بادرت وسائل إعلام مصرية بتمهيد الرأي العام لارتفاعات قياسية في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، وموجة جديدة من ارتفاع الأسعار في مختلف السلع الاستهلاكية خلال الأيام المقبلة، وذلك على خلفية الزيادة المرتقبة لأسعار الوقود بعد تقليص الدعم عن المواد البترولية، والتلميحات التي أطلقها محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر بتخفيض جديد في قيمة الجنيه المصري.
كان طارق عامر قد أدلى بتصريحات صحافية قال فيها: "لن أفرح باستقرار سعر الصرف والمصانع متوقفة، سآخذ القرارات الصحيحة من وجهة نظري وأتحمل نتائجها، واستهداف سعر العملة بغرض الحفاظ عليه كان خطأ فادحاً وكلف الدولة مليارات الدولارات".
وقالت وكالة بلومبرغ في تقرير سابق لها، إن مستثمرين مصريين يتوقعون أن يقدم البنك المركزي على تخفيض جديد للجنيه المصري في عطائه المقرر للدولار، الثلاثاء 12 يوليو الجاري.
وألقت الإعلامية لميس الحديدي اللوم على الشعب المصري، وقالت خلال برنامجها "هنا العاصمة" المذاع عبر فضائية "سي بي سي" إن مصر تعاني من موقف مالي "هش" والمزعج هو استيراد رفاهيات بكميات مهولة، مؤكدة أن سلوكيات الشعب المصري من أسباب ضعف الاقتصاد.
وتابعت الحديدي: "مصر استوردت ياميش ومكسرات من الخارج بقيمة ملياري جنيه.. يحصل إيه لو مكلناش (لم نأكل) ياميش رمضان لمدة سنتين هنخس (سيتراجع وزننا) مثلًا" مستطردة أن مصر تستورد لحوم البقر المجمدة بـ 250 مليون دولار، وهناك زيادة باستيراد الهواتف المحمولة واستيراد إطارات سيارات بـ 160 مليون دولار.
وأوضحت الإعلامية المصرية أن تقرير شركة موديز للتصنيف الائتماني أكد أن مصر تعاني من عجز بميزان المدفوعات والموازنة مشيرة إلى أن موديز تحذر من أنها قد تضطر لتخفيض التصنيف الائتماني لمصر.
واستضافت الحديدي في برنامجها، رئيس شركة ميريس للتصنيف الائتماني، عمرو حسنين، الذي أكد بدوره أن نحو 60% من الاقتصاد المصري غير رسمي، وهو ما يفسر الخلل الموجود لافتا إلى أن عائد السياحة انخفض بشكل كبير وأعطى مثالا بأنه في مارس 1998 عندما كان هناك سياحة جيدة كان الدخل الناتج عنها 14 مليار دولار في السنة وصار حاليا ملياري جنيه فقط في السنة.
وأشار حسنين إلى أن الشعب المصري حتى الآن منعزل عن العمل على إصلاح أحواله بنفسه قائلا "هناك أزمة حقيقية، ولكن الشعب يتصرف وكأننا بدون أزمات، ويتوافق مع ذلك عدم قدرة الحكومة السيطرة على الاقتصاد ككل".
وأكد أن هناك استهلاكا كبيرا مع نقص في كفاءة العمل، مضيفا أن تقرير موديز عن وضع الاقتصاد المصري لم يضف جديدا لم نعرفه، والتقرير أشار على استحياء إلى بعض المؤشرات الإيجابية.
وأشار إلى أن من ضمن طرق معالجة العجز الشديد هو أزمة سعر صرف الجنيه أمام العملات الصعبة، وقال إن مصر ستضطر إلى تخفيض الجنيه وبالتالي لابد أن نغير أنماط الاستهلاك.
وفي برنامج "اليوم في ساعة" المذاع عبر فضائية "النهار اليوم" قال رئيس المنتدى المصري الاقتصادي، رشاد عبده، إن خفض سعر الجنيه المصري سوف يزيد الفجوة في سعر الدولار بالسوق السوداء بحوالي 4 جنيهات، مشيرا إلى أن تدهور السياحة في مصر ليس حله خفض قيمة الجنيه، لأن سبب الأزمة هو أن دولا كثيرة توقف رحلاتها وتحظرها إلى مصر بسبب مشكلة تأمين المطارات.
