وفيما نفت أجهزة الأمن حملة الاعتقالات، مشيرة إلى أنّ من أُلقي القبض عليهم "مشتبه بارتكابهم جرائم إرهابية"، تؤكّد مصادر أمنية رسمية، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الأمن، ألقت القبض على 800 شخص، معظمهم من طلاب كليات الطب والصيدلة في جامعة الأزهر، بذرائع أمنية بينها اعتبارهم "خطراً على الأمن القومي للبلاد".
وقد شملت حملة الاعتقالات التي قامت بها القوات الأمنية المحافظات الأربع عشرة التي ستُجرى فيها الجولة الأولى من الانتخابات، وهي؛ الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، الإسكندرية، البحيرة ومرسى مطروح.
وشهدت محافظة الإسكندرية عمليات اعتقال واسعة، استهدفت خصوصاً مواطنين في الصف الثاني والثالث من "جماعة الإخوان"، تم القبض عليهم من دون توجيه أي تهم لهم. كذلك تم اعتقال عدد منهم في الصباح من دون علم أهلهم، ومنهم من أُلقي القبض عليه في وقت متأخر من الليل من قبل العناصر الأمنية التي يطلق عليها "زوار الفجر".
من جهتها، دانت مجموعة من المنظمات الحقوقية الحملة الأمنية و"التضييق" على عدد من المواطنين وإرهابهم قبل إجراء الانتخابات، مطالبة بالإفراج عن كافة المعتقلين فوراً. ودعت المنظمات السلطات إلى سرعة التحقيق مع الذين ألقي القبض عليهم أو الإفراج عنهم. كذلك دانت منظمات دولية حملة الاعتقالات والاحتجازات لعدد من منتمي التيارات الإسلامية ومعارضي النظام. وأكدت تلك المنظمات أنّ ما يحدث "ضربة موجهة ضد انتخابات حرة ونزيهة".
في موازاة ذلك، اشتعلت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، فيما وثّقت المدّونات حالات الاختفاء القسري والاعتقالات التي تتم بحق الشباب، والتي تأتي في إطار الحملات الأمنية قبل أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية. وندّد عدد من الطلاب بالحملة التي يقوم بها النظام ضد زملائهم وأقاربهم، مؤكدين أن ما يحدث ما هو إلا خوف من "التيار الإسلامي".
اقرأ أيضاً: الأمن المصري يختطف مواطنين ويخفيهم قسراً
ولجأ عدد كبير من الأهالي إلى منظمات حقوق الإنسان لمساعدتهم في البحث عن أولادهم المفقودين وأماكن سجنهم، بعدما اعتقلتهم أجهزة الأمن من دون ذنب اقترفوه. وقامت أسرة الطالب محمد مصطفى، من محافظة الإسكندرية، بالبحث عنه في المستشفيات وأقسام الشرطة من دون فائدة، بعدما أكد زملاؤه في العمل لوالده أنه خرج بعد انتهاء عمله. وعلمت أسرته في ما بعد أنه تم إلقاء القبض عليه، وذلك بعدما اتصلت إحدى الجهات الأمنية بعمله لأخذ معلومات عنه. من جهتها، تؤكد والدة محمد عبد الناصر مدكور، أنّ نجلها، الطالب في كلية الصيدلية في جامعة الأزهر، ألقي القبض عليه من أمام الجامعة، موضحة لإحدى المنظمات أن ابنها بعيد عن عالم السياسة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن 270 شخصاً ممن ألقي القبض عليهم أخيراً، اختفوا قسراً بعدما اختطافهم. وتزايدت أعداد المختفين قسراً تباعاً بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وبعدما كانت جهات حقوقية تقدر عدد المختفين قسراً في مصر بأكثر من 100 شخص عقب الثورة، تضاعفت الأعداد بعد فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013، فيما تشير تقديرات لمنظمة ضحايا لحقوق الإنسان إلى اختفاء نحو 1300 شخص، بينهم نساء وأطفال.
وفي السياق، يرى المحامي نبيه الوحش، أن إلقاء القبض على الشباب أو الاختفاء القسري، مخالفة للقانون والدستور وللمعاهدات الدولية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هذه الظاهرة لا يمكن أن تحدث في دولة يحكمها الدستور". ووفقاً للوحش فإن "الكارثة تكمن في أنّ أجهزة الأمن لا تعطي ردوداً رسمية في هذا السياق، وتدّعي عدم قيامها بمثل تلك الأفعال، ليتضح في نهاية المطاف أنّها هي من قامت بتلك العملية". ويلفت الوحش إلى أنّ "الأمن، ومع كل انتخابات، يقوم بمثل تلك الأفعال باحتجاز أو اختطاف أشخاص معينين، وهو شيء واضح للجميع، وبعدها يطلق سراحهم من دون اعتذار".
في السياق نفسه، طالبت هيئة المفوضين في محكمة القضاء الإداري، في مجلس الدولة، رئاسة الجمهورية، ووزارة الداخلية والدفاع، في تقرير لها، بـ"الإفصاح عن مصير المختفين قسراً في مصر، والذين تجاوزت مدّة إخفائهم العامين، بعد أحداث 3 يوليو/تموز2013 وحتى الآن، محذّرة من أن الإخفاء القسري يعدّ من الانتهاكات الخطيرة للدستور والقانون المصري، وأيضاً للمواثيق الدولية". ويأتي هذا التقرير، بناء على الدعاوى في الطعون أرقام 24465، 24468، 24469، والتي أقامتها "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، والتي تقدمت بهذه الطعون لمصلحة أسر الضحايا المختفين قسراً.
ويوضح التقرير الأسباب القانونية التي بموجبها يقتضي الإفصاح عن مصير المختفين قسراً، مشيراً إلى أنّ هذا الامتناع هو امتناع عن واجب دستوري والتزام قانوني. ويستند في موقفه إلى نصوص المواد 54 و94 و99 من الدستور التي تنص على "سيادة القانون والحرية الشخصية، وعلى أنّ كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم"، مؤكّداً مسؤولية المجلس القومي لحقوق الإنسان، بالتدخل في الدعوى منضمّاً إلى المضرور بناء على طلبه، طبقاً للمادة 99 من الدستور.
اقرأ أيضاً: الأمن المصري يعتقل مواطناً ويلفق له اتهامات عقب اعتقاله