مصر تستقبل بن سلمان بحكم تأكيد سعودية "تيران وصنافير"

04 مارس 2018
الاتفاقية المبرمة بين مصر والسعودية أصبح لها واقع جديد(الأناضول)
+ الخط -
قضت المحكمة الدستورية العليا في القاهرة، أمس السبت، بعدم الاعتداد بجميع أحكام القضاء الإداري ومحكمة الأمور المستعجلة في قضية "تيران وصنافير" التي رفضت تسليم السيادة عليها إلى السعودية، وهي الأحكام التي كان تناقضها سبباً في استصدار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قراراً من رئيس المحكمة الدستورية لوقف تنفيذها جميعاً بصفة مؤقتة، الصيف الماضي، وإعطاء الحكومة الفرصة لإصدار الاتفاقية رسمياً ونشرها في الجريدة الرسمية، وتطبيقها عملياً بتسليم الجزيرتين للسعودية، واقتسام المهام الأمنية والعسكرية في مضيق تيران مع السعودية.

وصدر الحكم قبل ساعات من الزيارة الرسمية الأولى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد تولّيه منصب ولي العهد، إلى القاهرة، التي تبدأ اليوم الأحد، في حين لا توجد معلومات عن مدى ارتباط الزيارة بموعد صدور الحكم المحدد منذ الشهر الماضي، الذي كان منتظراً أن يكرّس وضع الاتفاقية السارية منذ أغسطس/ آب الماضي. 

ومفاد هذا الحكم استمرار تطبيق الاتفاقية وإلغاء جميع الأحكام السابق صدورها ببطلان الإجراءات التمهيدية لها، إذ استندت المحكمة الدستورية في إلغائها جميع الأحكام المتناقضة، سواء من القضاء الإداري أو الأمور المستعجلة، على غرار القرار المؤقت الذي أصدره رئيس المحكمة الصيف الماضي، إلى أن كلتا المحكمتين خالفت الدستور والقانون؛ الأولى بتصديها لاتفاقية دولية من أعمال السيادة من دون أن يكون لها الحق في ذلك، والثانية بوقفها أحكام هيئة قضائية أخرى.

ويستفاد من الحكم أن الاتفاقية المبرمة لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية أصبح لها واقع جديد بعد إقرارها بصورة نهائية ونشرها في الجريدة الرسمية في صورة قرار جمهوري له قوة القانون، ومخاطبة المجتمع الدولي بها، بما يتجاوز ما صدر من أحكام سابقة، وأن الطعن في الاتفاقية بصورتها الحالية له إجراءات أخرى أمام المحكمة الدستورية وحدها، ولم يتم اتباعها حتى الآن.



وسبق أن أقام الحقوقي خالد علي ومحامون آخرون دعاوى أمام القضاء الإداري بعد صدور الاتفاقية، طالبوا فيها بإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا لمراقبتها موضوعياً، إلا أنّ محكمة القضاء الإداري أحالت تلك الدعاوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها، ولم تتخذ أي قرار بشأنها حتى الآن.

وترجّح مصادر قضائية عدم اتخاذ أي قرار بإحالة الاتفاقية في المستقبل القريب إلى المحكمة الدستورية، في ظلّ حالة الجمود التي أصابت مجلس الدولة بعد تعيين السيسي المستشار أحمد أبو العزم رئيساً له، بالمخالفة لقاعدة الأقدمية، بدلاً من المستشار يحيى دكروري، صاحب أول حكم بمصرية تيران وصنافير.

وذكرت المحكمة الدستورية في الحيثيات أن اتفاقية ترسيم الحدود تعتبر من "الأعمال السياسية" التي تترابط فيها صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلا يجوز للسلطة القضائية التدخّل بينهما، ولا يجوز لها التعدي على اختصاص مجلس النواب في الرقابة على مدى التزام الحكومة بالمادة 151 من الدستور التي تحظر التنازل عن أي جزء من أراضي الدولة.

وأكدت المحكمة أن الاتفاقية بعدما تمّ إصدارها ونشرها ودخولها حيز التنفيذ رسمياً، أصبحت الرقابة عليها اختصاصاً حصرياً محجوزاً للمحكمة الدستورية العليا وحدها، ولا يجوز للقضاء العادي أو مجلس الدولة النظر في مدى مشروعيتها.

