كارثة الأمطار تثير خلافات بين المسؤولين المصريين... والرقابة الإدارية تعزز دورها

28 ابريل 2018
أولى السيسي اهتماماً كبيراً بالرقابة الإدارية (Getty)
+ الخط -
يبدو أن أزمة الأمطار الغزيرة المفاجئة التي حلّت على العاصمة المصرية القاهرة وكشفت تردي البنية التحتية للمناطق الثرية والفقيرة والقديمة والحديثة على حد سواء، ستخلّف آثاراً سياسية يتعذّر تداركها بين أجهزة النظام الحاكم. ولم تشفع الأجواء الودية المصطنعة بين الوزراء والمسؤولين البارزين الذين يعتمد عليهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتكريس سيطرته على أجهزة الدولة، في التغطية على وجود مشاكل حقيقية بينهم، تتمثّل في رغبة كل منهم في الظهور بصورة المسؤول المعصوم من الخطأ أمام السيسي أولاً، إذ عمد بعضهم إلى تسليط الضوء على القصور في عمل الآخرين بهدف الصعود لمناصب أكبر والاستحواذ على رضا الدائرة الخاصة بالرئيس.

وقالت مصادر حكومية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن السيسي عقد اجتماعاً سرياً أول من أمس الخميس في قصر الرئاسة، مع رئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزراء الإسكان والكهرباء والنقل والتنمية المحلية، إلى جانب اللواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية، واللواء عباس كامل مدير مكتب رئيس الجمهورية والاستخبارات العامة، وعدد من مسؤولي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وبحسب المصادر فإن الاجتماع كان عاصفاً بسبب غضب السيسي من ردة الفعل الشعبية القاسية تجاه المسؤولين، نتيجة فشلهم في التصدي للأمطار الغزيرة، وافتضاح سوء حالة المرافق حتى في المناطق الأحدث والأكثر تطوراً وثراء كالقاهرة الجديدة والمنتجعات السكنية شرق العاصمة، والتي يتمتع السيسي فيها بشعبية ملحوظة. وتتركز في هذه المناطق معظم مشاريع الطرق والمرافق التي يفاخر السيسي بتنفيذها خلال ولايته الرئاسية الأولى.


وأوضحت المصادر أن الاجتماع شهد تراشقاً بالاتهامات ومحاولات للتنصل من المسؤولية من قبل معظم المسؤولين، خصوصاً بين وزير الإسكان مصطفى مدبولي ووزير التنمية المحلية أبوبكر الجندي، وكذلك بين مدبولي ومسؤولي وزارة الدفاع على مستوى آخر. مع العلم أن مدبولي، وهو المرشح الأبرز لتولي منصب رئيس الوزراء خلفاً لشريف إسماعيل حالياً، يتولى المسؤولية عن وضع شروط المقاولات وتسلّم الطرق من الهيئة الهندسية. كما أنه المسؤول عن وضع اشتراطات الأبنية بشكل عام بالتنسيق مع أجهزة المدن الجديدة التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية التي يرأسها، وبالتالي فإنه تلقى القدر الأكبر من الأسئلة من قبل السيسي وباقي المسؤولين.

وحاول مدبولي تحميل المسؤولية للهيئة الهندسية وباقي شركات المقاولات المتعاملة معها ومع وزارة النقل، نظراً لسوء تنفيذ الطرق تحت ضغوط سرعة تسليمها من دون الالتزام بالشروط الأصلية الموضوعة. ويمسّ هذا الموضوع مباشرة السيسي نظراً لضغطه على الأجهزة الحكومية لإنهاء الأعمال الإنشائية للمرافق والطرق بسرعة وتسليمها قبل المواعيد المتوقعة لها، واستخدام هذا الأمر كمدعاة للتفاخر بسرعة الإنجاز، بغض النظر عن كفاءة التنفيذ. وأدى هذا الأمر أكثر من مرة لظهور عيوب في المشاريع المسلّمة بعد افتتاحها مباشرة، خصوصاً الطرق والجسور.


