مصر تخشى مقايضة سودانية: حلايب مقابل "النهضة"

31 أكتوبر 2015
تحذير من "فخ إثيوبي" يُنصب لمصر (ميناسي ونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -
تراهن مصر، خلال المرحلة الحالية من المفاوضات على المسائل الخلافية المتعلقة بسدّ النهضة، على دور السودان كطرف ثالث في اتفاقية السدّ الموقعة مطلع العام الحالي. غير أنها تخشى من أن تستغل الخرطوم الملف لمقايضة القاهرة عليه، في مقابل ملف مثلت حلايب وشلاتين الحدودي، بحسب ما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد". يأتي ذلك وسط تحذير وزير سابق من "فخ إثيوبي" لمصر يجري نصبه لتقع فيه باجتماع 7 نوفمبر/تشرين الثاني المرتقب.


اقرأ أيضاً: قضية حلايب وشلاتين: تبادل منافع مصريّة سودانيّة

وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" فإن موقف السودان حتى اﻵن ضبابي، فهي تقف أحياناً إلى جانب مصر في نفس المربع المعارض للسياسات اﻹثيوبية، فيما تُبدي حيادها تجاه بعض المسائل أحياناً أخرى، أبرزها الخلاف حول دور المكتب اﻻستشاري الفرنسي بعد انسحاب المكتب الهولندي، وفترة ملء الخزان، والتي تعتبر المشكلة الرئيسة في القضية حالياً.

وترى المصادر المصرية أن القاهرة، وعلى الرغم من اتخاذها العديد من الخطوات اﻹيجابية حيال الخرطوم، غير أنها ﻻ تشعر بوحدة موقف السودان معها تجاه سدّ النهضة، مضيفةً أن هذا قد يبدو مفهوماً من الواقع العملي ﻷن أثر السدّ على السودان يكاد ﻻ يذكر بالنسبة لتأثيره الكبير على حصة مصر المائية، نظراً لتعدد مصادر السودان المائية، وانخفاض عدد سكانها واختلاف بيئتها الزراعية عن مصر.

وتبدي المصادر تخوفها من أن تكون السودان بصدد مساومة مصر على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي الذي يعتبره كلا البلدين جزءاً منه، والذي أجرت فيه مصر انتخابات برلمانية أخيراً، بحيث تطلب السودان عودة سيطرتها اﻹدارية على المثلث مقابل تأييد موقف مصر ضدّ إثيوبيا في قضية سدّ النهضة.

وتؤكد المصادر أن السودان لم تطرح هذه المساومة أو تلمح لها على أي مائدة مفاوضات، غير أن نشر معلومات في هذا السياق بعدد من المواقع الصحفية السودانية، يثير مخاوف المصريين من أن تكون هذه رسالة لجس نبض القاهرة، أكثر من كونها مجرد شائعة أو اجتهاد صحافي.

وحاولت مصر على مدار الأعوام الثلاثة الماضية تصفية الخلافات العالقة مع السودان، إذ كررت قرارات العفو عن السجناء السودانيين في قضايا التسلل غير الشرعي عبر الحدود والتنقيب عن اﻵثار والمعادن. كذلك شهدت العلاقات اﻻقتصادية والزراعية زيادة ملحوظة منذ زيارة الرئيس المعزول محمد مرسي للخرطوم، والتي تم خلالها وبعدها إبرام اتفاقيات مهمة.

من جهة ثانية، أكد وزير الموارد المائية المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن إثيوبيا تلعب بورقة "المماطلة" بشأن أزمة "سدّ النهضة"، لكسب المزيد من الوقت بغرض فرض السد أمام الرأي العام الإقليمي والدولي. ورأى أن اجتماع 7 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في القاهرة، والذي يجمع وزراء ري مصر والسودان وإثيوبيا، ما هو إلا سلسلة "فاشلة" من اجتماعات سابقة، لكونه من دون بنود متفق عليها، وسيؤدي بمصر إلى الغرق في "وحل" سدّ النهضة إلى الأبد، محذراً من وقوع المفاوض المصري في "الفخ الإثيوبي" وجرّ مصر للمشاركة في إنشاء وإدارة السد لترسيخ أمر واقع.

