وفي بداية الأمر، كان لا بد لأي مواطن في سيناء أن يأتي بأوراق جدوده الخمسة، كأسمائهم وتواريخ ميلادهم، أي بالعودة إلى ما قبل 150 عاماً، بالإضافة إلى أوراق عدد من الأعمام والأخوال والإخوة، ليثبت أنه مصري، وذلك ليحق له تملك العقار الذي يسكنه في الوقت الحالي، وكذلك الحال بالنسبة للأراضي الزراعية. إلا أنّ الضجة المتنامية في أوساط المواطنين دفعت الجهات الحكومية للتراجع للخلف من خلال اقتصار طلب طالب التملّك على شهادة ميلاده وشهادة ميلاد والده أو شهادة وفاته، وشهادة ميلاد الأم، وأيضاً شهادة ميلاد أحد الأعمام أو العمات.
تفاصيل القانون
وفي التفاصيل، أكّد محافظ شمال سيناء، محمد عبد الفضيل شوشة، استمرار تلقي طلبات تقنين الأراضي على مستوى المحافظة حتى التاسع من شهر يناير/كانون الأول المقبل، وفقًا للقوانين واللوائح المنظمة لذلك. وأوضح أنه قد صدر القانون رقم 14 لسنة 2012 بشأن التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء، كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 48 لسنة 2017 بضوابط تقنين وضع اليد للمباني السكنية والأراضي الزراعية والمشاريع متناهية الصغر والمقامة قبل 19 يناير عام 2012، مشيراً إلى أنّ هذا القانون خاص بشبه جزيرة سيناء.
وأشار شوشة إلى أنّ باب تلقي طلبات التقنين للحالات المشار إليها والمقامة قبل 9 يناير 2012، مفتوح، على أن تطلب ملفات التقنين من مجالس المدن المختصة ومن إدارة أملاك الدولة في ديوان عام المحافظة مقابل 10 جنيهات، موضحاً أنّ المستندات المطلوبة لتقنين الأوضاع والتملّك طبقاً لقرار مجلس الوزراء هي: صورة طبق الأصل مختومة من رخصة البناء، تقرير معاينة مجلس المدينة بمعرفة الإدارة الهندسية للمجلس للموقع المعتمد، محضر فحص الطلبات، شهادة ميلاد لصاحب الطلب ولأسرته ومستخرج رسمي حديث لقيد عائلي لطالب التقنين، شهادة ميلاد لوالد ووالدة مقدم الطلب أو قيد عائلي أو صورة بطاقة الرقم القومي أو شهادة الوفاة، وصورة بطاقة الرقم القومي سارية لمقدم الطلب وزوجته مع إحضار الأصل للاطلاع عليه.
وتابع أنّ من بين المستندات المطلوبة أيضاً شهادة الجنسية، وتستخرج من الأحوال المدنية لطالب التقنين وتفيد بأنه لا يحمل جنسية أخرى غير المصرية، وبيانا مساحيا يستخرج من مديرية المساحة والمستندات الخاصة بالأرض مثل العقد العرفي، وإيصال كهرباء أو مياه أو تليفون بالعقار.
إلا أنّ النقطة الخطيرة التي تقلق المواطنين في حال عدم الالتزام بما جاء في هذا القانون وما تبعه من لوائح تنفيذية، ما جاء على لسان سكرتير عام المحافظة، اللواء محمد السعدني، بأن فتح باب تقنين وضع اليد مستمر حتى يوم 8 يناير 2019، وأنه بعد هذا التاريخ يعتبر عدم تقنين الأوضاع تعدياً على أملاك الدولة، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية طبقاً للوائح والقوانين المنظمة لذلك.
إلى ذلك، قال عماد البلك، أحد وجهاء مدينة العريش وأحد المرشحين الذين جرى استبعادهم من الانتخابات التكميلية لمجلس النواب، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "تبقى شهر على انتهاء المهلة المحددة من الدولة لتقنين المنازل، وهناك جهود بذلت من الجميع بشأن تعديل أو تمديد أو إلغاء هذا القرار المعيب"، مضيفاً أنّ "هناك من بدأ في تنفيذ الإجراءات ولم ينهها، وكل هذه الجهود لم تسفر عن شيء سوى التوعية بخطورة الموقف. ويبقى السؤال الذي لا إجابة عنه هو ماذا بعد 9 يناير 2019، الموعد النهائي لإنجاز الملف من قبل المواطنين في سيناء".
