منذ العام 1952 وحتى الآن، أعلنت الحكومات المصرية المتعاقبة عن "جهود" يبدو أنها إعلامية فقط لمحو الأمية، إلا أن المشكلة ما زالت باقية.
وتقدّر نسبة الأمية وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بحوالي %29، (فيما الإحصاءات الدولية تقدرها بـ 36% على الأقل) وهي من أعلى النسب في العالم، وتمثل 12.5 مليون مواطن ومواطنة من شريحة القوة العاملة في مصر، منهم حوالي 37% من الذكور و63% من الإناث.
ورغم مرور ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير، فإن الحكومة الحالية تفكر أيضاً بالمنهج التقليدي نفسه من دون وجود مشروع قومي حقيقي يقضي على هذه المشكلة الخطيرة، مثلما نجحت دول عديدة في محو عار الأمية في سنوات قليلة.
وتعرّف أستاذة الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة عزة كريّم الأمية ببلوغ الشخص الثانية عشرة من عمره ولم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وكذلك الحساب.
وترجع أسباب هذه الظاهرة لعدة عوامل، منها: الزيادة السكانية الكبيرة، وضعف الأنظمة التعليمية التي تؤدي لتسريب الأطفال من التعليم، وعدم فرض التعليم الإلزامي بشكل كامل، وكذلك عجز الحكومات عن توفير مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية والتربوية، وانخفاض مستوى المعيشة ومستوى الدخل.
وترى كريّم أنه لعلاج ظاهرة الأمية، لا بد من فرض تطبيق التعليم الإلزامي، وعقد دورات للأميين الكبار، ونشر الوعي بين المواطنين، وتقديم الحوافز المادية والمعنوية للمتحررين من الأمية.
برامج محو الأمية منذ انطلاقها حتى اليوم
ورغم أن محاولات محو الأمية في مصر بدأت العام 1886، لكنها لم تأخذ الشكل القانوني ولم تنفذ على نطاق قومي واسع، إلى أن صدر أول قانون لمحو الأمية في العام 1944، وأوكل أمر تنفيذه لوزارة الشؤون الاجتماعية. وبعد يوليو/تموز 1952 أقرت مصر قانون التعليم الإجباري للأطفال ما بين سن 6 أعوام و12 عاماً سنة 1953، وتبنّت مصر سياسة مكافحة الأمية العام 1976، وقد استطاع البرنامج محو أمية 4.5 ملايين شخص، إلا أنه بالرغم من تناقص نسبة الأمية بين السكان، فإن أعداد الأميين بازدياد، وذلك لارتفاع معدلات النمو السكاني في مصر.
وشهدت مصر 5 حملات قومية لمحو الأمية، خلال السنوات الأربع الماضية دون أن يكون لها أثر ملموس، آخرها حملة "المليون لمحو الأمية"، التي أطلقها وزير الشباب والرياضة الحالي خالد عبد العزيز، وقال في حفل إطلاقها: إن "عدد الأميين في مصر يبلغ 17 مليون شخص، النسبة الأكبر منهم في محافظة الفيوم، بنسبة 42% من عدد سكانها، ما يجعلها قضية أمن قومي"، مضيفاً "إذا انصلح حال التعليم، انصلح حال مصر كلها، والمبادرة لن تكون مثل سابقاتها".
وأضاف عبد العزيز أن كل مراكز الشباب على مستوى الجمهورية، والبالغ عددها أكثر من أربعة آلاف مركز، ستكون مقراً للحملة بحيث تبدأ بنحو 10 محافظات، وتنتهي في أغسطس/آب 2015، كما تشارك في الحملة الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، والهيئة القبطية الإنجيلية، وممثلون عن وزارة القوى العاملة، والعديد من الجمعيات الخيرية والمجتمع المدني.
وتابع "العربي الجديد" الموقف في عدد من مراكز الشباب بالمحافظات التي حددها الوزير، ومنها محافظة الجيزة، واكتشف أن الحملة تكاد تكون معدومة في معظم مراكز الشباب.
