وتتلخص الفضيحة، بحسب المصادر، في استيلاء الحكومة المصرية على مستحقات 543 عاملاً مصرياً، بقيمة 1.3 مليون دولار، جميعهم توفوا بالعراق في ظروف مختلفة بينهم متطوعون في القتال مع الجيش العراقي ضد إيران، فيما توفى آخرون نتيجة العمل في مشاريع بناء قواعد الجيش وقصور رئاسية.
وأصدر الرئيس السابق صدام حسين، حينها، أمراً وزارياً باعتبارهم شهداء وصرف مرتبات تقاعدية لذويهم مدى الحياة، وسجلت بأسماء زوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم، إلا أن مغادرة المصريين بشكل جماعي البلاد دفع بالحكومة إلى إيداعها في حسابات خاصة بهم في مصرفي الرافدين والرشيد في بغداد، وبقيت تلك المرتبات تتراكم طوال تلك الفترة وحتى الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.
وكشف مسؤول عراقي رفيع في حكومة العبادي، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" أن: "تلك المبالغ كانت مجمّدة بأرصدتهم ولا يمكن التلاعب بها، كما لم يتم التطرق إليها خلال المباحثات التي جرت في 8 مارس/آذار 2012 كونها أمراً مفرغاً منه ولا مجال للحديث فيه".
وأضاف المسؤول أنه: "رغم معارضة سياسية عراقية لتسليم تلك الأموال بسبب اعتبار أن المصريين كانوا من مؤيدي صدام والبعث.. إلا أن مصر طالبت في يونيو/حزيران العام الماضي بإدراج تلك الأموال ضمن المجموع الكلي للمستحقات المصرية على العراق، وهو ما وافق عليه رئيس الوزراء نوري المالكي".
وتابع: "تلك الأموال قانوناً لا يحق لأحد التلاعب بها إلا بوجود الورثة أو وكيل عنهم وهو المتعارف عليه.. لكن فساد حكومتي المالكي ونظيرتها المصرية مرر الموضوع ضمن مجاملة سياسية".
وأكد المصدر، أن مجموع تلك الأموال مع الفوائد لهذه الأسر يبلغ نحو 1.3 مليون دولار، لافتاً إلى أن مصر قدّرت خطوة المالكي تلك التي خالف بها القوانين المصرفية المعمول بها في كل دول العالم وسهّلت مقابل ذلك لمقربين منه أعمالاً وإقامة مفتوحة في القاهرة، وأضاف: "قد تكون هناك أمور أخرى لا نعلمها حتى الآن".
اقرأ أيضاً: احتجاج عمالي بمصر .." فطارنا وسحورنا عليكي يا حكومة"
وكان الجانبان العراقي والمصري قد أقرا اتفاقية في صيف 2011 تنص على قيام العراق بدفع مبلغ قدره مليار و700 مليون دولار كديون مستحقة على العراق، من أتعاب العمال المصريين في العراق، والذين غادروا البلاد عقب أحداث حرب الخليج الأولى من دون استلام مستحقاتهم أو تصفية ممتلكاتهم، إذ كان القانون العراقي يجيز للمصري التملك والشراء في البلاد كالمواطن العراقي نفسه.
وبقيت شكوك فساد تحوم حول الملف وتثار حوله القضايا بسبب اعتماد الحكومة المصرية على المبلغ الأصل للعامل المصري من دون منحه فوائد تلك الأموال التي بقيت بالمصارف العراقية طيلة الـ24 عاماً الماضية، والتي اعتمدت أصلاً في المباحثات العراقية المصرية وتم احتسابها وإضافتها على المبلغ الإجمالي بواقع فائدة 2% سنوياً، وهي أقل من الفائدة التي تمنحها المصارف العراقية حالياً والبالغ معدلها 4%.
ويقدر إجمالي تلك الفوائد بنحو 100 مليون دولار، وفقاً لخبير المصارف العراقية حميد الورّاق.
ويضيف الورّاق في حديث لـ"العربي الجديد" أن "كل ما يصدر من أرقام حول الفوائد مجرد تخمينات من قبل المعنيين بالمجال المصرفي العراقي.. هناك غموض يكتنف مصير ما سلم من أموال إلى مصر، هل حصل العامل المصري على دينه وفوائده معها أم حصل على رأس ماله فقط؟".
وذكر أن السفارة المصرية في بغداد تتابع القضية مع السلطات العراقية ممثلة بوزارة المالية، مطالباً بتوضيح تفاصيل الملف قبل تسديد كامل الدفعات لمصر.
من جانبها رفضت وزارة المالية العراقية التعليق حول الموضوع لدى اتصال "العربي الجديد" بالمسؤولين فيها أكثر من مرة خلال الفترة الماضية.
وتعليقاً على الموضوع، قال الخبير في الشأن الاقتصادي العراقي وعضو مؤسسة الاقتصاد العراقية، وهي إحدى المنظمات المستقلة في بغداد، محمد حسين البياتي لـ"العربي الجديد" إن "احتمالات حدوث فساد في أجور العمال المصريين وارد جداً في ظل ارتفاع فساد كلا الجانبين العراقي والمصري".
وأوضح أن "الملف برمته يشوبه الغموض وهناك عمال مصريون هضمت حقوقهم ونحن نتحدث عن عشرات الآلاف من العاملين المصريين في العراق آنذاك وليس بضعة عشرات.. لذا كان من الأسلم إشراك جهة دولية تشرف على إيصال تلك الأموال لمستحقيها كالأمم المتحدة أو الجامعة العربية؛ لضمان عدم وقوع أي غبن لهم"، لافتاً إلى أنه لا يتوقع حدوث أي "تحقيق داخل العراق كون الملف لا يمثل شيئاً أمام ملفات الفساد الكبرى بالبلاد".
اقرأ أيضاً:
السيسي يحتفل بعيد العمال وسط تفاقم الاحتجاجات
مصر تغتال الحريات النقابية ترسيخا للواقع
مصر: 2274 احتجاجاً عمالياً خلال 2014