وأضافت المصادر أن هذه الحركة الواسعة جرت في جميع المشروعات المشهرة كشركات مساهمة، وتمّ توثيقها بالفعل على مدار شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين. إلى ذلك، تمّ أيضاً بيع بعض الحصص التي تملكها الاستخبارات في مشروعات أخرى، دون الاستحواذ على إدارتها، لأشخاص جدد، ليسوا معروفين على الإطلاق، معظمهم ضباط وموظفون في الجهاز.
وذكرت المصادر أن حركة النقل والتخارج هذه هي الأكبر التي تتم على صعيد مشروعات الاستخبارات منذ العام 2014، عندما دفع الجهاز بهؤلاء الأشخاص على ثلاثة مستويات أساسية. وشهد المستوى الأول الاستعانة بشخصيات على قدر من القدرة المالية، وقبولهم مشاركة الاستخبارات أو أجهزة سيادية وأمنية أخرى لهم في حصصهم لتسهيل أعمالهم، ثم اقتسام الأرباح مع الإدارة المشتركة، كما حدث مع رجل الأعمال والمنتج الفني الشهير تامر مرسي، رئيس مجموعة إعلام المصريين حالياً. أما على المستوى الثاني، فقد جرى الدفع بشخصيات على قدر من التميز في الإدارة والاستثمار، للعمل على تعظيم الاستثمارات من مقاعد الإدارة وتفويضها في اتخاذ القرارات، كما حدث مع ياسر سليم قبل إبعاده. وأخيراً استخدمت في المستوى الثالث الأسماء فقط كواجهة حائزة لحصص الأسهم، من دون أن يكون لهم أي دور حقيقي.
وأشارت المصادر إلى أن حركة النقل والتخارج الأخيرة استهدفت إعادة ترسيم معالم المستويين الثاني والثالث، بهدف "عدم تفريخ نماذج جديدة مثل ياسر سليم، يمكنها توسيع أعمالها الخاصة، ومساومة دائرة السيسي لتحقيق مكاسب خاصة بعيداً عن السيطرة". وكشفت المصادر أن جزءاً من المشكلة الخاصة بسليم، يتمثل في رفضه إخضاع حساباته الشخصية وحسابات شركته "بلاك أند وايت" ونشاطه الاستثماري الآخر في مجال المطاعم والفنادق وتجارة السيارات، لرقابة الإدارة المختصة بالفحص المالي التابعة للاستخبارات العامة، والتي تنجز أعمالها بالشراكة مع شركة محاسبات خاصة كبرى.
ودأبت الاستخبارات العامة منذ ثمانينيات القرن الماضي على توظيف أموالها استثمارياً بواسطة أشخاص كانت تستعين بهم كواجهات للتعامل مع السوق المحلي والدولي. وخرج قليل من تلك الشخصيات عن الإطار المحدد له، وباتت له أعماله الخاصة، استغلالاً لكفاءات ذاتية أو علاقات شخصية. مثالٌ على هؤلاء، رجل الأعمال الراحل الشهير حسين سالم، والذي كانت أعماله في مرحلة معينة خليطاً بين ماله الخاص ومال الاستخبارات العامة، حتى أن هذا الجهاز هو الذي استحوذ على جميع الأموال التي ردّها سالم إلى مصر بموجب اتفاق قضائي في أغسطس/ آب 2017، تضمنت حصته في شركة "شرق البحر المتوسط للغاز" و21 من أصوله العقارية بقيمة تقدر بأكثر من 5 مليارات جنيه (نحو 330 مليون دولار) والتي تمثل 75 في المائة من إجمالي ثروته المعلنة داخل مصر وخارجها، والتي تتخطى 7 مليارات جنيه وجرى ذلك مقابل تمكين سالم من الحصول على مبلغ 147 مليون دولار من سويسرا، التي قررت رفع التحفظ عن هذا المبلغ بعد مخاطبة النائب العام المصري لنظيره السويسري وإبلاغه بالتصالح مع الدولة وسداد ما عليه من مستحقات، بعدما كان ينفي في السابق امتلاكه لأي أصول في مصر.
وكانت مصادر إعلامية وأخرى في حزب "مستقبل وطن"، المدار بواسطة الاستخبارات، قد أفادت في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، بأن ياسر سليم أُبعد عن منصبه كنائبٍ لرئيس مجموعة إعلام المصريين منذ خمسة شهور تقريباً، على خلفية خلافات متصاعدة بينه وبين تامر مرسي، الأقرب لدائرة السيسي حالياً. ويعود سبب الخلاف لانتقاد سليم نجل السيسي، محمود، وطريقة إدارة الملف الخاص بمنظومة تسويق تراث الإذاعة والتلفزيون، وتدشين المنصة الإعلامية الجديدة المملوكة للاستخبارات "ووتشيت" التي حازت بالأمر المباشر على معظم محتوى مكتبة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وذلك لتفضيل المسؤولين عن المنصة الجديدة، شركة على حساب شركته "بلاك أند وايت". وترافق ذلك مع تصعيد ضابط الاستخبارات السابق منتصر النبراوي، بدلاً من ياسر سليم، والذي تدرج بسرعة منذ كان مسؤول العلاقات العامة بإعلام المصريين، ليصبح في ظرف عامين عضواً بمجلس الإدارة ونائباً لرئيس شركة "بي أو دي" المتخصصة في الدعاية، والتابعة لذات المجموعة وهي التي تملك أكبر الحقوق الحصرية للإعلانات في مصر حالياً. النبراوي مسؤول كذلك عن منظومة التسويق الجديدة "تذكرتي" التي ظهرت في كأس الأمم الأفريقية الماضية، وكذلك بات أحد المسؤولين الرئيسيين عن منصة "ووتشيت" الجديدة.