وتابع البلك بالقول "موقفنا كمواطنين واضح وهو أننا لن نفرّط لا في منازلنا ولا أراضينا ويتبقى موقف الدولة، والذي نتمناه أن يكون عاقلاً، بإلغاء هذا القرار والاعتداد بملكيتنا لأراضينا"، مشيراً إلى أنهم بصدد إجراء محاولة أخيرة الأسبوع المقبل في هذا الاتجاه، بالاجتماع مع وكيل مجلس النواب ورئيس اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب، وهما على علم تام بالموضوع، وفق قوله. ولفت البلك إلى أنهما وعدا بالمساعدة في هذا الصدد، فيما عبر عن أمله أن تأتي هذه الجهود بفائدة للمواطنين. وختم بالقول: "لن نتخلّى عن قضايانا مهما تحمّلنا أو تضررنا بسبب مواقفنا" في إشارة إلى استبعاده من سباق الترشح قبل أسابيع على مقعد النائب المتوفى حسام الرفاعي.
سماسرة التقنين
من جهته، قال الناشط السياسي، أشرف أيوب، إنّ "سماسرة التقنين ومعهم مرشحو الانتخابات التكميلية على مقعد البرلمان الشاغر وأحد النواب -المقصود به إبراهيم أبو شعيرة- يروجوّن رد وزارة الداخلية على الإجراءات التي أصدر بها رئيس الوزراء المصري الأسبق، إبراهيم محلب، القرار رقم (6) لسنة 2014 طبقاً للائحة التنفيذية للقانون 12 لسنة 2012 بشأن التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء. وبسبب تجاهل المصريين القانون وعدم الالتفات له، تم تعديله عام 2015، ثمّ تمّ تعديله مع لائحته التنفيذية عام 2017".
وأضاف أيوب عبر أحد أكبر مجموعات "فيسبوك" الخاصة بمدينة العريش، أنه "مع إصرار أهالي سيناء على تجاهله، رغم أن التعديلات جاءت بسبب تجاذبات أصحاب المصالح داخل السلطة والسيناوية أعوان المكاتب الأمنية من مشايخ وكبار الملاك والنواب، تم فرض القانون بالتزامن مع العملية العسكرية الشاملة (سيناء 2018)، مع صدور لائحة رئيس الحكومة السابق شريف إسماعيل رقم 215 في بداية عام 2017 أكثر عمومية، وشملت كل أهالي سيناء بعد أن كان المطلوب إثبات مصريته فقط أبناء البدو، حسب ردّ وزارة الداخلية التميزي في 2014/07/24 على استفسارات المحافظ والنواب.
وتابع أيوب: "عندما صمت أبناء العريش وبئر العبد على إزالة البيوت واقتلاع كل أخضر ومثمر في رفح والشيخ زويد والحسنة ونخل، ورفع رفح من على الخريطة، استفاقوا مع بداية العملية الغاشمة التي كانت حربا على كل الأراضي الميسورة في المدن، والمنازل والمزارع، من خلال موقعتين حربيتين لتحرير حرم المطار وحرم ميناء العريش البحري من البشر والحجر وكل أخضر ومثمر ويابس وردم الآبار، ووضع سقف زمني للتقنين حسب القانون بتاريخ 9 يناير 2019، بعده تؤول كل الأراضي وما عليها من مبان للدولة، وأستدعي هنا مقولة أحد سماسرة القانون: يا تقنن، يا الدبابة تدك المبنى، وتروح الأرض للدولة".
وبيّن أيوب أنّ "هؤلاء السماسرة وأصحاب المصالح يطالبون السلطة بأن يكون إثبات مصريتنا حسب إجراءات محلب وليس إجراءات شريف إسماعيل، ذلك الإجراء الذي نرفضه بالكلية هو والقانون الذي لم يعتد إلا بجزء من أملاكنا حدده بـ 2600 متر للمباني في كل سيناء، فيما أصبحت مادة الأراضي المزروعة مجمّدة وجملة انشائية بعد أن بارت الأرض باقتلاع كل مظاهر وضع اليد حسب القانون من آبار زراعات دائمة وموسمية".
وتساءل إذا كانت الحجة أنهم يتخوفون من اختراق من يحمل الجنسية الإسرائيلية ومن فلسطينيي 1948، إلى جانب المصرية لسيناء، كما يقولون في الغرف السوداء، فإننا نقول: نعم نوافق بشرط أن ينص على هذا صراحة في القانون واللائحة التنفيذية، كما القوانين السابقة، وأن تقوم بهذا الإجراء الدولة عن طريق إدارة الجوازات والهجرة والجنسية، التي تملك قاعدة بيانات كل المصريين".
التاريخ يشهد
ورد نشطاء مدينة العريش على القرار الحكومي، بنشر رخصة مبانٍ منذ 1932 تؤكّد أنّ سكان سيناء ملاك للأرض، قبل صدور قانون المحافظ الإنكليزي 610 لسنة 1935 الذي يعتبر شبه جزيرة سيناء ملكية عامة. وهو ما رفضه أجداد السكان الحاليين واحتجوا عليه، فتم إلغاؤه من قبل حاكم مصر آنذاك، الخديوي اسماعيل، إلى أن قام من وصفوهم بـ "جنرالات كامب ديفيد" بإعادة إصدار القانون برقم 14 لسنة 2012، وتعديلاته في 2015 و2017، بالإضافة إلى "تجريدنا من مصريتنا حتى نثبتها بشهادة إدارية معتمدة من الجنرالات"، بحسب النشطاء.
