مصر: خلاف نفطي بسبب سعي الجيش لتوسيع نفوذه الاقتصادي

11 ديسمبر 2016
حدد محلب سعر ليتر السولار بـ180 قرشاً(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تصر وزارة الدفاع المصرية على أن تحظى بمزايا مالية إضافية في تعاملاتها مع الجهات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى المزايا المالية والتنظيمية التي تتمتع بها، بحكم وضعها المستقل كمؤسسة لها موازنة، لا تناقش تفصيلياً في البرلمان، وباعتبارها الجهة التنفيذية الوحيدة المسموح لها ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية. وتكشف مصادر في وزارة البترول أن وزارة الدفاع دخلت في نزاع، خلال الأشهر الخمسة الماضية، مع الهيئة العامة للبترول، ممثلة في الجمعية التعاونية للبترول، وهي إحدى أكبر الشركات الحكومية المستوردة والموزعة للوقود، وذلك بسبب رغبة هيئة الإمداد والتموين في الجيش دفع نسبة الثلث فقط من مستحقات الجمعية التعاونية نظير ما تحصل عليه من خام السولار المميز. وتشير أوراق الخلاف بين الجهتين إلى أن وزارة الدفاع وقعت عقداً في سبتمبر/أيلول 2013 مع شركة البترول الحكومية، لتخزين ونقل وتوريد أنواع مختلفة من الوقود، بينها نوع مخصص من السولار بمعايير أعلى من المتداول في السوق المصرية. وتم تحديد سعر الليتر بمبلغ 5.42 جنيهات لمدة سنة واحدة حتى منتصف 2014، ثم اتفق الطرفان على تمديد العقد والاستمرار في التوريد بالشروط والأسعار ذاتها.

وبعد الاتفاق على الاستمرار بشهر، أصدر رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، قراراً بتحديد سعر بيع ليتر السولار بالمواصفات العادية والخاصة بمبلغ 180 قرشاً لكل ليتر يسلم إلى شركات إنتاج الكهرباء، ومحطات الوقود، ومستودعات التوزيع العامة لباقي مستهلكي السولار. وتلقفت وزارة الدفاع هذا القرار باعتباره سبباً لخفض سعر السولار الخاص الذي تحصل عليه، وطالبت هيئة البترول بتعديل الأسعار المتفق عليها سلفاً، لتكتفي بدفع 180 قرشاً لليتر الواحد، أي نسبة الثلث تقريباً من المبلغ المتعاقد عليه سابقاً بين الطرفين. إلاّ أن هيئة البترول رفضت واعتبرت ذلك ظلماً لها، فالسولار الذي يتم توريده إلى وزارة الدفاع ينتج خصيصاً لها، بمواصفات تشغيلية تفوق مواصفات السولار الوارد بقرار رئيس الوزراء، فالسولار المورد إلى وزارة الدفاع هو منتج خاص بذاته، وبمواصفات كيميائية عالية لأنواع الاستخدام المطلوبة لتشغيل المعدات الحربية. ونظراً لعدم اتفاق الجهتين واختلافهما حول قيمة ما يتم توريده، تم عرض الأمر على إدارة الفتوى بمجلس الدولة لفض النزاع بينهما.

وتبين أن التعاقد الموقع بين الطرفين ينص على أن السعر الأساسي للسولار الخاص الذي تحصل عليه وزارة الدفاع "هو سعر متغير شهرياً طبقاً للسعر المعلن من الهيئة العامة للبترول، ويكون تحديدها للسعر ملزماً للطرفين بمجرد صدوره" ما يعني أن هيئة الإمداد والتموين في الجيش والجمعية التعاونية للبترول اتفقتا على العودة إلى هيئة البترول لتحديد سعر السولار الملزم للطرفين. وقدمت هيئة البترول مستندات تفيد أن السولار الذي يحصل عليه الجيش ينتج فعلاً بخصائص أعلى من السولار المعتمد في قرار رئيس الوزراء. ولم تعترض وزارة الدفاع على هذه المستندات، وهو ما اعتبرته إدارة الفتوى اعترافاً منها بصحة موقف الهيئة، بل إن إدارة الفتوى اكتشفت أيضاً أنه عندما كان الاتفاق بين الطرفين على توريد السولار الخاص بسعر 5.42 جنيهات لليتر الواحد، كان سعر السولار المتداول في الأسواق 75 قرشاً فقط، ما يفقد وزارة الدفاع أي حق في المطالبة بتخفيض سعر الليتر إلى الثلث تقريباً. وحكمت إدارة الفتوى في النهاية بعدم أحقية وزارة الدفاع بما طلبته، واستمرار توريد السولار لها بالسعر المرتفع المتعاقد عليه سابقاً، وعدم تطبيق قرار رئيس الوزراء الخاص بالسعر المنخفض عليها.


وتوضح مصادر وزارة البترول أن السولار الخاص الذي تشتريه وزارة الدفاع من شركة البترول الحكومية لا يقتصر على الاستخدامات الحربية، بل يستغل أيضاً في بعض المصانع الحربية وأوجه التشغيل الاقتصادية التي تتطلب نوعاً جيداً من الوقود، لكن محطات الوقود التابعة للجيش، والمعروفة بـ"بنزينات وطنية"، تحصل على الوقود بسعر مخفض آخر، لأنها تستغله في أغراض تجارية، شأنها شأن شركات البترول التابعة للقطاع الخاص. وتؤكد المصادر أن السولار الخاص، الذي تنتجه شركة البترول الحكومية، يباع إلى مصانع وجهات أخرى بأسعار أعلى من 5.42 جنيهات المحدد لوزارة الدفاع، وذلك نظراً للوضع الخاص الذي يتمتع به الجيش في الدولة المصرية، والتسهيلات المالية والإدارية التي ينص القانون على منحه إياها.

وبينما يقدر بعض المراقبين نسبة إسهام الجيش في الاقتصاد المصري بنحو 40 في المائة، قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مايو/أيار 2014، إن "النسبة لا تتجاوز 2 في المائة"، لكن فترة حكم السيسي شهدت توسعاً غير مسبوق في أنشطة الجيش الاقتصادية، حيث صدرت قرارات وقوانين تجيز له تأسيس شركات مساهمة بالمشاركة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وتم إسناد جميع مشروعات إصلاح وشق الطرق للهيئة الهندسية في الجيش، وأصبح جهاز الخدمة الوطنية، التابع مباشرة لوزير الدفاع، هو المتحكم في تشغيل وإدارة أهم طرق المواصلات بدلاً من وزارة النقل. وبلغ توسع الجيش، في أعماله الاقتصادية والتجارية، حد مطالبة اتحاد الصناعات بعقد اجتماع مع وزير الإنتاج الحربي، اللواء محمد العصار، لبحث استحواذ الجيش وهيئاته على معظم المشاريع الصناعية من دون التنسيق مع شركات القطاع الخاص، ما أثر بشكل سلبي على الاستثمارات المحلية والأجنبية، بحسب كلمة لرئيس غرفة الصناعات الهندسية، محمد المهندس، في مؤتمر للغرفة الأحد الماضي.