يسعى النظام المصري الحالي، برئاسة عبدالفتاح السيسي، إلى تلبية أي طلبات لإسرائيل، في سبيل تسريع عودة سفيرها ديفيد غوفرين إلى القاهرة خلال الفترة القريبة المقبلة. ويقرّ مراقبون بأن العلاقات المصرية الإسرائيلية، خلال عهد السيسي، وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من التقارب، وسط وجود عدة شواهد تؤكد ذلك، إلا أن عدم عودة غوفرين إلى القاهرة، منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تثير جملة تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة بسبب دواعٍ أمنية أم ضغط على النظام المصري؟
وكان أحدث شواهد هذا التقارب، الذي يوحي بالانصياع الكامل للنظام المصري للكيان الصهيوني، مكالمة هاتفية مسرّبة بين وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وإسحق مولخو، مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حول الاتفاق على بنود اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. وتجلت قوة العلاقات بين النظام المصري وإسرائيل في التنسيق الأمني حول الأوضاع في سيناء، والسماح باختراق طائرات إسرائيلية من دون طيار المجال الجوي لقصف أهداف في سيناء. وجميعها خطوات تعكس رغبة السيسي في بناء ما سمّاه "السلام الدافئ"، وهي محاولة لزيادة تطبيع الاحتلال الإسرائيلي ليس مع مصر فقط، ولكن مع دول المنطقة بأكملها.
وقُبيل لقاء نتنياهو مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في واشنطن، تفجّرت أزمة سحب إسرائيل لسفيرها في القاهرة لدواعٍ أمنية، منذ ديسمبر، وسط تكهنات كثيرة حول هذه الخطوة، ليخرج المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، ليؤكد أن مغادرة السفير تمت من دون إبلاغ الوزارة رسمياً. وقالت مصادر مصرية خاصة إن السفير الإسرائيلي، منذ بداية عمله، وهو يتواجد في مصر بصفة غير منتظمة، أي أنه لا يقيم إقامة دائمة، إذ يقضي الأسبوع بين القاهرة وتل أبيب، ويتطلع إلى استكمال أعماله من إسرائيل. وأضافت المصادر، في تصريحات خاصة، أن قرار إبقاء السفير الإسرائيلي في تل أبيب أمر غير مقلق للجانب المصري ولا ينذر بتوتر العلاقات، خصوصاً مع إمكانية أداء مهامه من الخارج، لأنه يقوم بمهام تنسيقية فقط. وتابعت أن كل المشاورات بين الجانبين المصري والإسرائيلي تتم مع المسؤولين في تل أبيب، مستبعدة أن يكون عدم عودة السفير إلى القاهرة مرتبطاً بدواع أمنية.
ولفتت إلى أن الجهات المعنية في مصر كان لديها علم بتحركات السفير الإسرائيلي، فضلاً عن عدم عودته إلى القاهرة، وحديث المتحدث باسم الخارجية المصرية حول عدم الإخطار الرسمي بمغادرته للقاهرة صحيح، وخصوصاً أنه ليس سحباً أو استدعاءً رسمياً للتشاور. وشددت على أن عدم عودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة قرار منفرد من جانب حكومة نتنياهو، ربما يأتي في إطار الضغط على مصر في عدة ملفات، وتحديداً مناهضة مشروع الاستيطان، وخصوصاً أن هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع استدعاء إسرائيل سفيريها في نيوزيلندا والسنغال. وأكدت أن مسألة الدواعي الأمنية موجودة بالفعل حتى قبل تعيين السفير الجديد، موضحة أنه ومنذ محاولة اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة في سبتمبر/ أيلول 2011، وحركة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية مقيّدة بشدة، متعجبة من عدم زوال الدواعي الأمنية على مدار ما يقارب الشهرين.
وأشارت إلى أن الأجهزة المعنية ووزارة الخارجية تحاول تذليل أي عقبات أمام عودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة، حتى قبل الإعلان عن الأمر في وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، وخصوصاً أن المعلن هو التخوفات الأمنية، وهو ما يؤثر على صورة مصر دولياً. وكانت إسرائيل استدعت رسمياً سفيريها في نيوزيلندا والسنغال لإجراء مشاورات، على خلفية تبنّي الدولتين لمشروع قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بحسب مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية. وأضاف مكتب نتنياهو أنه "تقرر إلغاء الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السنغالي، وأصدر قراراً بإلغاء جميع برامج المساعدات الإسرائيلية التي تقدم إلى داكار، فضلاً عن إلغاء زيارات سفيري نيوزيلندا والسنغال المعتمدين لدى إسرائيل ولا يقيمان فيها". ولفت إلى أن هذه الخطوات تُتخذ حيال الدول التي قدمت مشروع القرار إلى مجلس الأمن، وتُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
من جهته، اكتفى مساعد وزير الخارجية السابق، السفير إبراهيم يسري، بالتعليق على عدم عودة السفير الإسرائيلي للقاهرة، بالقول إنه ليس مؤشراً على توتر العلاقات بين الطرفين. وأضاف يسري، لـ"العربي الجديد"، إن العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني للأسف جيدة، وعدم عودة السفير ربما يتعلق بدواعٍ أمنية أو بتغييرات داخلية في إسرائيل أو أي أسباب أخرى. وقال خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إن عدم عودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة، بغض النظر عن السبب، لم يتم الإعلان بشكل رسمي عنه، وفي كل الأحوال هو إشارة إلى أن إسرائيل حريصة على استمرار العلاقات القوية مع مصر. وأضاف الخبير السياسي، لـ"العربي الجديد"، إن الجانب المصري يدرك جيداً أسباب عدم عودة السفير، لكنه في الحالتين، سواء لدواع أمنية أو للضغوط، فإن الأمر ليس في صالحه للإعلان، ففي الحالة الأولى هو نذير بتوتر الأوضاع والاضطرابات الداخلية، وبالتالي رسائل سلبية لكل البعثات الدبلوماسية، وفي الحالة الثانية لا يمكن البوح بتفاصيل جوهر العلاقات المريبة مع الكيان الصهيوني والاتفاقات السرية، خوفاً من تزايد الغضب، ليس المصري فقط ولكن العربي والإسلامي أيضاً ضد السيسي.