ففي يناير/كانون الثاني الماضي، أي قبل ثلاثة أشهر من الموعد المحدد مسبقاً لإجراء الانتخابات البرلمانية المصرية، امتلأت الشوارع المصرية في القرى والمراكز والمدن وعواصم المحافظات بلافتات الدعاية للمرشحين من كافة التيارات والاتجاهات عدا المقاطعين، كما قام المرشحون المحتملون وقتها بتأسيس مقرات استقبال الداعمين لهم قبل فتح باب الترشح والدعاية أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يكن حينها أحد منهم يتوقع تأجيل الانتخابات لأجَل غير مسمى بدعوى عدم الدستورية، بعدما أنفقوا ملايين الجنيهات في الدعاية الانتخابية التي راحت هباء.
نحو 7600 مرشح فردي إضافة إلى نحو 19 قائمة انتخابية كانوا قد تقدّموا للانتخابات التي كانت مقررة في مارس/آذار الماضي، ولكن هذا العدد انخفض بشدة، فعلى الرغم من أنه لم يتبقَ من مهلة الـ12 يوماً التي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات لتلقي طلبات الراغبين في الترشح، سوى يومين فقط، لم يتقدّم إلا نحو 4300 مرشح بترشيحاتهم، إضافة إلى انخفاض عدد القوائم المقدّمة حتى الآن.
ويوضح أحد المرشحين الذي سبق له أن تقدّم بأوراقه للانتخابات التي أوقفتها المحكمة الدستورية العليا في مارس/آذار الماضي، سبب تراجعه عن الترشح بعد فتح الباب لذلك من جديد، قائلاً: "بات لديّ يقين أن الانتخابات لو أُجريت فسيتم حل هذا المجلس"، مضيفاً: "استشرتُ عدداً كبيراً من فقهاء الدستور والقانونيين الذين أكدوا لي أن مجلس النواب المقبل يشوبه خلل دستوري، يمكن معه صدور قرار بحله في أي وقت".
ويشير المرشح إلى أنه أنفق والكثير من زملائه المرشحين مبالغ طائلة خلال الجولة التي تم إلغاؤها، "وأنا غير مستعد أن أنفق الملايين مجدداً ثم يتم حل البرلمان"، لافتاً إلى أن "الموضوع ليس فقط توقعاً أو تكهنات، بل إن "بعض المقربين من صنّاع القرار المصري أكدوا لي أن المجلس المقبل عمره قصير"، بحسب تعبيره. ويوضح المرشح الذي سبق وأن قدّم أوراقه عن إحدى دوائر محافظة الجيزة في الجولة السابقة، أنه "ليس وحده مَن تراجع عن الترشّح هذه المرة، فهناك نحو 3 مرشحين سابقين غيري في الدائرة نفسها اتخذوا قراراً بالتراجع".
اقرأ أيضاً: مصر: نجل السيسي يدير غرفة عمليات الانتخابات البرلمانية
ومن الملاحظ أن لافتات المرشحين غابت هذه المرة بشكل شبه تام من الشوارع، ولم يعد المواطنون المصريون يسمعون مكبرات الصوت المحمولة فوق سيارات تجوب الشوارع داعية إياهم لانتخاب هذا المرشح أو ذاك.
ويؤكد مصدر رسمي مصري مقرب من اللجنة العليا للانتخابات، إجراءها هذه المرة، إلا أنه يستدرك: "حل البرلمان من عدمه ليس من شأننا بل يكون قراراً سياسياً في المقام الأول في حال ثبت عدم دستورية بعض النصوص التي أُجريت على أساسها الانتخابات".
تجدر الإشارة إلى أن محكمة القضاء الإداري كانت قد حكمت بإلغاء قرار لرئيس الوزراء بتعديل تقسيم بعض الدوائر، موضحة أن "الدستور لم يسند للحكومة مجتمعة ولا لرئيسها أو أحد أعضائها وفقاً للتحديد الوارد بالمادة 163، سلطة تشريع القوانين، فلا يملك مجلس الوزراء ولا رئيسه أو نوابه أو الوزراء أو نوابهم أو أي من العاملين بالسلطة التنفيذية، سلطة التشريع، فليس لهم الحق في إصدار قوانين أو قرارات بقوانين أو تعديل القوانين أو القرارات بالقوانين السارية"، وهو ما فتح الباب واسعاً للتكهنات من جديد حول مصير المجلس المقبل.
من جهة أخرى، يشير مرشح آخر تقدّم بأوراق ترشّحه هذه المرة، إلى أن هناك متراجعين عن الترشح مرة جديدة لسبب مختلف، مضيفاً أن "منهم من قرر اختصار الطريق وسيسعى لدفع ثمن مقاعد المعينين" على حد تعبيره. ويوضح أن "بعض المرشحين السابقين قرروا دفع ما كانوا سينفقونه من أموال طائلة في الدعاية والانتخابات، للحصول على المقعد مباشرة بالتعيين".
ويحق لرئيس الجمهورية وفقاً للدستور الجديد، تعيين 5 في المائة من مجمل أعضاء المجلس البالغ عدد أعضائه 596 عضواً، ويحق للرئيس تعيين نحو 27 عضواً، بعد أن كان الدستور القديم يقصر هذا الحق للرئيس على 10 فقط.
اقرأ أيضاً- مصر: القائمة الانتخابية للسيسي تفجّر تحالف شفيق