من جانبه علق وزير التموين والتجارة الداخلية، خالد حنفي قائلا: إن هناك اتجاها كي لا نغير أسعار المنتجات التي تطرح في منافذ الحكومة، وأشار إلى أن التضخم يحدث لارتفاع التكاليف بشكل عام وارتفاع التكاليف يكون نتيجة للقيمة الخارجية من العملة، ونحن نستورد معظم غذائنا حتى الآن، وأي تغير في سعر الصرف ينعكس على الفاتورة الخاصة بالسلع الغذائية".
وأضاف أن الدولة لا تشجع المواطنين على استهلاك المنتجات الترفيهية، لافتا إلى أن المنتجات الترفيهية عليها ضريبة جمركية تجعل سعرها في متناول الأفراد القادرين فقط، والدولة لا تشجع المواطنين على استهلاك المنتجات الترفيهية.
وقال أمين عام اتحاد الغرف التجارية، علاء عز، في برنامج "اليوم في ساعة" إننا كدولة ننتج نفس الكم من السلع والخدمات وتم رفع الأجور بنسبة عالية لذلك لابد أن يحدث تضخم وقال إن أعلى نسبة تضخم كانت في صالح الرعاية الصحية ثم الطعام والمشروبات ثم المطاعم. وأكد على ضرورة تغيير نمط الاستهلاك لدى المواطن المصري، وأهمية المشاركة المجتمعية في أن يشتري المواطن المصري ما يحتاجه فقط.
وأضاف أن الدولة لا تملك منع الاستيراد، ولكن تملك أن تحرك الجمارك على السلع التي ترى أنها غير ضرورية وتقليل الجمارك على السلع الأساسية وزيادة الجمارك على السلع الترفيهية.
أما في برنامج "الساعة السابعة" الذي يقدمه الإعلامي عمرو خليل، على قناة "سي بي سي إكسترا" فقد قال مستشار صندوق النقد الدولي السابق، وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، فخري الفقي، إن المشكلة الوحيدة تكمن في الدين العام المحلي الذي تفاقم ووصل إلى 98% من إجمالي الناتج المحلي، مشيرا إلى أن البنك المركزي مسؤول وحده عن إدارة أدوات النقد في البلاد وفقا للدستور والقانون.
وأشار الفقي، إلى أن الأزمة الكبرى في الدين العام الداخلي، خاصة أنه يمثل وحده حوالي 83% من الناتج المحلي، ذلك أن قيمته بلغت نحو 2.5 ترليون جنيه مصري، في حين أننا ننتج ما يعادل 3.1 ترليون جنيه، موضحا أن الدين الخارجي لمصر 53.5 مليار دولار، وليس 45 مليارا كما تردد.
وطالب وكيل لجنة الصناعة والطاقة بمجلس النواب المصري، محمد بدراوي، البنك المركزي بتوحيد سعر الصرف بعد الانخفاض الحاد في سعر الجنيه أمام الدولار، قائلا: "السوق الموازية هو المتحكم في سعر صرف الدولار والبنك المركزي لم يعمل ضد هذا الأمر".
وأضاف أننا نحتاج إلى أدوات مالية مساعدة، متوقعا أن يستمر تهاوي قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية ضعف ماهو عليه الآن إذا استمرت إدارة السياسة النقدية والمالية عام واحد جديد على هذا النحو.
وتعاني مصر نقصا حادا فى السيولة الدولارية منذ عامين، ما دفع البنك المركزي في شهر مارس إلى تخفيض العملة المحلية أمام الدولار، بقيمة 14% كخطوة احترازية للسيطرة على أسعار السوق الموازي والتي كانت تتخطى بالكاد 9 جنيهات للدولار، إلا أن تلك الخطوة لم تكن مفيدة بالقدر الكافي، وعادت الأسعار في السوق الموازي لتتجاوز 11 جنيها.
وسددت مصر آخر دفعة من الوديعة القطرية بقيمة مليار دولار الشهر الماضي، ويستعد البنك المركزي لسداد 800 مليون دولار يوليو الجاري لمصلحة دول نادي باريس، بجانب 250 مليون دولار لمصلحة ليبيا، وفقاً لتصريحات محافظ البنك المركزي.
وارتفع الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة لدى البنك المركزي إلى 17.546 مليار دولار فى نهاية يونيو 2016، مرتفعا بنحو 26 مليون دولار عن مايو.