30 يونيو 2015
مصر.. الحكم المرفوع والقتل المدفوع
يبدو أن الأحداث في مصر تتجه إلى مزيد من التعقيد، قد يُدخلها في نفق عميق من العنف الدموي، أو ما يمكن أن نسمّيه "منعرج الدّم"، فبعد صدور ترسانة جديدة من أحكام الإعدام في حق رموز جماعة الإخوان المسلمين وقواعدها، في قضيتي "الهروب من سجن النطرون" إبّان ثورة 25 يناير و"تهمة التخابر مع حماس وحزب الله"، حدثت عمليّة إرهابيّة طالت ثلاثة قضاة مع سائقهم في العريش من شبه جزيرة سيناء، لتعلن وزارة الداخليّة المصريّة حالة الاستنفار العام، ولا يكاد يمرّ يوم في مصر من دون أن تحدث عمليات عنف متفرّقة، سواء تعلّق الأمر بالهجمات المتتالية على المقرّات الأمنية والعسكريّة، أو بالهجمات الأمنية على مسيرات جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الشرعيّة في مصر، وصار المشهد أشبه بحرب الشوارع بين عدّة أطراف.
كشفت الأحكام الصادرة عن الرئيس المعزول محمد مرسي، ومن معه من قيادات حركة الإخوان، عن منزلة القضاء في العالم العربي، ومصر خصوصا، فلطالما مجّد العرب القضاء المصري، باعتباره سلطة مستقلّة وطليعة القضاء في العالم العربي، عبر أحكام تاريخية صادرة في بعض قضايا الرأي العام، لكن أحكامه، أخيراً، القاضية بالإعدام في حق مصريين (الإخوان) ولبنانيين (حزب الله) وفلسطينيين (حماس) بيّنت مهزلة قضائيّة في إصدار أحكام على شهداء فلسطينيين وأسرى في السجون الإسرائيليّة.
ويشار إلى أنّ حصيلة أحكام القضاء المصري منذ الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، بلغت سبعة أحكام إعدام تم تنفيذها، و479 حكما أوليا في إطار الطعن والاستئناف، و122 قرار إحالة إلى المفتي بانتظار الرأي الشرعي. كما أن النظام العسكري في مصر زجّ بأكثر من 28 ألف مواطن مصري من أنصار الشرعيّة، وربّما تكون هذه الحصيلة الأعنف في كل المواجهات التي دارت بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين منذ محنة 1948 التي راح ضحيّتها رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا واتهم فيها الإخوان، لتتوالى محن جماعة الإخوان في محاكمات سياسيّة شهيرة في: 1954 (7 أحكام بالإعدام)، 1965(7 أحكام بالإعدام)، 1995، 1996، 1999، 2001، 2006.. وكانت هذه المحاكمات أشبه بموجات المواجهة بين النظام المصري وجماعة الإخوان، وإن الجهاز القضائي اليوم الذي يستعجل إدانة شباب الثورة وجماعة الإخوان هو الجهاز نفسه الذي منح البراءة لرموز نظام حسني مبارك عن كل جرائمه طوال ربع قرن.
وقد لعب القضاء العسكري دورا محوريّا في ضرب حركة الإخوان المسلمين ومسانديها من "ائتلاف دعم الشرعيّة"، عبر أحكام سياسيّة قاسية، لا تتوفّر فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة. وقبل الثورة، كانت تتمّ هذه المحاكمات بالاستناد إلى قرار رئاسي، يحيل أوراق القضايا على أنظار المحاكم العسكريّة، من دون المحاكم المدنيّة، بتكييف سياسي دستوري يتعلّق بما يسمّى "الأمن القومي". أما اليوم، فتتخذ هذه المحاكمات من المدنيّة صورة شكليّة لتجري المحاكمات في "أكاديميّة الشرطة" تحت أنظار المؤسسة العسكريّة وتسيير منها، فإن يكن للإخوان أخطاء سياسيّة في إدارة البلاد بعد صعودهم إلى السلطة عبر انتخابات نزيهة إلى حد ما، فهذا لا يبرّر هذه المجازر القضائيّة، عندما يتحوّل القضاء إلى جهاز تنفيذي لدى المؤسسة العسكريّة، ليبطش بالشعب المصري، عقاباً له على ثورته واختياراته السياسية، وإن كانت أخطاء "الإخوان" في السلطة دامت سنتين، فإنّ جرائم المؤسسة العسكرية دامت عهوداً، وجعلت من مصر تتخلّى عن دورها الريادي، إقليميّا ودوليّاً، لفائدة القوى الإقليمية الثلاثة: إسرائيل، تركيا، وإيران، وتتقهقر اقتصاديا واجتماعياً، قياسا للفترة الناصريّة.
