيز على مسألة إجرائها بأغلبية مطلقة لنظام القائمة المغلقة، حيث يسمح المشروع الحكومي بترشّح من تجاوز 21 عاماً للمجلس المحلي، على أن يخصص ربع المقاعد للشباب دون 35 عاماً وربع آخر للمرأة، وألا تقل نسبة العمال والفلاحين عن نصف عدد المقاعد، مع تخصيص حصص أصغر للمسيحيين وذوي الإعاقة.

وأشارت المصادر إلى أنّ من غير المعلوم موعد إجراء انتخابات المحليات، لكن من المرجح أن تسبق انتخابات مجلسي النواب والشيوخ التي تتعامل المخابرات حالياً، باعتبار أنها ستُجرى متزامنة، لا بالتوالي، وذلك بناءً على إشارات حديثة من السيسي بضرورة الاستجابة لتوصية وزارة المالية بإجراء انتخابات متزامنة في صندوق واحد، لتخفيض نصيب الاستحقاقات الانتخابية من الموازنة العامة المقبلة، وكذلك لتلافي الآثار المالية السلبية لاستفتاء التعديلات الدستورية الأخير، وهو ما كانت "العربي الجديد" قد نشرته منسوباً إلى مصادر حكومية في مايو/ أيار الماضي.
وبناءً على هذا الترجيح من قبل المخابرات، فقد أصبحت الحاجة ملحّة لتحديد قوائم واسعة من المرشحين بحيث يسهل توزيعهم على المجلسين والاستفادة من الصلات والإمكانات التي يتمتع بها كل شخص في دائرته المهنية أو الإقليمية.
وكانت مصادر قد كشفت الشهر الماضي مساعي المخابرات لرفع عدد قاعدة العضوية بحزب مستقبل وطن بنسبة 400 في المائة قبل منتصف العام المقبل، مع الوعد بسرعة منح الأعضاء الجدد "بطاقات عضوية" بعد تخصيص عدد من ضباط الأمن الوطني في كل فرع بالمحافظات لفحص الأعضاء المنضمين حديثاً، ومقابلة المشكوك في انتمائهم السابق إلى الحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك أو لأحزاب أنشئت عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
وتُجرى حالياً محاولات لحشد المواطنين لعضوية الحزب جماهيرياً، خصوصاً في قرى الصعيد والدلتا، وترغيب المواطنين في المزايا السياسية والوظيفية التي يمكن الحصول عليها من عضوية الحزب كما كان الوضع في عهد مبارك. لكن استجابة المواطنين لتلك الدعوات "ما زالت محدودة للغاية"، وهو ما يغضب بشدة مكتب مدير المخابرات، وقد يدفع إلى إدخال تعديلات في مكاتب العضوية ببعض المحافظات، نظراً لهشاشة الروابط بين الحزب وأعضائه من ناحية، وضعف الفعاليات ومردودها من حيث توسيع القاعدة.

المساهمون