اقرأ أيضاً: الوقت لمصلحة إثيوبيا في أزمة سدّ النهضة

وقال علام لـ"العربي الجديد" إن كواليس الاجتماع المغلق بين وزير الخارجية شكري ووزير الموارد المائية حسام مغازي، يأتي استمراراً للمخاوف المصرية، ولبحث إمكانات الخروج بنتائج خلال الاجتماع المنتظر في القاهرة للجنة الفنية الثلاثية لسدّ النهضة، بناء على دعوة من القاهرة.

وأكّد أن مسؤولين بوزارتي الخارجية والري في مصر، يعقدون اجتماعات بشكل يومي لتقييم الموقف ومستجداته خلال الاجتماع المقبل، ووضع رؤية تفاوضية تتلاءم مع أي مستجدات قد تحدث في ظل رفض إثيوبيا أي مفاوضات بشأن ارتفاع جسم السدّ، نافياً أن تكون هناك أي علاقة بين تغيير وزير الري الإثيوبي بوزير جديد، موضحاً أنه ربما يكون الوزير الجديد الذي تولى تلك الحقيبة الوزارية أكثر تشدّداً، وخصوصاً أنّ السدّ يعدّ مسألة حياة أو موت للشعب الإثيوبي.

وقال وزير الموارد المائية المصري الأسبق إن إثيوبيا أعلنت الانتهاء من بناء أكثر من 60 في المائة من السد، ما يجعل منه أمراً واقعاً. وأكّد ضعف الموقف المصري التفاوضي، والذي فشل في الوصول إلى أي حلول خلال الاجتماعات السابقة، موضحاً أن الرسائل المتبادلة بين مصر ودولتي إثيوبيا والسودان "ضعيفة"، ولا تعبّر عن حجم الأزمة التي قد تعصف بمستقبل الأجيال القادمة، وتهدد أمنهم المائي والغذائي، إضافة إلى غياب الرؤية والتنسيق بين الوزارات المعنية بالملف، سواء الخارجية أو الري أو مؤسسة الرئاسة.

واعتبر علام تصريحات إثيوبيا حول السدّ بأنّه "لا مساس بالاتفاقيات" و"لا بالحصص التاريخية لدول المصب وهي مصر والسودان"، عاطفية تهدف لـ"كسب المزيد من الوقت" لكونها بلا ضمانات للتنفيذ، مشيراً إلى أنّ تأجيل الاجتماع الأخير لوزراء الدول الثلاث دليل على عدم رضا إثيوبيا على أي اتفاق بشأن تخفيض سعة سدّ النهضة.

وأوضح المصدر نفسه أن استمرار أديس أبابا في بناء "سدّ النهضة" يقودها إلى امتلاك القوة المائية الكبرى، في المقابل تصبح مصر دولة في قمة الفقر بين دول أفريقيا مائياً. ورجّح أن تقوم إثيوبيا بإدخال إسرائيل كوسيط بينها وبين مصر، وهي وساطة ذات حدين، على حدّ تعبيره، إذ إنّها قد تسمح باستمرار تدفق المياه إلى مصر لكن في مقابل توصيلها إلى إسرائيل، وهو المخطط الواضح للجميع، وهو ما ترفضه مصر في الوقت الحالي، كما يقول.

وأضاف أن "إثيوبيا ترغب في التحكم في مياه النيل المتجهة نحو مصر، وإن كانت العوائق الفنية والهندسية لهذا السدّ تحول دون بنائه"، لافتاً إلى أن المسار القانوني لن يكون فعالاً بقوة، لكنه سيكون خط النهاية الذي تلجأ إليه مصر، كي تظهر للعالم مدى تعنت الموقف الإثيوبي.