اليقين عندنا أنّ النظام العسكري في مصر لن يقدم على تثبيت أحكام الإعدام أو تنفيذها، في حق جماعة الإخوان ورموزها، وفي المقابل، نفّذ وسينفّذ بعض الإعدامات في بعض المتهمين بالانتماء للتيارات الجهادية في مصر، على غرار جماعات "بيت المقدس"، "جند الإسلام"، "التوحيد والجهاد"، و"شورى المجاهدين"، في سياق تكتيك سياسي أهوج للمؤسسة العسكريّة في تثبيت حكم عبد الفتاح السيسي، وتركيع جماعة الإخوان للبحث عن مخرج سياسي، يقضي على التجربة الديمقراطية في مصر.
تدفع المؤسسة العسكريّة بمصر نحو المجهول، نحو دوّامة من العنف الأهوج الذي راح ضحيته، حتى الآن، مئات من المصريين في صفوف المدنيين والمؤسستين العسكرية والأمنية، ليطال اليوم المؤسسة القضائيّة التي زجّها العسكر في معركته مع "الإخوان"، دوامة من العنف زجّت آلافاً من الشباب في المعتقلات والسجون وتشريد العائلات وفصل الطلبة وقطع الأرزاق، في معاناة تقطيع مفاصل المجتمع المصري، فمصر اليوم تدخل مرحلة عسكرة الدولة والمجتمع، بضرب الإخوان، كأكبر طرف سياسي في البلاد، وضرب القوى التقدميّة عبر محاكمات لشباب الثورة في مصر، والتضييق على تنظيمات المجتمع المدني، ولم تسلم من ذلك حتى "ألتراس" الجمعيات الرياضية.
يبدو أن المؤسّسة العسكريّة في مصر، ومن يقف خلفها من رجال نظام مبارك، فرضت عسكرة المجتمع والدولة بديلاً لأسلمة المجتمع والدولة على يد "الإخوان"، وكان يمكن للمؤسسة العسكرية أن تمارس دوراً ضاغطاً مانعاً على "الإخوان"، وهم في الحكم من أجل الحفاظ على التنوّع الاجتماعي والسياسي والديني للدولة الوطنية المصريّة، من دون أن تذهب إلى انقلاب دموي، قضى على أول تجربة ديمقراطية انتخابيّة تعيشها مصر، وهدّم بنية السلم الاجتماعي، كان يمكنها ذلك لتتلافى حدوث انقسام سياسي وصراع دموي، تدخّلت فيه أطراف إقليميّة عربيّة وغير عربيّة، من مصلحتها أن تخرج مصر من موقع الريادة إلى موقع التّبعيّة.
ما يحدث اليوم في مصر سينعكس مباشرة على المنطقة العربيّة ككل، فمراكز النفوذ العربي من سورية إلى العراق وليبيا فاليمن تعيش في دوّامة العنف الوحشي من صراعات وحروب، ستتلاشى معها بنية الدولة الوطنيّة، في ظل دور خليجي هش، لا تحكمه استراتيجية بعيدة المدى، وأن تلتحق مصر بدوامة العنف، بسبب رعونة المؤسسة العسكرية المصريّة، فإنّ مصير المنطقة العربيّة سيظلّ رهين القوى الإقليمية الأخرى، من إسرائيل وتركيا وإيران. وقد أدركت هذه القوى أنّ إمكاناتها لا تسمح لها بأن تكون قوى دوليّة، لكنّها تستطيع أن تلعب دورا إقليميّا يحفظ لها مصالحها، من دون أن تعادي القوى الغربيّة الكبرى. لذلك، استطاعت أن تفرض نفسها وقوّتها أمام القوى الغربيّة الأوروبية والأميركيّة، فأصبحت تختار وتُستشار في تحديد مصير الشرق الأوسط.
ويشار إلى أنّ حصيلة أحكام القضاء المصري منذ الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، بلغت سبعة أحكام إعدام تم تنفيذها، و479 حكما أوليا في إطار الطعن والاستئناف، و122 قرار إحالة إلى المفتي بانتظار الرأي الشرعي. كما أن النظام العسكري في مصر زجّ بأكثر من 28 ألف مواطن مصري من أنصار الشرعيّة، وربّما تكون هذه الحصيلة الأعنف في كل المواجهات التي دارت بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين منذ محنة 1948 التي راح ضحيّتها رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا واتهم فيها الإخوان، لتتوالى محن جماعة الإخوان في محاكمات سياسيّة شهيرة في: 1954 (7 أحكام بالإعدام)، 1965(7 أحكام بالإعدام)، 1995، 1996، 1999، 2001، 2006.. وكانت هذه المحاكمات أشبه بموجات المواجهة بين النظام المصري وجماعة الإخوان، وإن الجهاز القضائي اليوم الذي يستعجل إدانة شباب الثورة وجماعة الإخوان هو الجهاز نفسه الذي منح البراءة لرموز نظام حسني مبارك عن كل جرائمه طوال ربع قرن.