وفي حكم آخر، لن يترتّب عليه أي تغير في القضية، قضت المحكمة الدستورية بعدم قبول منازعتي التنفيذ المقامتين من الحكومة لإلغاء حكم القضاء الإداري بمصرية الجزيرتين وبطلان التوقيع على الاتفاقية، باعتباره مخالفاً لأحكام سابقة صدرت من المحكمة الدستورية.

وقالت المحكمة الدستورية في حيثيات ذلك الحكم إنها "لم يسبق أن تعرّضت لموضوع ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وبالتالي لا يجوز الاحتجاج بأي حكم سابق لها، لبطلان حكم القضاء الإداري"، مع تأكيدها على عدم تعرّض ذلك الحكم بالسلب أو الإيجاب لموضوع القضية، الأمر الذي يبقي هذا الحكم شكلياً بلا أثر.

غير أن حكم الدستورية الصادر أمس بحيثياته التي تحجب أعمال السياسة بشكل عام عن رقابة القضاء، يثير الجدل حول موضوعات عدة، أبرزها مدى صلاحية المحكمة لإلغاء جميع الأحكام المتناقضة في قضية ما بدون الاعتداد بأحدها على الآخر، لما في ذلك من شبهة مخالفة النص الدستوري المنظم لاختصاصاتها.

وقد تباينت آراء القوى المدنية المناوئة للاتفاقية حيال المحكمة الدستورية العليا. وكتب أستاذ القانون في جامعة الزقازيق، القيادي السابق في الحزب "المصري الديمقراطي"، محمد نور فرحات، في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، قائلاً: "بإيجاز شديد، انتهت تماماً المعركة القضائية دفاعاً عن تيران وصنافير"، بينما اختلف معه القيادي السابق في حزب التيار الشعبي (تحت التأسيس)، المحامي طارق نجيدة، متمسكاً بأمل استكمال المعركة.
وقال نجيدة إن "حكم الدستورية لا يعني انتهاء المعركة القضائية، نظراً لأن أحكام القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية لها شقان: الأول متعلق بالاختصاص، والثاني بشأن طبيعة وانتماء وسيادة مصر على الجزيرتين، اللتين قطعت المحكمة بمصريتهما، في حين قضت الدستورية بعدم الاعتداد بالحكمين، في ما يتعلق بمسألة الاختصاص فقط".

وأوضح نجيدة أن الاتفاقية أصبحت قانوناً منذ نشرها في الجريدة الرسمية العام الماضي، وبالتالي يجوز الطعن عليها بعدم الدستورية، حينما تتوفر لذلك الشروط القانونية والقضائية، مشيراً إلى أن الحكم بعدم الاعتداد بأحكام القضاء الإداري لم يتعرض للشق الموضوعي، إذ لا يمكن إغفال قيمة تلك الأحكام، وما تضمّنته من أسباب تاريخية وقانونية عن مصرية الجزيرتين. من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة المنوفية، فؤاد عبد النبي، في تصريح خاص، إن حكم الدستورية لم يأت بجديد، وكان متوقعاً، في ضوء موقفها السابق من وقف محكمتي القضاء الإداري، والأمور المستعجلة، عن النظر في الاتفاقية، مستغرباً ما انتهت إليه المحكمة بتأييد سريان الاتفاقية، وغضّ الطرف عن النصوص الدستورية التي جرى انتهاكها بموجب الاتفاقية، وتفقدها الشرعية الدستورية، على حد قوله. غير أن عبد النبي استبعد السيناريو الطامح إلى استمرار المعركة القضائية، بقوله إن "المحكمة الدستورية استندت في حكمها إلى مواد القانون المنظم لاختصاصاتها، وإلى المادة 192 من الدستور"، مشيراً إلى أنها "منحت المحكمة، دون غيرها، سلطة الفصل في النزاع بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما عن أية جهة من جهات القضاء، أو ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها".

ويتخوّف مراقبون من أن تكون هذه السابقة بداية للعب المحكمة الدستورية دوراً غير مسبوق كجهة يطعن فيها على الأحكام الباتة الصادرة من محكمة النقض "قمة هرم القضاء العادي" والمحكمة الإدارية العليا "قمة هرم قضاء مجلس الدولة".