وقال أحد العاملين بمركز شباب الوفاء والأمل في منطقة الهرم "سمعت عن الحملة في وسائل إعلام ولكن لم تصلنا أية مكاتبات، ولا يوجد لدينا حالياً أية أنشطة خاصة بمحو الأمية".
إحصاء مرتقب لعدد الأميين في مصر
وحتى الآن لا تمتلك مصر معلومات دقيقة عن عدد الأميين في كل محافظة على حدة، وهي في الأغلب أرقام تقديرية، تشير إلى أن الفيوم تحتل المركز الأول، بنسبة 37% من إجمالي 17 مليون أميّ لا يجيدون القراءة والكتابة. وكان عامل الفقر وتدني مستوى المعيشة الذي احتلت بسببه المحافظة المركز الثامن على مستوى الجمهورية، وفقاً لتقديرات الصندوق الاجتماعي للتنمية العام 2013، هو الدافع الأول لتسرب وحرمان أطفال المحافظة من تعليم المرحلة الابتدائية.
وفي محاولة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للوصول إلى الأرقام الحقيقية، قرر في ديسمبر/كانون الثاني الماضي وضع خطة مسح شاملة لأعداد الأميين في كل محافظة على حدة، بدأها بمحافظة السويس، من خلال برنامج يشمل إرسال فرق مدربة للمحافظة لتقوم بأعمال الحصر للأميين بالمناطق المختلفة بالتعاون مع الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ومحافظة السويس، مع تنظيم دورات توعية للأميين ودورات تدريبية للمدربين.
وبالرغم من ملايين الجنيهات المرصودة في ميزانية الدولة والمليارات التي تأتي عبر المنح الدولية، فإن خبراء عديدين يرون عدم جدوى ذلك في ظل غياب الرؤية العامة، ومن هؤلاء الرئيس السابق للهيئة العامة لمحو الأمية، الدكتور رأفت رضوان الذي صرح أكثر من مرة بـ"أن القضاء على الأمية يحتاج إلى إرادة سياسية، وتكاتف أبناء الوطن، لإنهاء هذه المشكلة التي لا تستطيع الحكومة بمفردها مواجهتها"، مضيفاً أن "مصر تحتاج إلى مشروع قومي لمحو الأمية، يلتف حوله الجميع".
أفكار جديدة للقضاء على الأمية
أما الخبير في قضايا محو الأمية بشير صقر، فقد أعد مجموعة دراسات تضمنت
أسباب فشل خطط مكافحة الأمية لتحقيق أهدافها، وتمثلت في عدم وجود الدافعية لدى الأميين للالتحاق بفصول محو الأمية حيث بلغت نسبة الانتظام الفعلي بالفصول حوالي 30% على الرغم من افتتاح أعداد كبيرة من الفصول.. وأيضاً عدم تحديد الأدوار وترك تحديدها لمراحل لاحقة، ما أدى إلى عدم تنفيذ هذه الجهات لأدوارها المحددة، ونقص الاعتمادات المالية وارتفاع تكلفة التنفيذ وضعف المشاركة الشعبية.
كذلك اقترح عدة حلول للقضاء على الأمية، من بينها ضرورة تبنّي أفكار جديدة للقضاء على تلك المشكلة، في مقدمتها الاستفادة من الأعداد الكبيرة لطلاب الجامعات، وضرورة استبدال مادة التربية العسكرية في المدارس الثانوية وإلزام الطلاب بتعليم عدد من الأميين، والاستفادة من الأعداد الكبيرة للموظفين في بعض الهيئات التي تعاني من التكدس بمنحهم إجازة بمرتب كامل مقابل تعليم عدد من الأميين. واقترح تطبيق النظام نفسه على الملتحقين بالخدمة العامة مقابل مبلغ شهري مناسب، مستغلين قدراتهم على الاتصال بالمواطنين في التسويق لهذا العمل.