وقد لعب القضاء العسكري دورا محوريّا في ضرب حركة الإخوان المسلمين ومسانديها من "ائتلاف دعم الشرعيّة"، عبر أحكام سياسيّة قاسية، لا تتوفّر فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة. وقبل الثورة، كانت تتمّ هذه المحاكمات بالاستناد إلى قرار رئاسي، يحيل أوراق القضايا على أنظار المحاكم العسكريّة، من دون المحاكم المدنيّة، بتكييف سياسي دستوري يتعلّق بما يسمّى "الأمن القومي". أما اليوم، فتتخذ هذه المحاكمات من المدنيّة صورة شكليّة لتجري المحاكمات في "أكاديميّة الشرطة" تحت أنظار المؤسسة العسكريّة وتسيير منها، فإن يكن للإخوان أخطاء سياسيّة في إدارة البلاد بعد صعودهم إلى السلطة عبر انتخابات نزيهة إلى حد ما، فهذا لا يبرّر هذه المجازر القضائيّة، عندما يتحوّل القضاء إلى جهاز تنفيذي لدى المؤسسة العسكريّة، ليبطش بالشعب المصري، عقاباً له على ثورته واختياراته السياسية، وإن كانت أخطاء "الإخوان" في السلطة دامت سنتين، فإنّ جرائم المؤسسة العسكرية دامت عهوداً، وجعلت من مصر تتخلّى عن دورها الريادي، إقليميّا ودوليّاً، لفائدة القوى الإقليمية الثلاثة: إسرائيل، تركيا، وإيران، وتتقهقر اقتصاديا واجتماعياً، قياسا للفترة الناصريّة.
اليقين عندنا أنّ النظام العسكري في مصر لن يقدم على تثبيت أحكام الإعدام أو تنفيذها، في حق جماعة الإخوان ورموزها، وفي المقابل، نفّذ وسينفّذ بعض الإعدامات في بعض المتهمين بالانتماء للتيارات الجهادية في مصر، على غرار جماعات "بيت المقدس"، "جند الإسلام"، "التوحيد والجهاد"، و"شورى المجاهدين"، في سياق تكتيك سياسي أهوج للمؤسسة العسكريّة في تثبيت حكم عبد الفتاح السيسي، وتركيع جماعة الإخوان للبحث عن مخرج سياسي، يقضي على التجربة الديمقراطية في مصر.
تدفع المؤسسة العسكريّة بمصر نحو المجهول، نحو دوّامة من العنف الأهوج الذي راح ضحيته، حتى الآن، مئات من المصريين في صفوف المدنيين والمؤسستين العسكرية والأمنية، ليطال اليوم المؤسسة القضائيّة التي زجّها العسكر في معركته مع "الإخوان"، دوامة من العنف زجّت آلافاً من الشباب في المعتقلات والسجون وتشريد العائلات وفصل الطلبة وقطع الأرزاق، في معاناة تقطيع مفاصل المجتمع المصري، فمصر اليوم تدخل مرحلة عسكرة الدولة والمجتمع، بضرب الإخوان، كأكبر طرف سياسي في البلاد، وضرب القوى التقدميّة عبر محاكمات لشباب الثورة في مصر، والتضييق على تنظيمات المجتمع المدني، ولم تسلم من ذلك حتى "ألتراس" الجمعيات الرياضية.
يبدو أن المؤسّسة العسكريّة في مصر، ومن يقف خلفها من رجال نظام مبارك، فرضت عسكرة المجتمع والدولة بديلاً لأسلمة المجتمع والدولة على يد "الإخوان"، وكان يمكن للمؤسسة العسكرية أن تمارس دوراً ضاغطاً مانعاً على "الإخوان"، وهم في الحكم من أجل الحفاظ على التنوّع الاجتماعي والسياسي والديني للدولة الوطنية المصريّة، من دون أن تذهب إلى انقلاب دموي، قضى على أول تجربة ديمقراطية انتخابيّة تعيشها مصر، وهدّم بنية السلم الاجتماعي، كان يمكنها ذلك لتتلافى حدوث انقسام سياسي وصراع دموي، تدخّلت فيه أطراف إقليميّة عربيّة وغير عربيّة، من مصلحتها أن تخرج مصر من موقع الريادة إلى موقع التّبعيّة.
ما يحدث اليوم في مصر سينعكس مباشرة على المنطقة العربيّة ككل، فمراكز النفوذ العربي من سورية إلى العراق وليبيا فاليمن تعيش في دوّامة العنف الوحشي من صراعات وحروب، ستتلاشى معها بنية الدولة الوطنيّة، في ظل دور خليجي هش، لا تحكمه استراتيجية بعيدة المدى، وأن تلتحق مصر بدوامة العنف، بسبب رعونة المؤسسة العسكرية المصريّة، فإنّ مصير المنطقة العربيّة سيظلّ رهين القوى الإقليمية الأخرى، من إسرائيل وتركيا وإيران. وقد أدركت هذه القوى أنّ إمكاناتها لا تسمح لها بأن تكون قوى دوليّة، لكنّها تستطيع أن تلعب دورا إقليميّا يحفظ لها مصالحها، من دون أن تعادي القوى الغربيّة الكبرى. لذلك، استطاعت أن تفرض نفسها وقوّتها أمام القوى الغربيّة الأوروبية والأميركيّة، فأصبحت تختار وتُستشار في تحديد مصير الشرق الأوسط.