وأشارت المصادر إلى أن الاجتماع وما سبقه وما تلاه من اتصالات حكومية، كشف وجود نوع من التنسيق بين وزير التنمية المحلية والهيئة الهندسية للجيش، وكذلك رئيس الرقابة الإدارية المعروف بصداقته وعلاقته الوطيدة بالسيسي، لتحميل المسؤولية للوزراء غير المنتمين للخلفية العسكرية، كوزير الإسكان مصطفى مدبولي، ووزير الكهرباء محمد شاكر. وعلى الرغم من أن الأخير يعتبر من أنجح الوزراء الذين اعتمد عليهم السيسي منذ توليه السلطة، إلا أنّ عرفان والجندي اتهماه بالتقصير في تحديث بعض محطات الكهرباء منخفضة القدرة وتطويرها وتأمينها، ما كاد أن يؤدي إلى كوارث محققة في بعض مناطق القاهرة الكبرى.

وربطت المصادر بين هذا التنسيق ورغبة بعض الأجهزة في إسناد رئاسة الحكومة المقبلة لشخصية عسكرية، حتى ولو بإرغام السيسي على ذلك، الأمر الذي لا يميل له الأخير في الأساس. ولا يريد السيسي إسناد المنصب، حتى الآن، لشخصية عسكرية تكون لها مجموعات تابعة لها ضمن الجيش أو أي أجهزة أمنية أو استخباراتية. كما أنه لا يرغب في تولية المنصب لأي شخصية كاريزمية حتى يسهل توجيه رئيس الحكومة، ويكون أكثر تحملاً وصمتاً إزاء الهجوم الإعلامي أو السياسي.

وفي محاولة للقفز على الأسباب المحورية لما حدث وإبعاد اتهامات التقصير عن الهيئة الهندسية للجيش، كلف السيسي عرفان بإعداد تقارير موسعة عن أسباب تحوّل هذه الأزمة إلى كارثة بيئية ومرفقية في بعض المناطق، والإسراع بتقديم المسؤولين من مختلف الدرجات الوظيفية إلى الجهات القضائية المختصة، وعلى رأسها النيابة العامة والنيابة الإدارية. وقالت مصادر أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الرقابة الإدارية استدعت إلى مركزها الرئيسي بمدينة نصر أمس الجمعة عدداً من المسؤولين في جهاز مدينة القاهرة الجديدة ووزارة الإسكان ووزارة الكهرباء ومحافظتي القاهرة والجيزة.


وتأتي هذه التحركات في إطار توسيع سلطات الرقابة الإدارية وتحولها من هيئة تجمع المعلومات عن الفساد وتجري تحريات عن وقائع بعينها، إلى ما يشبه "الحكومة الموازية" التي تمارس دوراً رقابياً على الحكومة نفسها، خصوصاً بعد نقل تبعيتها من رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، وتأطير صورتها خلال العامين الماضيين كـ"المحارب الأبرز للفساد"، فضلاً عن ممارسة أدوار غير تقليدية كالتحري عن المرشحين لشغل المناصب القضائية والدبلوماسية وليس فقط الوظائف الإدارية والوزارية.

وأولى السيسي منذ وصوله لرئاسة الجمهورية اهتماماً كبيراً بالرقابة الإدارية، فأجرى تعديلات واسعة على هيكلها دافعاً بأعداد كبيرة من ضباط الاستخبارات الحربية والاستخبارات العامة للعمل بها بدلاً من ضباط الشرطة، ثم عيّن أحد أصدقائه خلال فترة خدمته بالجيش، وهو محمد عرفان، رئيساً للهيئة عام 2015. كما عيّن السيسي نجله مصطفى عضواً بالمكتب الفني لرئيس الهيئة، ثمّ بدأت حملة إعلامية، ولا تزال مستمرة، لإبراز عمل الهيئة ودورها في الرقابة على الأجهزة الحكومية ومشاركتها في بعض الحملات الخدمية والاجتماعية، وصولاً إلى إسنادها اختصاص الإشراف على إدارة مشاريع بعيدة تماماً عن اختصاصها المحدد قانوناً، كالمشروع القومي للمعلومات المعروف بـ"بناء ذاكرة الأمة"، ومدينة دمياط للأثاث، وتطوير ميناء الإسكندرية وميناء سفاجا البحري.

المساهمون