وأكد هؤلاء وجود حكم محكمة قطعي في 10 مايو/أيار عام 1941 من محكمة العريش الأهلية في 7 قضايا منظورة أمامها خاصة بدعاوى الملكية، رفضت فيه طلبات الحكومة المصرية عبر وزارة الدفاع بصفتها خصماً ثالثاً متدخلاً، مدعيةً بعدم اختصاص القضاء الأهلي بحجة أنّ سيناء من الأملاك العامة.
وأشار النشطاء إلى أنه "منذ عام 1952 أصبح كل الحكام ذوي الخلفية العسكرية خصوماً لكل حقوقنا في ملكيتنا للأرض المبنية والمزروعة، وتم رفض الاعتداد بها قانوناً. فأول القوانين التي اغتالت تلك الحقوق أصدره (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر عام 1964 برقم 100، والذي استثنى سيناء من الملكية الخاصة للدولة على اعتبار أنها ملكية عامة تدخل ضمن الأراضي الصحراوية. وثاني قانون أصدره (الرئيس أنور) السادات برقم 143 لسنة 1981 الخاص بالتصرف في الأراضي الصحراوية، والتي اعتبرت المادة 80 منه أنه "يجوز لشاغلي الأراضي الصحراوية بالبناء أو الزراعة الذين لا يعتبرون ملاكاً في حكم هذا القانون، أن يطلبوا شراء هذه الأراضي أو استئجارها لمدة لا تزيد على تسع سنوات. فإذا لم يتقدموا بهذا الطلب خلال موعد أقصاه آخر ديسمبر سنة 1969 أو طلبوا ذلك ورفض طلبهم، فيكون للمؤسسة المصرية العامة لتعمير الصحاري، الحق في إزالة المباني والزرع القائم في الأراضي المشار إليها أو استبقائها واعتبارها مملوكة للدولة".
وبيّن النشطاء أنّه "بعد ذلك جاء القانون 14 لسنة 2012 وتعديلاته في 2015 و2017 ولائحته التنفيذية المنسوخة من قانون الحاكم الانكليزي رقم 610 لسنة 1935، الذي جردنا من تلك الحقوق ومعها مصريتنا، ووضع سيناء ولاية خاصة لوزير الدفاع وجهاز المخابرات العامة"، وعلقوا على ذلك بالقول: "أجدادنا وآباؤنا رفضوا منطق الحكام ذو الخلفية، وتمسّكوا بالحكم القطعي الذي أقرّ حقوقنا ورفض وصاية وزارة الدفاع عليها وسن القوانين لها وتحديد الحد الأقصى لها، هل نكون مثل أجدادنا ونتمسك بحقوقنا كاملة غير منقوصة من الأرض والمواطنة".
وفي التعقيب على ذلك، قال أحد مشايخ محافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ "من شأن هذه الأزمة أن تفجّر حالة من الغضب الشعبي خلال الأيام المقبلة، خصوصاً في حال تمّ تنفيذ القانون على أرض الواقع، والتعدي على أملاك المواطنين من قبل الدولة، بحجة أنها أملاك لها"، مضيفاً أنّ "ما يجري يخالف العقل والمنطق، فكيف للدولة أن تطلب من المواطنين الذين سكنوا هذه الأرض منذ مئات السنين، وقاتلوا المستعمر والمحتل على مدار حروب عدة، وقتل أبناؤهم ودمرت أملاكهم، من أجل الدولة المصرية، أن تطلب منهم الأخيرة إثبات جنسيتهم".
وأكد أنّ "ما يجري في الوقت الحالي من مشاريع إزالة لمدينة رفح وأجزاء من مدينة الشيخ زويد، وإقامة حرم آمن لمطار العريش ومينائها، وما يترتب على ذلك من جرف للمنازل والمزارع، يشير إلى أنّ ثمّة مخططا ما زال مستمراً في اتجاه تهجير محافظة شمال سيناء بأكملها، تحت حجج مختلفة، والتي كان آخرها قانون التقنين"، مبيناً أنّ "حالة السخط السائدة في أوساط المواطنين في الوقت الحالي لن تبقى حبيسة مواقع التواصل الاجتماعي والجلسات العائلية والداخلية للنشطاء، بل ستكون حراكاً فاعلاً على الأرض، في حال لم تتوقّف الجهات الحكومية عن تنفيذ مخططاتها المشبوهة، والتي من شأنها أن تضيع حقوق آلاف المواطنين من سكان محافظة شمال سيناء".