تقرير حقوقي يرصد التفاوت الطبقي في مدارس مصر

08 مايو 2018
تدهور أوضاع المدارس الحكومية (Getty)
+ الخط -

أصدرت منصّة العدالة الاجتماعية -منظمة مجتمع مدني مصرية- اليوم الثلاثاء، تقريرًا بعنوان "المدارس والتفاوت الطبقي: من ينفق على التعليم في مصر؟"، يناقش عبء الإنفاق على التعليم، متسائلًا عن أي فئات من الأسر، بمختلف خلفياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقدر على شراء خدمات التعليم.

وطرحت المنظمة تساؤلًا عن الدور الفعلي للحكومة فيما يتعلق بخدمات التعليم في ظل سياسات "تحرير قطاع التعليم"، وما إذا كان هذا الدور شاملًا للإنفاق على أبسط ركائز العملية التعليمية، كتوفير الأراضي، والمبنى المدرسي، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار البناء والتشييد، وكيف تطوّر دور الدولة، القائمة على بناء وإدارة المدارس العامة التي تغطي أنحاء الجمهورية، في ظل سياسة تحرير التعليم، وإذا لم تكن الحكومة قائمة على هذه الأدوار، فمن ينفق على التعليم.

كما طرح التقرير السؤال الأهم لتطوير التعليم، وهو المتعلق بالإنفاق على القطاع، فعندما اعتمد وزير التعليم في شرحه للنظام على المواد الدستورية، تجاهل وهمّش التزامات الدولة في تخصيص 4 في المائة من الناتج المحلي للإنفاق على التعليم قبل الجامعي، والارتفاع بالنسبة لتصل إلى المعايير العالمية، ومراعاة الأوضاع المالية والأدبية للمعلمين.

وأكد أن " الدولة لم تلتزم بالاستحقاقات الدستورية بشكل مباشر، بل تحايلت عليها بدمج بنود من قطاعات أخرى إلى نسب الإنفاق للارتفاع بها، ولم ترفع أجور المعلمين لتضمن لهم حياة كريمة ومكانة أدبية مرتفعة، في ذات الوقت التي ترفع فيه أجور الوزراء والمحافظين ونوابهم ومسؤولين آخرين بموجب قانون من البرلمان".

وأوضح أنه "ليس بين المصريين من يعترض على أولوية تطوير التعليم، ولكن يمكن الاعتراض على وضع خطة تتجاهل الأسباب الأساسية التي أدت إلى فشل المنظومة التعليمية، ومن بينها ارتفاع الكثافات الطلابية، وتردّي أجور المعلمين، وانخفاض أعدادهم ونسبهم بالقياس للطلاب، وتدنّي مستوى المناهج الدراسية"، و تابع "عندما نتحدث عن الجودة والمعايير العالمية، علينا أن نعي تلك المحاور ونعمل على تحسينها بصورة شاملة ومترابطة".

وأضاف "تطوير أساليب وأدوات وطرق التدريس هو أساسي بالتأكيد، ولكن تطويرها بصورة مجردة، ودون تحسين باقي العوامل الضرورية في العملية التعليمية، سينتهي بالضرورة إلى الفشل".

وتطرق التقرير أيضا إلى التعليم الخاص بنوعيه، مدارس اللغات والمدارس الدولية، والذي لن يؤثر فيه النظام الجديد، بل على العكس، سيظل محتفظًا بمميزاته من جودة وضمان لإتقان اللغات الأجنبية في بداية المراحل الأولى من التعليم ما قبل الابتدائي والابتدائي.

أما عن الفئات التي تتمتع بالرأسمال المادي والثقافي لدعم ذويهم وإلحاقهم بنظم تعليمية تضمن لهم رفع مستوياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فقد أكد تقرير المنظمة أنه "يوجد قلق كبير من خسارة تلك المميزات التي طالما كانت أساسية لتلك الفئة. ويزيد الأمر سوءًا أن تجرّب الدولة نظامًا تعليميا جديدا على فئات أخرى لا تملك أي خيار سوى إلحاق أطفالها بالتعليم الحكومي العام، نظرًا لخلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وهم المهمشون أو غير القادرين على تحمل تكاليف المدارس الرسمية للغات أو الخاصة والدولية، فتحولوا إلى حقل تجارب لنموذج ليس له أسس واضحة يمكن البناء عليها فيما بعد، ولم يتطرق إلى المشاكل المستعصية في العملية التعليمية".

واعتبر التقرير أن انكماش التعليم الحكومي ذي الميزانية الضئيلة والخدمة الرديئة بالنسبة للتعليم الخاص معضلة أساسية ومحرك لإعادة إنتاج التفاوت الطبقي والتوسع فيه.

كما لفت إلى أنه "في ظل التحولات الاقتصادية وتدهور أوضاع المدارس الحكومية، أصبح الإنفاق على التعليم مسؤولية الأسرة، وأصبح تسرّب الأبناء من التعليم مصير من لا يتحمل عبء هذا الإنفاق. ففي المسح السكاني الأخير لتعداد السكان لعام 2017، اتضحت ثلاثة أسباب رئيسية للتسرب من التعليم، وتتمثل في: عدم رغبة الفرد في التعليم كسبب أول، وعدم رغبة الأسرة في تعليم ذويهم كسبب ثانٍ، ثم جاءت الظروف المادية للفرد أو الأسرة في المرتبة الثالثة. 

وبحسب التقرير فإنه "لا ضرر في أن ينفق الأغنياء الآلاف على التعليم، ولكن الضرر حين يمنع الفقراء من الحد الأدنى من الفرص في التعليم ذي الجودة بسبب فقر آبائهم وأسرهم، ثم يكون سوء تعليمهم من جديد سببا في فقرهم وفقر أبنائهم. فنظام التعليم يمكن أن يكون آلية لإعادة توزيع الفرص بين أطراف وطبقات المجتمع، أو أن يكون آلية لترسيخ عدم المساواة واتساع الفجوات بين المواطنين. وإذا كان نظام التعليم لدينا يسير في الاتجاه الآخر، فا هو إلا أداة لإعادة إنتاج الفقر والتهميش".

وخلص التقرير إلى أن "تحقيق العدالة في مجال التعليم هو أولى الخطوات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة أطراف الشعب، وعلى التعليم أن يكون قوة لتحقيق المساواة وإتاحة الفرص بين المواطنين، ويتحقق ذلك من خلال رصد التحولات التي حدثت في قطاع التعليم بطول فترات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وتحليل دور الدولة والقطاع الخاص في إنجاز تلك التحولات، وتقييم الاستراتيجيات والمشروعات السابقة التي أدت في النهاية إلى انهيار منظومة التعليم المصري، ومحاولة معالجتها، لا تجاهلها، حتى لا يكون التعليم آلية لتغييب المساواة وتوسيع الفجوات بين المواطنين".

 

المساهمون