باشر النظام المصري حملة كبيرة لملاحقة معارضيه من مختلف التيارات السياسية والفكرية خلال الفترة الحالية، قبل انتخابات الرئاسة المقررة بين 26 مارس/ آذار المقبل و28 منه. الحملة التي بدأت بملاحقة وسجن والتضييق على المرشحين المحتملين للرئاسة، انتقلت بعد إفشال كل محاولات عدد من الشخصيات للترشح أمام عبد الفتاح السيسي، إلى مواجهة دعوات مقاطعة الانتخابات الرئاسية. وأعطى السيسي الضوء الأخضر لهذه الحملة التي يُتوقع استمرارها حتى الانتخابات الرئاسية وربما بعدها، بعدما وجّه تهديداً صريحاً ومباشراً للقوى السياسية المعارضة، خلال افتتاحه حقل "ظهر" للغاز الطبيعي. وقال السيسي: "أنا مش سياسي بتاع كلام، واضح إن الناس مش واخدة بالها، البلد علشان ترجع تاني ربنا وحده اللي يعلم، وأي حد يفكر يقرب منها لأ.. هقول للمصريين انزلوا تاني إدوني تفويض قدام الأشرار.. أي أشرار". وأضاف: "لو الأمر استمر كده، وحد فكر يلعب في مصر وأمنها هطلب منكم تفويض تاني، وستكون هناك إجراءات أخرى ضد أي حد يعتقد أنه يعبث بأمن مصر".
هذه التصريحات جاءت عقب إعلان الجبهة المدنية الديمقراطية التي تتكون من عدة أحزاب وشخصيات عامة، مقاطعتها للانتخابات الرئاسية، ودعوة الشعب المصري للمقاطعة. الحملة بدأت بملاحقة نشطاء وصحافيين، أمثال حسن البنا ومصطفى الأعصر، ومعتز ودنان، المحاوِر لهشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو الحوار الذي تسبب في القبض عليه. وكان لعبد المنعم أبو الفتوح نصيب من الحملة الأمنية، بالقبض عليه وتوجيه اتهامات له متعلقة بـ"قيادة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، والتحفظ الأمني على مقر الحزب الرئيسي". ووجّه أبو الفتوح انتقادات حادّة للسيسي على خلفية إدارة الدولة اقتصادياً وسياسياً.
وأبدت رفضها لـ"إطلاق يد الأجهزة الأمنية في التصرف بالملف السياسي الداخلي، لما لهذه الخطوة من خطورة على التماسك الداخلي، وزيادة الغضب الشعبي". وتابعت أن "السيسي حينما قال (أنا مش سياسي) كان عبارة عن تهديد للداعين لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وكان يقصد هذا المعنى بإمكانية استهداف المعارضة في أي وقت، وهي كانت رسالة بما يمكن أن تكون عليه الأوضاع قبل انتخابات الرئاسة".
ولفتت إلى أن "كل ما يهم السيسي حالياً هو مواجهة أي دعوات لمقاطعة الانتخابات بقوة شديدة ومفرطة، ولكن بغطاء قانوني، نظراً لأنها تؤثر على محاولات الحشد التي تقوم بها وسائل إعلام موالية للنظام الحالي". وأكدت "وجود معلومات عن استهداف عشرات النشطاء خلال الأسبوعين المقبلين، من باب أن ترْكهم سيتسبب في حرج بالغ وقد يؤثر على آليات الحشد لصالح السيسي في الانتخابات".
وفي سياق غير بعيد، تقدم أكثر من 60 نائباً، يوم الأحد الماضي، بتعديل تشريعي على قانون مكافحة الإرهاب، بهدف إلزام مالك أي عقار، راغب في بيعه أو تأجیره، كلياً أو جزئياً، بتقديم صور عن عقد الإیجار أو عقد البيع، وبطاقة الرقم القومي للمستأجر أو المشتري، أو جواز سفره، إذا كان غیر مصري، إلى قسم الشرطة التابع له العقار، خلال 15 يوماً من تاريخ إبرام العقد.
واستهدف التعديل، بحسب مذكرته الإيضاحية: "تعظيم جهود مكافحة الإرهاب، والوقاية منه، ومحاصرة العناصر المتطرفة، قبل شروعها في تنفيذ المزيد من العمليات العدائية ضد مؤسسات الدولة، عن طريق التشديد الأمني الوقائي على العقارات والوحدات السكانية التي قد يلجأ إليها بعض المتطرفين للاختباء، والتحضير للعمليات المسلحة".
ونصّ التعديل على "معاقبة كل من يخالف أحكامه بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه (57 دولاراً)، ولا تجاوز مائة ألف جنيه (5700 دولار)، أو بإحدى العقوبتين". وعُرّف العقار بأنه "جمیع أنواع الوحدات السكنیة، مفروشة أو خاویة، والمنشآت الصناعیة أو الخدمیة أو المھنیة، أو الأراضي الزراعیة والصحراویة، أو المحاجر التي تقع في حوزة الممتلكات الخاصة لأحد المواطنين".
وكانت مصادر خاصة كشفت، قبل شهرين، عن استمرار حملات الاعتقالات حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبل، إذ بدأت الأجهزة الأمنية في حملة ممنهجة هي الأطول، شملت كل معارضي السيسي سواء من الإخوان المسلمين أو أي تيار سياسي آخر.
وفي السياق ذاته، بدأ النظام استغلال تحركات بعض المحامين في ملاحقة المعارضة بدعوى أن "عملية القبض عليهم تتم بناء على قرار من النيابة للتحقيق في بلاغات قدمها محامون للنائب العام". وهذه التحركات بقيادة بعض المحامين ليست جديدة على الحالة المصرية، وبدأت منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وزادت خلال الأشهر القليلة الماضية، بسيل من البلاغات ضد المعارضين للسيسي. وأخيراً، أقام المحامي سمير صبري دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة تطالب بحظر نشاط حزب "العيش والحرية" وأي منظمات تنتمي لهذا الحزب. واختصمت الدعوى رقم 24828 لسنة 72 قضائية، خالد علي ورئيس لجنة الأحزاب السياسية. وفي الدعوى، أن "خالد علي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، في الوقت الذي يواجه حزبه تهمة التستر على جريمة اغتصاب فجّرتها فتاة كانت تعمل معهم".